تقارير ومقابلات

حوار مع شوقي القاضي ، وتداعيات فشل الإسلاميين الكارثية !!

حاوره للإسلام اليوم / هشام النجار

أداؤه الجذاب، وأسلوبه الشيق في عَرْض أفكاره، وحرفيته في إدارة الحوار خلال ورش العمل التي أُقيمت بمقر حزب البناء والتنمية بمصر لتنمية مهارات الخطباء، كان محل إجماع وتقدير من الجميع، ولذلك كان حرصُنا على إجراء هذا الحوار معه، للوقوف على أبعاد جديدة من طرْحه الثرى والنافع في مجال التنمية البشرية للخطباء والدعاة، وكذلك لمعرفة المزيد عن تجربته وروافدها، وللوقوف على قصته مع هذا التخصص منذ البداية.

إنه الدكتور شوقي عبد الرقيب القاضي، المُتخصص في مجال التنمية البشرية والتدريب، ورئيس المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع باليمن، والعضو السابق بالبرلمان اليمني.

في البداية، عرَّفَ نفسه قائلًا:

اسمي شوقي عبد الرقيب القاضي، درستُ العلومَ الإسلامية واللغة العربية على يد مشايخ محافظة “تعز” باليمن، وحاصل على ليسانس الشريعة والقانون من جامعة صنعاء عام 1987م، وماجستير القانون الدولي الإنساني من جامعة صنعاء، وأنا أعمل كخطيب وإمام منذ 34 عامًا، ومحاضِر منذ عام 1978م إلى الآن، وعضو بالبرلمان اليمني ( 2003-2011م)، وأعمل في التدريب في مجالات مختلفة منها: “حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”، و”البناء المؤسسي للمنظمات والجمعيات”، و”التنمية البشرية”، ورئيس “المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع (نودز يمن)”.

نريدُ التعرف على دافعك للاهتمام بجانب التنمية البشرية بالنسبة للخطباء.

الذي دفعني للاهتمام بالتنمية البشرية هو أنني -بطبيعة الحال- أعملُ خطيبًا منذ فترة طويلة، وأعلمُ جيدًا الدورَ الخطير والحيوي الذي يلعبه الخطيب في المجتمع، وتأثيره الكبير في صناعة الرأي العام وتوجيهه.

متى وأين جاءتك هذه الفكرة؟

بدايةً أؤكد أن خطيبَ المنبر هو رجل صاحب مهام كبرى، وهو ذلك الرجل الذي وهبَ نفسه لخدمة الدعوة والرسالة، وللقيام بمهمة النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ ونشر الهداية والخير والوسطية بين الناس. ورغم هذا الدور الكبير الذي يلعبه ورغم أهمية موقعه وعظم مسئوليته، فنادرًا ما تجد أحدًا يهتم بصقل مواهبه وتنمية مهاراته وقدراته. من هنا جاءتنى الفكرة، وتحديدًا عندما دخلتُ السجن بسبب خطبة ألقيتها، وهناك تابعتُ الخطباء الذين كانوا يتناولون القضايا من زوايا مختلفة وبأسلوب يميز الواحد منهم عن الآخر، فتبين لي أن الخطيب يحتاج إلى توسعة مداركه حتى يستطيعَ أن يُجاري الأحداث، ويتعامل مع الواقع، ويتفاعل مع قضايا مجتمعه بصورة سليمة.

حدِّثنا عن نشاط المنظمة التي ترأسها في هذا السياق.

المنظمة أعدت خطة وقامت بتنفيذ برنامج متكامل لتأهيل الخطباء والوعاظ، ثم جاء إخواننا في المنتدى العالمي للوسطية وأنشئوا فرعًا في اليمن، فتلاقت قناعاتنا وتضافرت جهودُنا في مشروع تأهيل الخطيب في كثير من المهارات ومن ضمنها التنمية البشرية، لكي يكون خطابه وسطيًّا وبنَّاءًا ومُفيدًا للمجتمع.

وقد قمنا إلى الآن بتدريب أكثر من ألفي خطيب على مستوى الأردن والعراق، والآن نقوم بالتدريب في تونس ونواكشوط والقاهرة.

هل لمستم الاستجابة المطلوبة، وحصلتم على النتائج المرجوة لبرنامجكم؟

من خلال عملنا لمسنا أمرًا هامًّا، وهو أن الخطباء عندما يؤمنون بقضية يتفانَوْن فيها، وتصبحُ جزءًا من قناعاتهم، ومُكونًا رئيسيًّا من مكونات خطابهم، ويبذلون كل ما في وُسعهم من جُهد لتَحِلَّ أفكارُهم وما اكتسبوه من قناعات جديدة على الأرض وبين الناس، وبالتالي أستطيعُ أن أؤكد لك أننا نجحنا بنسبة كبيرة جدًّا في مهمتنا التي نعتبرها مهمة خطيرة وعظيمة الشأن؛ بالنظر إلى مكانة الخطيب ودوره المؤثر والقوي في منظومة إصلاح المجتمع والارتقاء به.

لماذا مصطلح “الخطيب” وليس “الداعية” هنا؟

لأن الداعية أشمل، ويستحق هذا اللقب الشامل المدرس مع تلاميذه وزملائه، والمهندس في الشركة الذي يدعو زملاءه والمتعاملين معه، والطبيب الذي يدعو مرضاه وزملاءه بوسيلة أو بأخرى من وسائل الجذب الدعوية، أما جُهدنا هنا فموجَّه لنمط محدد من الدعاة، وهم الخطباء الذين يقومون بدور المُرسِل للخطاب الإسلامي.

وهل هناك عوامل بِيئية وأسرية دفعتك في هذا الاتجاه؟

نعم؛ فجدي لوالدي هو القاضي الشرعي للمنطقة التي أعيش بها في اليمن، وأنا من بيت قضاة وعِلم والحمد لله، وأبواي متدينان أسأل الله لهما القبول وأن يرفعهما إلى مراتب عالية.

هل البيئة اليمنية أكثر تديُّنًا من البيئة المصرية؟

نحن لا نستطيع أن نحكم هذا الحكم العام؛ فهناك مجتمع متدين في زاوية يكون مجتمع آخر مفرِّط فيها؛ فعلى سبيل المثال: فالمواطن المصري المتدين من الممكن أن يُخطئ في أمور، لكن هناك محرمات وهناك حدود وخطوط حمراء؛ وخاصة في مسألة الدم وإزهاق الأرواح؛ في الوقت الذي تكتشف في بعض مناطق اليمن أن البعض هناك متدين في دائرة العبادات وإقامة الصلاة والصوم… الخ، لكن الدم عنده أرخص من المياه، ومن السهل عليه جدًّا أن يُزهق رُوح إنسان ثأرًا أو انتقامًا بالرغم من التزامه بالعبادات! لهذا لا ينبغي أن نطلق أحكامًا عامة، ولا ننظر للقضية من زاوية واحدة، وهناك تدريب قمنا به في ورشة التنمية البشرية، على كيفية النظر للقضية من زواياها المختلفة، وهو ما يوصلك حتمًا إلى استيعاب أبعاد القضايا، والنظر بعمق في مدلولاتها.

وهل هناك رافد آخر أثَّر في تشكيل قناعاتك وتحديد وجهتك الحالية؟

نعم، وكان هذا مؤثرًا جدًّا في حياتي، عندما قابلتُ في المرحلة الإعدادية شبابًا من الحركة الإسلامية، وكانت صحبتهم أهم العوامل التي شكلت شخصيتي في مرحلة المراهقة، حيث تشكلت في إطار وقالب الحركة الإسلامية، وكان أن انخرطتُ في العمل الدعوى والتربوي، وأنا أعتبر نفسي أحد المتأثرين بفكر الحركة الإسلامية بشكل عام.

وما أهمية ما تقومون به من تنمية لمهارات الخطباء في المرحلة الحالية؟

أولاً: لأن الإسلاميين عُمومًا اليوم تحت المجهر، بل المتدين بشكل عام تحت المجهر؛ فإن أخطأ خطيب واحد أو تجاوز في مسألة ما فسرعان ما تنقلُ خطأَه وتجاوزَه وسائلُ الإعلام و”اليوتيوب” ومواقع “النت” والتواصل الاجتماعي، وسرعان ما يصبح هذا الخطأ الذي تم تضخيمه في صدارة المشهد الإعلامي.

ليس هذا فحسب، بل يتم إلصاق هذه السقطة -بتعبيرهم هم- بالحركة الإسلامية وبجميع الإسلاميين بلا استثناء، حتى لو كان هذا الخطيب لا ينتمي في الأساس للحركة الإسلامية، وحتى لو كان الإسلاميون غير راضين عنه ولا يوافقونه في طرْحه وآرائه.

ثانيًا: لأن الأمة الآن -وقد يئِست تمامًا من كل القوى والتيارات الأخرى- وكأنها تقوم بتجربة ورقتها الرابحة، ولسان حالها يقول: “أيها الإسلاميون، تعالَوْا وقودُوا المسيرة، وتحملوا مسئولياتكم، وأنقذوا الشعوب من الظلم والاستبداد والفقر”؛ فالأمة والمجتمع يتطلعان إلى الإسلاميين والدعاة وأبناء الحركة الإسلامية، وما الأشواق الجماهيرية التي عبرت عنها الجماهير من خلال صناديق الاقتراع ناحيتهم إلا عبء ثقيل ومسئولية كبيرة على كاهلهم، وليست مغنمًا ولا مصدر فخر وتَباهٍ.

لأنه لو فشل الإسلاميون -لا سمحَ الله- في هذه المرحلة فلن تقوم لهم قائمة إلى أمد بعيد، وينبغي على الإسلاميين اليوم أن ينتبهوا جيدًا لحقيقة قد تغيب عن حسابات الكثيرين منهم -للأسف- وهي أنهم مقياس نجاح الإسلام ذاته من عدمه -في نظر المجتمع والخصوم- فانظر إلى ثقل المهمة وخطورتها.

أعلم أننا نقول نظريًّا: إن تصرفات المنتسبين للحركة الإسلامية وتصريحاتهم ومواقفهم ليست حجة على الإسلام والمشروع والمنهج الإسلامي، لكن نظرة المجتمع ونظرة الخصوم غير نظرتنا نحن، فهم يعتبرون نجاح الإسلاميين نجاحًا للإسلام، وإذا حدث -لا قدر الله- وفشل الإسلاميون فإنهم سيحكمون على الإسلام بالفشل، مع أن الإسلام ومنهج الإسلام بريئان من كل فشل بشري.

ثالثًا: لأن وسائل الخطاب قد تعددتْ، وتنوعت وسائل الإعلام، وقد بلغت الحريات مداها وذروتها، والأمة تتلقى طعنات وهجمات إعلامية متلاحقة؛ فيها تشويه وتطاول على الرموز، وتمييع للثوابت، وتضييع للقيم، وهنا يأتي دَورُ الخطيب في إبقاء الأمة على هويتها، بالدفاع عن ثوابتها ورموزها. وهذا يعتمد في الأساس على فهم الخطيب، ووعيه، ومدى استيعابه لزمانه ومتغيرات واقعه، ومدى مقدرته على التعاطي مع آليات وأدوات العصر الحديث.

وهذه الجزئية الأخيرة مهمة جدًّا في جعل جيل الشباب دائمًا على ثقة بأن دينهم صالح لكل زمان ومكان، وأنه مهما تجددت الوسائل فإن القيم واحدة، وأن الوسائل ما هي إلا خادمة للقيم.

إلى أي مدى تجد الخطباء مقصرين في التعاطي مع تكنولوجيا العصر؟

يبقى الخطيب اليومَ -للأسف الشديد- أميًّا في بعض التفاصيل التي يبرع فيها أطفال هذا الزمان، مما يُظهر الخطيب وكأنه لا ينتمي لهذا العصر الذي نعيش فيه.

وجمهور الخطيب يريدونه مُلِمًّا بكل شيء، مستوعبًا لمتغيرات عصره، بارعًا في التعاطي مع كل أدوات الاتصال ومصادر المعلومات الحديثة.

ونحن من خلال برنامجنا التدريبي ننشد الخطيب المتخصص، ونسعى لبناء نموذج الخطيب المثقف الذي له في كل فن نصيب، القادر على توظيف آليات العصر في خدمة أفكاره ومشروعه الدعوي.

ما هي الضوابط التي يجب على الخطيب مراعاتها في خطابه السياسي؟

إذا اتفقنا أن السياسة عبارة عن قيم كبرى، فالخطيب -والداعية بصفة عامة- هو رائدُها، ونعيبُ على بعض الخطباء هنا الوقوع في شَرَك المواقف السياسية المؤقتة بطريقة فجة ومباشرة، وهذا يُفقد الخطيب قدسية منبره ووقاره.

والطريقة الأسْلم هي أن يعبر الخطيب عن رأيه وقناعته، ولكن بشيء من العمق، وبكثير جدًّا من العقلانية والشمولية، وبخطاب عام يركز على الكليات والمشتركات والقواعد العامة والقيم الكبرى، مع حِس احترافي يُمكِّنه من التعبير عن مواقفه وقناعاته السياسية، دون الوقوع في فخ المباشرة.

وتأثير الخطاب السياسي المباشر السلبي نعبر عنه من خلال تدريب من تدريبات التنمية البشرية وهو تدريب “المقاومة”؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت أنت “مصري” وأنا “يمني”، وقد بدأتُ الحديث معك بصورة مباشرة، وذكرتُ بلدك بشيء من النقد وذكر المساوئ والسلبيات، في هذه الحالة سيحدث لديك تلقائيًّا نوع من أنواع المقاومة الشعورية، وعلى الفور سينقطع الاتصال الوجداني وإن استمر الحديث، فيما يُشبه القطيعة الشعورية، لأنك ستتمترس وراءَ كل أخطاء وطنك وسلبياته، ولن تعترف بخطأ واحد؛ لسبب واحد غير متعلق بعدم وجود أخطاء وسلبيات وقناعتك بوجودها، إنما متعلق بطريقة وأسلوب الطرح المباشر، وطريقة إدارة الحوار من الطرف الآخر.

وبهذا الأسلوب المباشر والاستعلائي والإملائي يخسر الخطيب عددًا كبيرًا من جماهيره، خاصة عندما تكون القضية المطروحة قضية سياسية، خاضعة لحساب المصالح والمفاسد والمتغيرات، ولا دخلَ للثوابت وللحرام والحلال والجنة والنار والثواب والعقاب بها.

هنا تحدث “المقاومة”، والقطيعة الشعورية، والتمترس وراء الأفكار والأيديولوجيات مهما كانت أخطاؤها وتجاوزاتها، بسبب الخطاب الهجومي المباشر.

وهناك أيضًا في علم التنمية البشرية للمتلقي نوعان: “الواعي”، و”اللاواعي”؛ “الواعي” هو الذي يتلقى منك إملاءك المباشر هذا، ولا يتقبله وجدانيًّا وفكريًّا، وأحيانًا يسمع منك ويُبدي ظاهريًّا موافقته، لكنه في الواقع ليسَ مقتنعًا، وفى المقابل هناك “اللاواعي” الذي تصله الرسالة بما تحمله من أخطاء وتجاوزات وأكاذيب ويقتنع بها ولا يتنازل عنها بسهولة؛ ومن منطلق هذا الصنف من المتلقِين استمدت بعض وسائل الإعلام والفضائيات التي تنشر الشائعات والأكاذيب قوتها.

في ختام هذا الحوار الثرى نريد إطلالة خاطفة على أحوال بعض مشايخك وعلمائك في اليمن ممن لا تنساهم؟

من مشايخ اليمن الذين تتلمذتُ على أيديهم في مرحلة مبكرة من حياتي: الشيخ محمد بن حزام المرمي (رحمه الله)، وكان قد جاوزَ عمره (رحمه الله) المائة عام، وكنا نتسابق للحاق بدرسه بعد صلاة الفجر، حتى إننا كنا نؤجل التسبيح ونقوم به ونحن جالسون أمامه في الدرس. وهذا الشيخ على كبر سِنِّه كان يجلس للتدريس من بعد صلاة الفجر إلى ما قبل صلاة الظهر بقليل، ثم يرتاحُ ساعة فقط لا غير، ثم يُدرس من الثانية بعد الظهر إلى صلاة العشاء، وكان يتمتع بهمة لم أرَ مثيلاً لها في حياتي، وقد أثَّر فيَّ كثيرًا، وكان يقوم بتدريس مختلف الفنون والعلوم من لغة وعقيدة وأصول فقه.

وهناك مشايخ كثيرون اقتربتُ منهم وتعلمتُ على أيديهم، وكانوا يعيشون على الكَفاف، ورغم ذلك كانوا لا يتوقفون ولا يتهاونون في أداء رسالتهم وتبليغ علمهم، رغم ما كانوا يواجهونه من مشاقٍّ وصعاب.

المصدر : الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى