تقارير ومقابلات

بلادنا في زمن المليشيا الأسوأ على الإطلاق

الرشاد برس | تقرير / أواب اليمني

يوميا ، يتكئ ( م .س ) على ذلك الركن من الجدار الذي أصبح سندا له بعد الله ، وأصبحت لوحة الصيدلية التي يجلس على ركنها ظلا له يقيه من حرارة الشمس اللاذعة ، بينما هو هكذا يحلق في الناس المارة ، عله يجد احدا يناديه ليعمل معه بالأجر اليومي ، لكنه لم يفلح .
م.س من محافظة الحديدة المنكوبة التي عاثت فيها المليشيا الانقلابية أبشع أنواع الانتهاكات التي لا تعد ولا تحصى ، نازحا في صنعاء يجلس في جولة الدائري مع أدوات عمله ، يخرج السادسة صباحا كل يوم ، يبحث عن عمل ينفق به على اسرته المكونة من أحد عشر ولدا وبنتا ، وفي الأسبوع يجد يوما أو يومين ليعمل فيهما .
يتحدث م.س عن معاناته قائلا :
أنا من محافظة الحديدة كنت في بلادي معزز مكرم ومعي بقالة مصدر دخلي أنا واولادي واسرتي ، لكن لا حول ولا قوة إلا بالله ، بسبب الحرب الحوثية الغاشمة التي تشنها علينا أكثر من خمس سنوات متواصلة لم تترك لنا شيئا ابدا ، اهلكت ودمرت كل شيء ، فاضطريت واسرتي أن انزح إلى صنعاء أنا واسرتي .
ويتابع :
تركت اسرتي ولا يوجد معهم أي شيء ليأكلوه ونحن لا نعرف هنا احدا ، لا أملك إلا ربي الذي يعلم بحالي ،
قالها والدموع تتسلل من عينيه ، واصدر بعدها تنهيدة كبيرة اختصرت كل معاني الألم الذي يعيشه .
ليس م.س الأول وليس الأخير ، بل هناك المئات من أمثاله الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وملابسهم البرد الشديد ، وضع مأساوي قاتل يعيشه المواطنون الذي يعيشون تحت سيطرة المليشيا الحوثية ، التي جعلت من بلادنا الأسوأ على مستوى العالم في التدني والتخلف والتراجع على كافة المستويات ، وفي هذا الصدد ، كشفت تقارير دولية ومحلية أن بلادنا تصدّرت المركز الأول بمؤشر الدول الهشة بين 178 دولة حول العالم، مع نهاية العام الماضي 2019.
وبحسب تقرير البرنامج الإنمائي للجمعية العامة للأمم المتحدة ، فإن بلادنا ضمن الدول الست الأقل سلاماً في العالم، بتقرير السلام العالمي، كما صنف أيضاً ضمن الدول الأقل سعادة على مستوى العالم ، حيث جاء في المرتبة 151 من أصل 156 دولة في العالم.
التقرير السنوي الذي أعدته بالتعاون مع صندوق السلام الأمريكي، قالت المؤسسة الدولية للسياسات الخارجية، إن بلادنا احتلت المركز الأول بين دول العالم أجمع من حيث هشاشة الدولة وخطورة الأوضاع فيها، لأسباب أبرزها يتعلق بالحرب الدائرة هناك منذ نحو خمس سنوات.
ويقيس المؤشر الدولي الذي كان يُطلَق عليه في السابق “مؤشر الدول الفاشلة” ضغوطاً وتحديات مختلفة تواجه 178 دولة حول العالم، من خلال تحليل 12 عاملاً أساسياً، وأخرى فرعية في المجالات السياسة والاجتماعية والاقتصادية.
وتظهر النتائج تردي الأوضاع في دول عربية، خصوصاً تلك التي تعاني من حروب داخلية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي جعلها مركزاً لعدم الاستقرار، وضمن فئات الدول ذات الإنذار العالي جداً ، وذلك في إشارة إلى اليمن ودول عربية أخرى.
ورغم اختلاف ظروف الدول الهشة داخلياً، تشترك في سمة واحدة هي تفشي متلازمة الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن.
ومنذ انقلاب ميليشيات الحوثي في سبتمبر 2014، دخل اقتصاد بلادنا في أزمات متعددة، وشهد خلالها تدهوراً حاداً نتيجة ممارسات النهب والعبث والتدمير الممنهج الذي انتهجته الميليشيات طوال فترة انقلابها.
خبراء اقتصاديون يؤكدون أن الانقلاب «أثّر بشكل سلبي ومباشر على الاقتصاد وعمل على انهيار العملة الوطنية، وتسبب في ارتفاع معدلات التضخم، وأدى إلى تدهور الخدمات الاجتماعية، وشبكات الأمان الاجتماعي ومخصصات الفقراء».
وكشفت تقارير حقوقية يمنية عن أن الانقلاب «تسبب بهروب رؤوس الأموال، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع نسبة البطالة، وتضرر كثير من المنشآت الحيوية، كالكهرباء والنفط والنقل والاتصالات وغيرها، وازدياد معدلات البطالة، وتفاقم نسبة الفقر من 42 في المائة عام 2014 (قبل الانقلاب) إلى 78.8 في المائة عام 2017. ووصلت إلى نحو 85 في المائة عام 2018، ونحو 88 في المائة عام 2019».
ويرى التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية ، أن الحرب التي شنها الانقلابيين ألقت بظلالها على الحالة الاقتصادية بسبب سيطرتها على معظم موارد الدولة، ورفضها للوفاء بالتزاماتها، وعدم توريد هذه الموارد إلى البنك المركزي الذي جرى نقله إلى عدن ليدخل ضمن موازنة الدولة.
وفي سياق متصل، كشف تقرير المؤشرات الاقتصادية في اليمن لعام 2017 أن 85 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وأن مَن كانوا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2018 نحو 22 مليون شخص، وهناك 6 من كل 10 أشخاص يعانون انعدام الأمن الغذائي.
من جهتها قالت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» إن 8 من كل 10 يمنيين بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، كشفت منظمة «اليونيسف» مقتل وإصابة أكثر من 6700 طفل يمني، بسبب الحرب الحوثية، كم كشفت عن وفاة 30 ألف طفل بسبب سوء التغذية في 17 محافظة ، منذ اندلاع الحرب.
من جانبها ، أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو 24 مليون يمني بحاجة للمساعدات الإنسانية بما يمثل نحو 80 في المائة من سكان البلاد ، وفي وقت سابق قالت المفوضية إن نحو 3.6 مليون شخص يمني هجّرهم الصراع القائم في اليمن منذ عام 2015.
وعدّ مراقبون محليون سنة 2019 سنة الجرائم والانتهاكات وجباية الأموال بالنسبة للانقلابيين، حيث شهدت ارتكاب الميليشيات الانقلابية الآلاف من الجرائم والانتهاكات وتنفيذ المئات من حملات النهب والابتزاز والتعسف التي طالت مختلف فئات وشرائح المجتمع .
وأشار المراقبون إلى أن اليمن تحوّل في زمن حكم وسيطرة الانقلابيين، إلى ساحة حرب مفتوحة، ومستنقع للأمراض والأوبئة الفتاكة.
إلى ذلك تشير أرقام وإحصائيات ميدانية رصدتها تقرير حقوقي ، إلى ارتكاب الانقلابيين نحو 100 ألف انتهاك ضد المدنيين في 18 محافظة يمنية منذ انقلابه عام 2014، وحتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
ورصد التقرير أزيد من 14 ألفاً و222 حالة قتل طالت مدنيين يمنيين في 18 محافظة، بينهم 618 امرأة و974 طفلاً.
ووثّق التقرير الصادر عن «الشبكة اليمنية للحقوق والحريات»، مقتل 646 مدنياً جراء الألغام التي زرعتها ميليشيات الحوثي، بينهم 123 طفلاً و157 امرأة كما وثّق 33 ألفاً و438 حالة إصابة في صفوف المدنيين بسبب الألغام، بينهم 2467 امرأة و1780 طفلاً.
ولفت التقرير إلى بلوغ عدد المختطفين والمختفين قسراً من المدنيين لدى مسلحي الانقلابيين نحو 12 ألفاً و636 مختطفاً ومخفياً في 20 محافظة ، بينهم سياسيون وأكاديميون وناشطون وتربويون وأطباء ، وأوضح أن من بين المختطفين 222 طفلاً و52 امرأة و7 أجانب.
وسجلت فرق «الرصد» التابعة للشبكة نحو 2537 حالة إخفاء قسري لمواطنين، بينهم 231 امرأة و158 طفلاً. كما رصدت 719 حالة تعذيب في سجون الحوثيين، و21 حالة اتخاذ دروع بشرية، و48 حالة تصفية داخل السجون، و19 حالة وفاة بسبب الإهمال في السجون، و23 حالة وفاة لمعتقلين بنوبات قلبية.
وشملت الجرائم والانتهاكات، التي تطرق إليها التقرير، جميع الممتلكات العامة والخاصة كالاقتحامات والتفتيش ونهب الممتلكات وتفجير المنازل والمساجد ودور العبادة ومقرات الأحزاب السياسية، وإحراق المنازل والقصف العشوائي المتعمد والتمترس في الملاعب والأندية الرياضية والمواقع الأثرية السياحية ونهب المعسكرات واحتلال المقرات الأمنية والمؤسسات التعليمية والطبية ومنازل المدنيين، واتخاذها مواقع عسكرية.
وأشارت الشبكة في تقريرها إلى رصد 27 ألفاً و744 حالة انتهاك طالت المواقع المدنية ومؤسسات أهلية ومحلات تجارية ومزارع ومركبات خاصة بالمواطنين ونهب المقتنيات.
ولفت إلى أن الانتهاكات شملت تفجير 386 منزلاً بـ«مادة TNT»، ونهب 519 مركبة، إضافة إلى 535 حالة انتهاك طالت مزارع المواطنين، و928 حالة نهب مقتنيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى