مقالات

حقيقة التهديدات الأمريكية بحرب نووية ضد إيران

• باحث في الشأن الإيراني
بقلم / محمد مصطفى العمراني *

نشرت مجلة ” نيوزويك ” الأميركية الشهيرة قبل أيام تقريرا أكدت فيه أن الولايات المتحدة تجري كل عام مناورة عسكرية نووية في أواخر أكتوبر تشرين الأول تحاكي فيها سيناريو توجيه ضربة نووية لإيران كما استضافت المجلة التي نشرت تغطية موسعة عن هذا الأمر العديد من المسؤولين والكتاب الأمريكيين للحديث عن الحرب بين واشنطن وطهران والتي قد تتصاعد لتتحول إلى حرب نووية .
مجلة ” نيوزويك ” أشارت إلى أن نشر الرؤوس النووية الجديدة لصاروخ “ترايدنت2” يهدف صراحة إلى جعل التهديد بضرب إيران بالسلاح النووي أكثر مصداقية .
وكباحث في الشأن الإيراني أتابع بدقة كل ما يتصل بالشأن الإيراني وتفاعلاته فإن لي وقفة مع ما نشرته المجلة سألخصها فيما يلي :
التحذيرات التي أطلقها العديد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين عن أن الحرب بين واشنطن وطهران قد تتصاعد لتتحول إلى حرب نووية هي تصريحات بعيدة عن الواقع ولا تعدو كونها محاولة أمريكية للتصعيد الإعلامي ورفع نبرة التهديد الأمريكية تجاه طهران ليس أكثر .
من المؤكد بأن هذا التصعيد الإعلامي الأمريكي ضد طهران يأتي ردا على التصعيد الإيراني في العراق حيث تسعى إيران وحلفاؤها للضغط على الحكومة العراقية واستنفار الفصائل المسلحة وتجييش الشارع العراقي ضد القوات الأمريكية لإخراجها من العراق حيث دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته خلال إجتماع الحكومة الإيرانية الأربعاء الماضي 15 يناير كانون الثاني إلى ” ضرورة ان تعمل شعوب المنطقة على طرد القوات الاميركية من المنطقة “
وبالتزامن مع هذه الدعوات الإيرانية لإخراج القولت الأمريكية من العراق دعا المرجع الشيعي البارز مقتدى الصدر لتسيير مظاهرات مليونية تطالب بإخراج القوات الأمريكية من العراق ومن المتوقع خلال الأيام والأسابيع القادمة أن يتزايد الضغط الشعبي في العراق ضد القواعد والقوات الأمريكية في العراق .
قلت سابقا بأن الحديث عن حرب نووية بين واشنطن وطهران يتجاوز الواقع وذلك لأن الصراع الأمريكي الإيراني في الخليج خصوصا والمنطقة العربية عموما هو صراع مصالح ونفوذ وهو محكوم بسقف محدد من الضربات المحسوبة وردود الأفعال المدروسة التي تخدم الجانبين وتحقق مصالح متبادلة للطرفين .
صحيح أن قيام واشنطن باغتيال الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني قد بدا وكأنه تغيير في قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران إلا أن واشنطن لم تقم بالرد على القصف الإيراني الذي طال قاعدتي ” عين الأسد ” و” أربيل ” الامريكيتين في 8 يناير كانون الثاني والذي تسبب بخسائر مادية كبيرة في القاعدتين فبينما اعتبرته إيران على لسان وزير خاريتها محمد جواد ظريف الذي أكد أن قصف ايران لقاعدة عين الأسد ” انتقام متكافئ ” وغرد ظريف ” إيران اتخذت وخلصت إلى إجراءات متناسبة في الدفاع عن النفس لقد قصفنا القاعدة التي انطلقت منها الطائرة التي استهدفت سليماني رد طهران على اغتيال الجنرال سليماني انتهى نحن لا نسعى للتصعيد أو الحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا ضد أي عدوان” .
فايران بحسب آراء الكثير من المحللين الإيرانيين قد انتقمت ب ” الرد المناسب ” وأبعدت شبح الحرب عن المنطقة واحتوت الغضب الشعبي في الداخل الإيراني المطالب بالانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني ورفاقه حيث ظهرت عملية الرد وكأنها تسوية متفق عليها من الجانبين .
 
من الواضح أن هناك تصدع في اتفاقات الضرورة على المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران والتي كانت تتم رغم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية الهائلة بين الطرفين حيث رأينا سابقا ملامح هذه الاتفاقات في الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان والتسهيلات الإيرانية الكبيرة لهذا الغزو وعلى إثر هذا التعاون تغاضت واشنطن عن تمدد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها وكان آخر تعاون مشترك بين واشنطن وطهران هو في محاربة ” داعش ” في العراق ولكن بعد تراجع خطر داعش بدأت واشنطن وطهران تراجعان حساباتهما وتعيدان ترتيب أولوياتهما في العراق والمنطقة حيث تغيرت قواعد اللعبة فإيران حاليا تسعى عبر حلفاؤها في العراق إلى إخراج القوات الأمريكية من العراق وتعتبر إخراج هذه القوات أولوية قصوى لها والرد الحقيقي على اغتيال واشنطن لقاسم سليماني لأن الساحة العراقية ستخلو لها ولحلفائها .
طهران تعتبر هذا التصعيد ضد القوات الأمريكية في العراق ورقة ضغط على واشنطن لتقديم تنازلات لها وأولها رفع العقوبات المفروضة عليها ولو بشكل جزئي مقابل احتواء طهران للتصعيد ضد القوات الأمريكية في العراق كما يضغط حلفاء إيران في العراق على خصومهم بهذه الورقة مقابل تخليهم عن دعم الانتفاضة الشعبية التي تستهدف الهيمنة الإيرانية على العراق والنخبة العراقية الموالية لإيران مقابل تخلي هؤلاء عن المطالبة برحيل القوات الأمريكية فواشنطن وطهران لا ترغبان بالدخول في حالة حرب فلكل طرف حساباته وأوراقه ولن يزيد سقف التوتر عما حدث .
واشنطن من جهتها تستفيد من هذا التصعيد الإيراني ضد قواتها بالعراق حيث يحاول الرئيس الأمريكي ترامب باغتياله للجنرال الإيراني قاسم سليماني ورفاقه في بغداد أن يظهر للرأي العام الأمريكي بصفته رجل أمريكا القوي وحامي المصالح والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في العالم وأنه هدد ونفذ تهديداته كما أن ترمب يسعى للضغط على الدول الخليجية لتمويل حملته الانتخابية القادمة بعد تلويحه بالانسحاب من المنطقة وترك المنطقة لإيران والتخلي عن حلفاء واشنطن ووضعهم تحت الهيمنة الإيرانية حين قال مؤخرا : ” ان واشنطن لم تعد بحاجة لنفط وغاز الخليج بعد أن صارت أكبر منتج للنفط في العالم ” ولسان حاله : ” ادفعوا إذا أردتمونا أن نبقى ” .
السلاح النووي سلاح ردع أكثر منه سلاح يمكن استخدامه في الواقع وهذه التهديدات الأمريكية هي تصعيد إعلامي ضد إيران ليس أكثر فالصراع بين واشنطن وطهران على النفوذ والمصالح في المنطقة هو صراع محسوب ومدروس ويهدف لتحقيق مصالح ولن يتطور في كل الظروف والأحوال ليصل إلى مواجهات عسكرية مباشرة ناهيك عن أن يصل لحرب نووية .
 
* باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى