تقارير ومقابلات

في ظل حرب المليشيا ، ما مصير الذهب الأخضر اليمني ؟

الرشاد برس_تقارير

المخا ،
أول مدينة في التاريخ تصدر القهوة إلى أوروبا وأمريكا، وتفوح من مينائها الوحيد رائحة البن اليمني الأعلى جودة في العالم، إذ باتت تغرقها الدماء وتضج أزقتها ومزارعها الخضراء بأصوات القنابل والرصاص.
وقلصت الحرب التي تشهدها بلادنا والتي تسببت بها مليشيا الحوثي الإرهابية منذ أكثر من 4 أعوام، زراعة القهوة التي ارتبطت تاريخياً باليمن وامتدت لتكون جزءاً من الشعار الرسمي للبلاد.
وتراجعت صادرات البن اليمني إلى دول العالم بسبب الحرب الحوثية، ما دفع المزارعين إلى البحث عن محاصيل جديدة أكثر ربحية، ويمكن استهلاكها محلياً بشكل كبير مثل “القات”.
وما جعل البن اليمني في المرتبة الأولى في مقياس الجودة عبر العالم هي الظروف المناخية والبيئية، إذ يزرع في المرتفعات الجبلية والمدرجات الزراعية التي اشتهر بها المزارع اليمني منذ القدم، وتمتد من مناطق رازح في صعدة شمالاً وانتهاء بمنطقة حزار في جبال يافع جنوباً.
ويعرف البن اليمني تجارياً باسم “موكا” نسبة لميناء مدينة المخا على البحر الأحمر الذي كان نافذة التجار لتصديره للعالم.
وتنمو أشجار البن في الوديان، حيث المناخ الدافئ والرطب، وفي السفوح والمدرجات الجبلية، وعلى ارتفاعات تتراوح بين 700 و2400 متر فوق سطح البحر.
وتعد بلادنا البلد الوحيد في العالم الذي تزرع فيه شجرة البن في ظل ظروف مناخية وبيئية متعددة، لا تتماثل مع تلك التي تزرع فيها نظيراتها في مناطق أخرى من العالم.
وتتفاوت جودة ومذاق البن اليمني نظراً لزراعته في مناطق مختلفة من البلاد، وأجود أنواعه وأكثرها شهرة هي: “الإسماعيلي” و”المطري” و”الحيمي” و”الحواري” و”الخولاني”، نسبة إلى مناطق زراعته في غرب صنعاء، إضافة إلى البن “الحمادي” نسبة إلى مناطق “بني حماد” في مدينة تعز جنوب غربي اليمن.
ويصنف البن ضمن المحاصيل النقدية التي تدر أرباحاً تفوق تكاليف مدخلات الإنتاج، إذ تعتمد آلاف الأسر على زراعة القهوة، ويوفر فرص العمل لقرابة مليون شخص، بدءاً من زراعته وحتى تصديره.
وتبدؤ رحلة تصدير البن من بلادنا بتصنيفه بناء على مذاقه وشكله، فالبن “الإسماعيلي” يتميز بجودة عالية في المذاق، أما البن الحمادي فيتميز بالجودة بالشكل.
وبعد فرز أنواع البن إما أن يصدَّر بصورته الأولية، أو يحمَّص في معامل موزعة على أنحاء بلادنا، أو يُحمَّص ويطحن قبل أن يصدر إلى دول العالم بأسعار تصل إلى 500 دولار للكيلو الواحد، حسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.
وتقول الوكالة إن البن اليمني يكتسب شهرة عالمية بفضل جودته العالية، ويحصد الإشادة كأفضل بن في العالم.
وأوضحت الوكالة أنه يتم استيراد البن اليمني عالي الجودة إلى الولايات المتحدة لأول مرة منذ ظهور القهوة المتخصصة.
ونقلت بلومبيرغ عن أحد خبراء زراعة البن أن 90% من أنواع القهوة في العالم تُزرع في بلادنا.
رغم هذه المكانة العالمية فإن زراعة البن في بلادنا تواجه الكثير من التحديات التي تهدد باندثارها منها ضعف الإمكانيات الزراعية، وندرة المياه، إضافة إلى الظروف التي فرضتها الحرب التي تشهدها البلاد منذ ٥ سنوات.
ووفقاً لأحداث البيانات الرسمية الصادرة جمعية “البن اليمني” فإن مساحة زراعة البن في بلادنا شهدت تراجعا نسبياً من 34 ألفاً و652 هكتاراً عام 2014، إلى 33 ألفاً و544 هكتاراً في العام 2017، و27 ألف هكتار بالعام الماضي، فيما بلغت الإنتاجية من هذا المحصول 15 ألفاً و200 طن العام الماضي، مقارنة بـ 20 ألفاً و59 طناً بـ 2017، و18 ألفاً و767 طناً في سنة 2014.
وفي هذا الخصوص
يقول الدكتور منصور حسن الضبيبي، الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة صنعاء: إن “زراعة البن في بلادنا للأسف الشديد في حالة تراجع مستمر، سواء من حيث مساحة المحصول أو كميات الإنتاج أو معدلات الإنتاج بالنسبة لمساحة الأرض المزروعة”.
ويوضح الضبيبي، أن معدلات الإنتاج انخفضت من 579 طن إلى 565 طن للهكتار الواحد.
ويشير إلى أن “أسباب تراجع زراعة البن هي موجات الجفاف الدورية، وشح مياه الري في مناطق زراعة البن، وعدم استخدام وسائل الري الحديثة، التي بدورها تحتاج الى تدخل مدروس يأخذ في الحسبان خصوصية المحصول فضلاً عن خصوصية مناطق الزراعات المطرية وأنظمتها البيئية والحيوية”.
ويكمل: “هناك أسباب أخرى لتراجع زراعة البن، منها قدم عمر الأشجار المزروعة، وتردد المزارعين في تجديد هذه الأشجار، وعدم كفاءة برامج التسميد وتغذية الأشجار، وعدم كفاءة برامج المكافحة الحيوية والكيميائية للآفات في حقول البن، وعدم اتباع الأساليب السليمة في حصاد وتداول وتسويق ثمار البن، والتحول إلى زراعة بدائل أخرى”.
ويسرد الضبيبي، ضمن أسباب تدهور زراعة البن باليمن، زيادة كلفة الإنتاج بسبب ارتفاع كلفة العمالة المستأجرة وصعوبة الوصول إلى مناطق الإنتاج، وشح الأراضي، إضافة لتدني مستوى الأداء في المؤسسات المعنية بدعم وتطوير زراعة وتسويق البن.
كما تعاني زراعة البن في بلادنا من ضعف الإرشاد الإنتاجي والتسويقي، وتحول المزارعين لزراعة القات، وعدم تفعيل البحث العلمي في حل مشكلات البن الإنتاجية والمكافحة الحيوية للآفات والأمراض التي تصيبه.
ويؤكد الضبيبي أن “مناطق زراعة البن لم تشهد أي تطوير في بنيتها التحتية، من طرق وكهرباء وخدمات أخرى مقارنة مع المناطق الأخرى”.
الحرب سبب آخر
وللعام الخامس على التوالي تشهد بلادنا حرباً عبثية اشعلتها مليشيا الحوثي الانقلابية والتي ، تسيطر على محافظات، بينها صنعاء، منذ سبتمبر 2014 ، جعلت هذه الحرب معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين بات الملايين على حافة المجاعة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وحول تأثير الحرب في زراعة البن، يقول الأكاديمي اليمني الضبيبي : “الحرب أثرت بشكل كبير وكارثي في كل مناحي الحياة في اليمن، والقطاع الزراعي عموماً، ومن ضمنه قطاع البن، الذي تأثر كثيراً بالحرب، وبالأخص الصعوبات التي تعترض تصدير المنتجات اليمنية ومنها البن”.
ويلفت إلى أن الحرب منعت أيضاً المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وأتلفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
ويوضح أن زراعة القات تعتبر سبباً مهماً في تراجع زراعة القهوة، فالمزارعون باتوا يفضلون زراعته على المحاصيل الأخرى؛ بسبب عائده المادي الكبير.
ويشير إلى أن المساحة المزروعة بالقات في بلادنا بلغت 166 ألفاً و745 هكتار عام 2018 مقارنة مع 32 ألفاً و984 هكتار للبن في نفس السنة، ما يعني أن مساحة أراضي القات تمثل 5 أضعاف مساحة القهوة.
وحول المعالجات لإنقاذ زراعة البن، يقول الضبيبي: “يجب إنشاء كيان مؤسسي كبير مجهز تنظيمياً وفنياً ومادياً يليق بمكانة وأهمية هذا المحصول”.
ويضيف: “يمكن أن يعد هذا الكيان استراتيجية شاملة لتنمية وتطوير هذا القطاع في إطار رؤية واضحة وأهداف محددة وبرامج تنفيذية مناسبة وفعالة لمعالجة المشكلات وتنظيم العلاقات بين كل اللاعبين في قطاع زراعة البن”.
ويشدد على ضرورة تفعيل دور المؤسسات البحثية والمواصفات والمقاييس ومؤسسات التمويل والإقراض، والتوسع في دعم مشاريع جمع مياه الأمطار، وصيانة المدرجات، وتفعيل دور الإرشاد الزراعي، ودعم الصادرات من البن، والمشاركة الفعالة للقطاع الخاص، والحماية والترويج المناسب للبن اليمني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى