مقالات

سرطانُ اليمن القاتل .. (١)

بقلم/ فيصل الحفاشي
 
تألمتُ عندما طالعتُ تقريراً لمنظمة الشفافية الدولية والذي تتخذ من برلين مقراً لها، وفيه إيرادٌ للدول العشر الأكثر فساداً على مستوى العالم لعام 2016م، وكانتِ (اليمن) للأسف هي إحدى تلك الدول، واحتلت المرتبة ال(170) على مستوى دول العالم، أي في ذيل تلك القائمة!
وهذا يفسرُ لنا جلياً التخبط الذي تعيشه بلادنا على مختلف المستويات (العسكرية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية …إلخ) سواء أكان ذلك في ظل الحرب أم قبلها ..
وحقيقةً لقد صارت ريحة الفساد تزكم الأنوف، وتمرضُ القلوب، وتتلف الأكباد، ولم تعد تخطئها عين، أو يجهلها عقل!!
ولعلنا نتساءل عن (ماهية الفساد، وخطره، ومظاهره، وأسبابه) عسى أن نساهم في نشر الوعي المجتمعي والسياسي في استئصال هذه المرض الخبيث الذي ينخر في جسد بلدنا في سلمه وحربه ..
ماهية الفساد:
يعرف المعاصرون الفساد بأنه سوء استغلال السلطة؛ لتحقيق مكاسب شخصية، أو فئوية أو حزبية أو نحوها.
وسوء استغلال السلطة هذا لا يلزمُ منه أن يكون من رئيس أو وزير فقط، بل قد يكون من موظف عادي، أو جندي بسيط؛ فيأخذ ما ليس حقاً له، ويُقصِي صاحب الحق، مخالفاً في ذلك الأنظمة والقوانين المعمول بها في ذلك البلد.
خطر الفساد:
لا يمكنُ لأي بلدٍ أن ينهض ويتقدم إلا بأن يعلنَ حرباً شعواء على الفساد، بغضِّ النظر عن ديانة ذلك الشعب أو جنسه أو لغته؛ فهي نواميس وسنن كونية؛ تتحقق بتحقق أسبابها وتنتفي بانتفائها.
حقاً إن الفساد سرطانٌ قاتل، ولذا كان أصحابه ممقوتين عند الله وخلقه، نعم إن الله يكرههم، قال تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
وقال تعالى محذراً لنا من الوقوع في شراك الفساد: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، إذاً فالفساد مرضٌ فتاك، وجريمة دينية وإنسانية!
هذا وإن انتشار الفساد في الأرض هو أيضاً عقوبة ربانية؛ لكي يفيق الناسُ من سباتهم، ويقيموا شرع ربهم، وما يُصلِح دينهم ودنياهم، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
ولذلك فمن أعظم وأبرز صفات المنافقين أنهم يفسدون في الأرض، فساداً مادياً، وفساداً خلُقياً، وفساداً معنوياً وعقدياً، والكارثة أنهم غير معترفين بخطئهم وفسادهم!!
قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12].
ولما كان الفسادُ أثره أعظمُ في الولاة دون غيرهم ذمه الله فيهم، قال تعالى عن حال المنافقين: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].
وهذا أحد معاني التولي في الآية، أي: أنه من ولاية أمور الناس وحكمهم، وهو قوي لمطابقته الواقع؛ فالإفساد من الحكام أضر من غيرهم، وقيل: المراد بالتولي هنا الإدبار والإعراض، ولا تعارض بينهما؛ فإن الحاكم والوالي لا يفسد في الأرض إلا بعد إعراضه عن تعاليم الشرع وإدباره عنها.
ولا يعني هذا أن الفساد قد لا يحدثُ من آحاد الناس، بل قد يحدثُ قطعاً، ولكن ضرره على الأمة ليس كضرر وتعدِّي فساد الحاكم ومن في موطن المسئولية ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى