مقالات

ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” !.

بقلم/عبدالناصر الخطري
إن رؤية الإنسان لنفسه بأنه على حق من وجهة نظره، ليس عيباً أو
نقيصة طالما آمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترم وجهات
نظرهم ؛ إنما المعيب أن يصحبَ تلك الرؤية اعتقادُه بأن الآخرين ليسوا على شيءٍ ، فيرمي بمخالفيه إلى حدود العدم ، و لا يرى وجوداً حقيقياً إلا لذاته أو من كان في نسقه .
إن ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” ثقافة تأباها الفطر السليمة والنفوس المستقيمة ؛ لكنها داءٌ ينتقل بالتطبع والتربية في دوائر التوجيه المغلقة ، حيث تُشحن العقول الفارغة بمعلومات سلبية عن المختَلف معهم فكرياً أو سياسياً ، فينشأ المتربي إنساناً ضيق الأفق ، يُفرِز الناس في قائمتين لا ثالث لهما ، قائمة الموافقين البيضاء وقائمة المخالفين السوداء ، ثم ينطلق في تعامله معهم من منطلق الولاء أوالعداء .
إن ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” ثقافة حاقدة تتجاوز الواقع القائم على الاختلاف والتنوع ، ومن يراهن عليها لإلغاء المخالف فكرياً أو سياسياً ، يتناسى هذا المعطى فينصدم بالسنن الكونية التي لا تتغير فيكون أول المتضررين ؛ لأنه راهن على سقوط الكل ليبقى هو ، فيشتته الصراع ويوهنه الصدام فيسبق سقوطه سقوط الآخرين .
وإن المتأمل في التأريخ يجد أن ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” شكلت سلوك المتغلبين في الحكم في حُقبٍ تأريخية مختلفة ، وظهرت على ممارساتهم السياسية والعسكرية ، فجرّت الويلات على الشعوب التي وقعت تحت وطأة حكمهم ، حيث مارس هؤولاء أبشع أنواع القتل والتعذيب والتغييب بحق من خالفهم في الرأي ؛ لكنهم سقطوا في النهاية وصاروا تاريخاً سيئاً تلحقهم اللعنات .
إن العاقل اليوم وهو يرى خريطة الصراع وتكالب الأعداء يسعى إلى توسيع دائرة المتفق عليه ، ويضيق دائرة المختلف فيه ، ويمد جسور علاقاته ويحيد خصومه ، وليس من العقل أن تبقى ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” طاغية في السلوك والمعاملات .
إن تفشي ثقافة ” لستَ على شيءٍ ” تستلزم العمل الجاد على التغلب عليها ، على أن تكون البداية من الذات ، بترويضها على تقبل رأي المخالف دون تسفيهٍ أو تحقير ، وتعويدها على التعايش مع الغير على ماهم عليه دون إجبارٍ لهم أو إكراه على أفكارٍ لا يعتقدونها وآراءٍ ليسوا مقتنعين بها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى