مقالات

اليمن بين استبداد الميلشيات واستبداد قرارات المجتمع الدولي

عمر شميس

عمر شميس

 بات الشعب اليمني مضطربا في صياغة مشروعه السياسي الذي بدأت تتشكل ملامح مستقبله في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومسودة مخرجات الحوار الوطني والدستور الجديد للجمهورية اليمنية الذي كان ينقضي الإستفتاء عليه بعد أن تتم لجنة الصياغة من العملية الجراحية الأخيرة.

 

ومنذ بروز المليشيات المسلحة على شكلها الحالي وقبول رئيس الجمهورية في إشراكهم بالعملية السياسية، دون أي شروط أو قيود، مما مكنهم للاستيلاء على مقدرات الشعب ونهب مؤسسات الدولة، وأصبحت الدولة موزعة بين تيارين لا ثالث لهما، تيار الطاغوت المحلي سيد المليشيات وخادم السفارات، وراح هذا الطاغية يصيغ التوجهات السياسية بلا سياسة، والإقتصادية والثقافية و الأمنية والعسكرية دون أن تكون بطانته من أهل الفكر الناضج، و على الدوام كانت بطانة الطاغية الحوثي طغاة حاقدين وعسكريون فارون من وجهة العدالة، وقبليون لم يتجاوز سنهم مرحلة الفطام من الدراسية الأساسية.

 ونجح الطاغية المحلي ذي المشروع الإنتقامي من إرباك واقعنا وتعطيل مستقبلنا وربما بلغ نجاح حققة هو إقامة المقابر وتجميع الجماجم في رفوف خاصة تحت كهف مران وقصر الثنية، وتشييد المعتقلات والسجون، وتجفيف منابع رجال الأمة بتفجير المساجد ودور القرآن وتدمير منازل القائمين عليها، لتعفين القيم والمبادئ وبذلك ينتج شبابا متعفنا لا يفرق بين الديموقراطية والديكتاتورية، بين الحرية والإستعباد، بين المشاركة في صناعة القرار و تنفيذ الأوامر بالحرف بدون مناقشة، وفرض الرؤية تحت تهديد السلاح.

 

 يحاول هذا الطاغية المحلي ذي المشروع الخارجي من تحطيم الإنسان اليمني ومسخه و تفكيك ثوابته وخصائصه الداخلية و الخارجية على السواء. وأقام الطاغية المحلي ذي المشروع الخارجي أوشج العلاقات وأقوى الروابط وأمتن الجسور مع الطاغية الخارجي ذي اللسان الفارسي والإنجليزي والذي تمثله إيران اليوم، برعاية الدول دائمة العضوية، و من هذا الطاغية يحاول أن يستمد الطاغية الداخلي شرعيته وقوته وأسلحته و وسائل التعذيب والطرق الأمنية الاستخباراتية وظلت الهيمنة الخارجية “المجتمع الدولي” على وجه التحديد يغذي الطاغية المحلي بأسباب القوة و السيطرة والمنعة وكان في المقابل يحافظ على أمن عملائه بدول الجوار، و يجني أدمغة مهاجرة ومهجرة وملفات أمنية وإستخباراتية طازجة ودسمة تتعلق بأدق التفاصيل ولا يمكن لهذا الطاغيّة العالمي أن يحصل عليها حتى لو غرس ملايين الأقمار الصناعية على سماء أوطاننا.

 

و بفضل هذا الطاغية العالمي والمستعمر الجديد الذي يهدد أي معرقل لسير العملية السياسية التي اختيرت من قبل الشعب، ولم نكن نشعر أن هذا التهديد يغذي وينمي طاغيتنا المحلي ذي المشروع الفارسي، فبات هذا الطاغية يتمادى في قتله وطغيانه و يدشن المقبرة تلو المقبرة في محافظات الجمهورية على قاعدة أن الآخرة خير من الدنيا، وأن الأرض يورثها الله عباده الصالحين..! وما دام الطاغية الخارجي “المجتمع الدولي” يحصل على ما يريد من صراع وتغييب دور الدولة ونشر الفوضى، فإنّه يغضّ الطرف عن الطاغية المحلي بل كان يدينه نهارا و يبعث إليه وسائل التعذيب ليلا، يدينه من خلال الناطق الرسمي له ويدعمه من خلال المبعوث الأممي الذي كان يبعثه إلى بلاط موفنبيك لإنقاذه من مؤامرة هنا ومحاولة عرقلته هناك، واسألوا في هذا الأمر جمال بنعمر.

 

ومادام يملك الطاغية الخارجي مزرعة من العملاء الموالين له في العمود الفقري للدولة والمؤسسة العسكرية والمكونات السياسية فتوقع ظهور طاغية أخر يوصله إلى سدة الحكم، ويسلطه على ثروات البلاد ورقاب العباد.

 

وحتى إذا جعل الطاغية المحلي المدعوم بالطاغية الخارجي الشعب يكفر بكل القيم والثوابت، و حتى إذا أخرجهم من أطوارهم، وأجهز على عقولهم، و أربك تفكيرهم راحوا يستنجدون بالطاغية العالمي وينتظرون منه قرارات تعاقب طاغيتنا الحوثي الذي هو أصل بلائهم و أرضية بذور طغاتهم، و عندما هدد الطاغية الخارجي الطاغية المحلي فرح الناس وقيادات السياسة لحظات، و أكتشفوا بعد برهة أنّ طاغيتهم المحلي ذي المشروع الفارسي هو فرع من فروع هذا الطاغية العالمي الخارجي بل هو من سنخه وإمتداد له، و توزعّت نخبنا ومثقفونا وشعراؤنا بين تأييد الطاغية المحلي و انتظار الحكم من الطاغية الخارجي، فيما مازال الشعب اليمني يبحث عن نفسه عساه يجد خياره الثالث البعيد عن مدلهمات الطاغية المحلي و وظلم الطاغية الخارجي !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى