مقالات

حتمية الصراع السياسي القبلي في اليمن


Yemenis belonging to the Bagefer tribe attend a wedding ceremony at Wadi Lesser in Hadramout

نسيم أحمد الفيل*

ظهرت القبيلة إلى واجهة الصراع السياسي اليمني في عهد ملوك سبأ حوالي 500 قبل الميلاد منها قبائل همدان التي تعتبر القبائل اليمنية المعاصرة فروعاً منها، وقد ظل العنصر السياسي القبلي يحتل نفوذاً قوياً ويلعب دوراً مهماً في تحديد السياسة العامة للدولة باعتباره المحور الرئيسي الذي تدور حوله مختلف النظم والأنساق الاجتماعية في اليمن.

 

وتعد الحياة القبلية ظاهرة اجتماعية بنائية معقدة عاشت اليمن في ظلها عبر مراحل التاريخ حياة سياسية واجتماعية غير مستقرة، على الرغم من مظاهر الوحدة الحضارية والثقافية والدينية التي تميز بها المجتمع اليمني.

 إلا أن ممارسة القبلية السلبية لحل المشكلات الاجتماعية المختلفة من خلال جعلها موقفاً موضوعياً من جهة و تفسيراً اجتماعياً من جهة أخرى جعل كلاً من ثقافة القبيلة وتأثيرها على سلوك الأفراد وعملية الوصمة الاجتماعية؛ بديلاً مرادفاً للنظم والتنظيمات السياسية التقليدية والسائدة في معظم دول العالم.

 

 فثقافة القبيلة تنشئ نوعاً من السلوكيات والقيم المرغوب فيها داخل القبيلة ذاتها ولكن أي محاولة للتعامل بها وفرضها على مجموعات ثقافية أخرى مغايرة قد يؤدي إلى النفور لعدم فهم تلك المجموعات ومغزاها وهذا هو ما سبب العديد من الصراعات بين القبائل في اليمن وعلى رأسها قبيلتي حاشد وبكيل، والمتجسد حالياً بين الإصلاح و الحوثيين على الرغم من كونهما يعودان لأصل واحد وهو جشم آخر أحفاد همدان من فرع كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

 

 ومن آثار هذه الصراعات برزت الوصمة الاجتماعية التي تقوم فيها القبائل بخلق افتراءات على بعضها البعض فتعمد القبيلة الموصومة بقبول صورتها العكسية وعكسها على أفراد المجتمع في شكل كراهية تبرز من خلالها الصراعات السياسية التقليدية حيث يقوم الساسة بإنجاز أهدافهم من خلال استغلال افرازات الصراعات القبلية بإشعال الفتن بينها وكسب الأصوات بالباطل ويمنحون بذلك مشايخ القبائل القدرة على فرض مطالبهم على الدولة وتخصيصهم بامتيازات دون العامة ليخلقوا بذلك حلقة فساد مفرغة بين النظام الحاكم ومشائخ القبائل وهذه هي سياسة الرقص على رؤوس الثعابين التي إعتمدها الرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي سخر كل موارد الدولة لتكميم الأفواه مطبقاً المثل اليمني " إطعم البطن يستحي الوجه ".

 

 وهي سياسة فاقمت من دور القبيلة وثقافة الفساد والمحسوبية من خلال خلق توازن بين الدولة والقبيلة، وهي محاولة يائسة لتطويع القبيلة لصالح الحكومة دون المحاولة لبناء مجتمع مدني على الرغم من تغني النظام السابق بالديموقراطية والتعددية الحزبية، إلا أنك عند التعمق في واقع الحال تجد أن هناك حزبان يسيطران على المشهد السياسي اليمني وهما: حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح الجناح السياسي لحركة الإخوان في اليمن، وكلاهما يتصفان بهشاشة الأساس الفكري الذي أسهم بشكل كبير في تفاقم مشاكل اليمن فهي في الأول والأخير أحزاب تواجد فيها عنصر القبلية بشكل كبير، غاب عنها التوافق حول المسلمات العامة للدولة اليمنية، يتسابقان لاستقطاب مشايخ القبائل في اليمن.

 

  والأسباب التي جعلت هذا النظام يسري ليس  في فترة حكم علي عبد الله صالح فقط بل مع كل نظام حكم اليمن حتى الآن هو كون أفراد المجتمع عند انظمامهم لحزب من الأحزاب ينظمون بشكل جماعي استناداً إلى شيخ القبيلة وميوله الحزبي لا على اقتناعهم  بأهداف وبرامج الحزب، وكذلك الإعلام اليمني لم يستطع التوافق على مسلمات عامة لمصلحة اليمن فغابت مصلحة البلاد وسط تراشق المشايخ والساسة الذين لا يختلفون عن بعضهم كثيراً.

 

عند توصيف المشهد في اليمن نجد أن اليمنيين يقتتلون حول ايدلوجيات ميتة واختلافات مذهبية ويسيرون على مبدأ العودة إلى قبائلهم عوضاً عن أجهزة الدولة وهذا ما صرح به شيخ قبيلة صادق الأحمر، ويعد هذا من أهم عراقيل قيام دولة مظلتها القانون، دولة تسيطر على أراضيها ولا يوجد بداخلها دويلات تابعة للمشايخ، فوطنية المشايخ تحوم حولها علامات الاستفهام.

 

ففي حين يطالبون بعودة المواطن للقبيلة لأخذ حقه ينادون بالدولة المدنية، وشتان بين الحالتين، ومن المستحيل أن يجتمعان وبهذا فهم يقفون على مسافة واحدة من ماضي اليمن ومستقبلها، فقد كان بعض مشايخ القبائل "جمهوريين في النهار وملكيين في الليل " كما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر عام1962م.

 

وعلى الرغم من تعدد القبائل وتعاملهم البرجماتي النفعي  إلا أن الفساد والهيمنة القبلية محصورة في أسر معدودة، وكما علقت إحدى وثائق ويكليكس ( Sanaa1782) " لن يتمكن أي إصلاح اقتصادي مهما كان مقنعاً مادياً أو حسن النية الهروب من براثن المنافسات القبلية اليمنية التي تظهر في أكثر الأحيان على الساحة التجارية ومنافسة برامج المحسوبية الرئاسية "، وهذا ما ينطبق على تجارة آل الأحمر -مشايخ قبيلة حاشد- ومنافستهم على المناقصات خاصة المتعلقة بالنفط  وشركات التنقيب، ويرون بأنهم الأحق في الحصول عليها باعتبارهم زعامات قبلية لها وزن في التأثير على النظام السياسي في اليمن سواء بتبادل المصالح أو بقوة السلاح، حيث لا يزال بعض زعماء القبائل يرون القبيلة خط أحمر وينظرون للدولة المدنية على أنها أفكار مستوردة ودخيلة على اليمن حتى مطالبات نزع السلاح مرفوضة فهي تعد صمام الأمان بالنسبة لهم.

 

ومن هنا أصبح الحديث عن الماضي بحثاً عن حقائق تاريخية تؤدي لاكتشاف الثوابت الفكرية والتيارات المتحولة من خلال تقصي الخلفيات، لهذا نجد أن القبيلة كانت المحرك الأساسي للنظم السياسية في اليمن وها نحن اليوم في صدد بناء دولة النظام والقانون دولة تعتبر وليدة التغيير الذي نادى له الشباب في ثورة 2011م، والذي سَطَت عليه الأحزاب السياسية لتترك الشباب في انتظار ولادة متعسرة للدولة المدنية مع هبوب لرياح اليأس بين الحين والأخر، خاصة مع تدخل اليد القبلية  في كل شاردة وواردة في بناء هذه الدولة.

 

 فعلى صعيد الحوار الوطني الذي يعتقد أنه الشامل لكل مكونات وشرائح المجتمع اليمني نجده قد أقصى كثير من المكونات الأساسية والتي تعد قوة تؤثر في صنع الرأي العام في التكوين المجتمعي لليمن كالعلماء، ولكنك تجد أعضاء الحوار عبارة عن تركيبة متناقضة من مجموعة سياسيين تابعين لأحزاب هشة، ومشايخ قبليين وصلوا في تدرجهم الأكاديمي إلى مرتبة ما دون الشهادة الأساسية، وآخرين من دعاة الحرية وهم من يحملون لواء الأفكار الليبرالية والذين يدعون لتطبيق تجارب غربية على واقع مخالف، وهنالك فئة بصيص الأمل التي تشتمل مجموعة من مشايخ العلم والمثقفين الذين يرتجى من وجودهم تمثيل غالبية أبناء هذا الوطن.

 

وبهذه التركيبة دخلت اليمن في دوامة صراع لا توافقية عجزت خلالها عن حل قضايا محورية تهدد مستقبل اليمن كقضية الانفصال وشكل الدولة والتي كانت القبيلة في تصرفاتها السلبية سبب رئيسي في تفاقمها.

 

 فعند العودة إلى تاريخ الوحدة اليمنية تجد أن أول من عارض قيام الوحدة اليمنية هم المشايخ وكان على رأسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله شيخ قبائل حاشد الذي كان يتلقى الدعم من دول عربية معارضين لقيام الوحدة اليمنية ويرون فيها تهديد لمصالحها، فعمدت على زعزعة أمن البلاد وتثبيت مسامير نعش الوحدة من خلال مشايخ القبائل الذين اشترتهم بأموالها.

 

 وبعد قيام الوحدة حدث الصدام بين سطوة القبيلة في الشمال وغيابها في الجنوب، وكون الدولة كانت تسير وفق نظام يوازن بين القبيلة والدولة؛ ضاع الجنوب في متاهة البحث عن هوية قبلية تمنحه الأحقية في الحصول على كيان له سطوة في مستقبل اليمن، فحدث صدع كبير في أسس الوحدة اليمنية وظل النزاع حتى أشتد وبدأت مطالب الجنوب في التمحور لتطالب بالانفصال وفك الارتباط، على الرغم من كونه مطلب لا يتفق عليه كثير من  الجنوبيين.

 

وبالنسبة لمشايخ القبائل الذين لم تشملهم مظلة الحوار وسقطواً أيضاً من كشوفات التمويل الحكومي فقد توجهوا لتدمير المنشآت الحكومية والبُنى التحتية، فتجد تفجيرات أنابيب النفط  ومحطات توليد الكهرباء وغيرها من الأعمال التخريبية قد وجدت لها حيز من الفراغ في ظل حكومة الوفاق الغائبة عن أداء مهامها والمنشغلة في توطيد كراسي حكمها ونصب المكايدات لبعضها البعض بهدف إثبات جدارتها وتناسوا مصلحة هذا الوطن وتناسوا أنهم رعاه ومسئولين عن رعيتهم وبغيابهم تحققت مطالب المشايخ بعودة المواطن للقبيلة للحصول على حقه فالدولة وحكومتها لم تعد تشكل أهمية بالنسبة للمواطن بسبب تقصيرها في تلبية حاجات المجتمع، فأصبح الاقتصاد اليمني يتعرض لهزيمة تلو الأخرى في محاولاته للنهوض بعجلة التنمية في ظل غياب المسئولية الجماعية بأهمية تكاتف الجهود لتصحيح الوضع في اليمن.

 

إذن يمكن أن نقول أن القبيلة ليست هي المشكلة في المجتمع ذلك الإسلام أعطا لها حجمها وامتدحها النبي عليه الصلاة والسلام في أكثر من موطن، غير أن السلوك السلبي الذي اتسمت به في اليمن في فتراتها السابقة جسدت مشكلة للدولة ولم تساهم في بنائها.

 

و لكن يبقى التساؤل هو: ما هي الصفحة الجديدة في مستقبل القبيلة في اليمن؟ وكيف ستختلف عن الصفحات التي قد طويت؟ خاصة وأن اليمن تمر في مرحلة حاسمة فكيف سيحقق حسن الاختيار القائم على القابلية المحلية والتي روضتها التجارب على مر الأزمان وخاصة في العقود الأخيرة، فاليمنيين جديرين بمستقبل أفضل وهم معقد الأمل لا حكوماتهم.

                

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى