اقتصاد

الإنترنت: بوابة الثراء والنفوذ في عالم جديد

2817نوران شفيق

مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

 

تحول الإنترنت من مجرد أداة لإدارة الاستثمارات إلى أن يصبح مجالاً لها؛ إذ ظهرت العديد من الشركات التي تتخذ من الإنترنت مجالاً لعملها، والمشروعات التي تحقق أموالاً طائلة لأصحابها دون الحاجة إلى الخروج عن الإنترنت كمساحة للاستثمار والانتقال إلى أي مساحة أخرى.

ولقد كان من شأن ذلك أن يخلق طبقة جديدة من الأثرياء على مستوى العالم من مالكي شركات الإنترنت Internet entrepreneurs، الذين تخطت ثرواتهم المليارات من الدولارات، وصعدوا في قائمة الشخصيات الأكثر ثراءً، سواء في دولهم أو في قائمة أثرياء العالم، إلى الحد الذي ينبئ بزيادة نفوذ هذه الفئة وقدرتها على التأثير في الاقتصاد العالمي.

 

مؤشرات صعود طبقة أثرياء الإنترنت

تطورت الاستثمارات في مجال الإنترنت في عدد كبير من الدول في السنوات الأخيرة، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان؛ إذ تحتل هذه الدول المراتب العشرة الأولى في قائمة أثرياء الإنترنت لعام 2014. كما يلاحظ أنه قد حدثت طفرة كبيرة في ثروات من أتوا على رأس هذه القائمة عن الأعوام الماضية، بما يوضح تصاعد نفوذهم في فترة محدودة من الزمن، ويستدل على صعود هذه الطبقة وزيادة نفوذها الاقتصادي وثرواتها بالنظر إلى ترتيب مالكي هذه الشركات في قوائم الأثرياء، سواء على مستوى دولهم أو على المستوى العالمي، وفقًا للقوائم التي أصدرتها فوربس Forbes لعام 2014.

ويتضح من الإحصاءات أن شركة جوجل Google الأمريكية هي الأكثر نفوذًا في سوق الإنترنت؛ إذ يأتي مؤسساها لاري بايج Larry Page، وسيرجي برين Sergey Brin على قمة قائمة أثرياء الإنترنت على مستوى العالم. وتبلغ ثروة بايج 32.3 مليار دولار، ويأتي في المرتبة الحادية عشرة على مستوى الولايات المتحدة والمرتبة السابعة عشرة على مستوى العالم. فيما تبلغ ثروة برين 31.8 مليار دولار، ويحتل المرتبة الثالثة عشرة في الولايات المتحدة والمرتبة التاسعة عشرة عالميًّا.

ويلاحظ أن كلَيْهما استطاع أن يزيد ثرواته بنحو 9 مليارات دولار خلال العام الماضي فقط. ومن شركة جوجل أيضًا يأتي إيريكشميت Eric Schmidt المدير التنفيذي للشركة في الترتيب الـ132 عالميًّا والمرتبة الـ45 على مستوى الولايات المتحدة بثروة تقدر بنحو 9.3 مليارات دولار.

ويعزز من سيطرة الولايات المتحدة على سوق الإنترنت العالمي، وجود شركة أمازون دوت كوم   Amazon.com التي تحقق مكاسب هائلة من التجارة الإلكترونية؛ إذ يبلغ إجمالي ثروة جيفبيزوس Jeff Bezos المؤسس والمدير التنفيذي للشركة 32 مليار دولار بزيادة نحو 13 مليارًا عن العام الماضي، وهو ما ترتب عليه صعود بيزوس إلى المرتبة الثانية عشرة على مستوى الولايات المتحدة، والمرتبة الثامنة عشرة عالميًّا.

ولعل النموذج الأشهر عالميًّا هو مارك زوكربيرج Mark Zuckerberg مؤسس موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك Facebook؛ حيث تضاعفت ثروته عن العام الماضي لتصل إلى 28.5 مليار دولار، وبذلك أصبح يحتل المركز الرابع عشر على مستوى الولايات المتحدة، والحادي والعشرين على مستوى العالم. كما كان من شأن الصفقة التي تم بموجبها بيع خدمة المحادثة واتس آب Whatsapp لزوكربيرج أن تؤدي إلى دخول مؤسس هذا التطبيق جان كوم Jan Koum في قائمة الأكثر ثراءً في المركز الـ202 عالميًّا، والـ64 في الولايات المتحدة.

وفي مجال التجارة الإلكترونية أيضًا، تظهر شركة إيباي e-bay كأحد أهم شركات الإنترنت، التي استطاع مؤسسها ومديرها بيير أوميديار Pierre Omidyar أن يحقق ثروة حجمها 8.2 مليار دولار، ويحتل المرتبة الـ162 عالميًّا والـ52 على مستوى الولايات المتحدة.

ولا يختلف الوضع كثيرًا في الصين؛ إذ تمتلك أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم، وأكثر أسواق التجارة الإلكترونية رواجًا، وهو ما نتج عنه تراكم ثروات العاملين بشركات الإنترنت الصينية بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة.

وإن كان نفوذ أثرياء الإنترنت واضحًا في الولايات المتحدة، فهو أكثر وضوحًا في الصين؛ حيث يسيطر مالكو هذه الشركات على المراكز العشرة الأولى في قائمة الأكثر ثراءً على مستوى الدولة.

فالرجل الأغنى في الصين الآن هو “جاك ما” Jack Ma صاحب شركة “علي بابا” Alibaba العاملة في مجال التجارة الإلكترونية بثروة تصل إلى 25 مليار دولار. وعلى الرغم من أن ثروة جاك كانت تقدر بنحو 10 مليارات دولار حتى يوم 23 سبتمبر من هذا العام، فإن الوضع تغير بعد أن طرح في هذا اليوم أسهمه للاكتتاب العام في بورصة نيويورك لتقفز ثروته ويصبح الأكثر ثراءً على مستوى الصين. ويتوقع “جاك ما” أنه بحلول عام 2016 ستفوق حصة شركته من التجارة الإلكترونية العالمية حصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معًا.

وتعد شركة “تينسينت” Tencent العاملة في مجال التسويق الإلكتروني لصاحبها ما هواتينج Ma Huateng من الشركات الأكثر نفوذًا بين شركات الإنترنت الصينية؛ حيث وصلت ثروة صاحبها إلى ما يقدر بنحو 13.4 مليار دولار، وهو ما جعله يحتل المركز الثمانين عالميًّا والمركز الرابع من بين الأكثر ثراءً في الصين، كما يأتي “تشانج شينشونج”Zhang Zhidong من الشركة نفسها في المرتبة الـ305 عالميًّا بثروة تقدر بنحو 4.8 مليارات دولار.

ومن أثرياء الصين أيضًا “روبن لي” Robin Li صاحب المحرك البحثي الصيني “بايدو” Baidu، الذي يحاكي محرك البحث الشهير جوجل. وقد استطاع لي أن يصل إلى المركز الخامس على مستوى الصين والمركز الـ91 على مستوى العالم بثروة قدرها 12.1 مليار دولار.

كما يأتي “وليام دينج” William Ding المدير التنفيذي لشركة الألعاب الإلكترونية “نت إيز” Netease في المرتبة الـ354 عالميًّا بثروة تبلغ 4,2 مليارات دولار. كذلك استطاع رجل الأعمال الصيني “ليو كيادونج” Liu Qiangdong صاحب موقع التجارة الإلكترونية JD.com؛ أن يزيد حجم ثروته من 2.7 مليار دولار إلى 8.8 مليارات دولار خلال عام واحد فقط، ليصبح التاسع في قائمة أثرياء الصين.

وبالانتقال إلى اليابان، يلاحظ أن رجل الأعمال “ماسايوشي سون” Masayoshi Son الذي يمتلك ويدير إحدى أنجح شركات الإنترنت والاتصالات على مستوى العالم -وهي شركة “سوفت بانك” Softbank- قد تمكن من مضاعفة ثروته لتصل إلى 19.7 مليار دولار، وبهذا أصبح حاليًّا هو الأغنى على مستوى اليابان، كما يحتل المركز الـ42 عالميًّا، متقدمًا بذلك على كثير من أثرياء الإنترنت في الولايات المتحدة والصين.

واستطاع أيضًا “هيروشي ميكيتاني” Hiroshi Mikitani مالك شركة التجارة الإلكترونية اليابانية “راكوتن” Rakuten أن يحقق ثروة وصلت إلى 7.7 مليارات دولار، دفعت به إلى أن يصبح رابع أغنى مستثمر في اليابان، وبات يحتل المركز الـ132 عالميًّا.

ويتضح مما سبق أن شركات الإنترنت صارت تخلق ثروات لأصحابها لا نقول دفعت بهم إلى المنافسة فقط، بل إلى التفوق على صناعات تقليدية أخرى لطالما سيطر أصحابها على قائمة أثرياء العالم، كشركات النفط والسيارات وغيرها، بشكل يخول لنا الآن الحديث عن طبقة جديدة صاعدة على مستوى العالم يختلف نمط تراكم الثروات لديها عن الأنماط التقليدية بما يستدعي دراسة أبعاد هذا الاختلاف ومآلاته على الاقتصاد العالمي.

سمات أثرياء الإنترنت

يرجع صعود طبقة أثرياء الإنترنت في جزء كبير منه إلى اتجاه عالمي جديد يعزز من بروز العامل الفردي في الأنشطة الاقتصادية، ويدفع الكثيرين على مستوى العالم إلى إقامة مشاريع خاصة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول، وعلى رأسها ارتفاع معدلات البطالة، كما أن تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات قد خلقت ما يعرف باسم “ديمقراطية الابتكار” democratization of entrepreneurship، التي تشير إلى ظهور طبقات جديدة ومتنوعة من المستثمرين بأفكار مختلفة وبتكلفة دخول cost of entry منخفضة نسبيًّا.

ناهيك عما أحدثه الإنترنت من ثورة في مجال إقامة المشاريع وإدارتها جعلت منه سوقًا جاذبةً للاستثمارات؛ فنتيجةً لازدياد أعداد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم، بات من الممكن الوصول إلى قاعدة أكبر من المستهلكين، ومعرفة معلومات دقيقة عنهم، وتحديد رغباتهم واحتياجاتهم بوضوح، ومن ثم تقديم خدمات تستجيب لهذه الاحتياجات.

وكان من شأن ذلك أن يعزز من نفوذ طبقة أصحاب مشاريع الإنترنت، وتعظيم أرباحهم بما يستدعي تحديد أهم سمات هذه الطبقة وآليات تكوين ثروات أعضائها:

1- صغر سن أعضائها: تتسم هذه الطبقة بصغر سن أعضائها؛ فمعظمهم قد بدءوا تكوين ثرواتهم من العمل في مجال الإنترنت ومما أسسوه من شركات في العقد الثالث أو الرابع من عمرهم. ولعل المثال الأبرز على ذلك هو مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك، الذي استطاع أن يدخل قائمة الأغنى على مستوى العالم وهو لم يتخط بعدُ الثلاثين من عمره، وقد صُنِّف الأغنى على مستوى العالم في هذه الفئة العمرية.

 وبخلاف الأسماء الأكثر شهرةً المعروفة عالميًّا من مليارديرات الإنترنت، هناك نماذج أخرى من شباب تمكنوا من تحقيق ملايين الدولارات وهم في سن صغيرة. ومن هؤلاء على سبيل المثال “مات مولينويج” Matt Mullenweg صاحب شركة “أوتوماتيك” Automattic التي أطلقت موقع المدونات المشهور WordPress.com. وقد استطاع مات مولينويج أن يحقق ثروة كبيرة في عمر يناهز 22 عامًا في مدة لم تتجاوز ثمانية أشهر فقط. وكذلك “روب بانويل” Rob Benwell الذي استطاع وهو لا يزال في العقد الثالث من عمره، أن يؤسس موقع BloggingtotheBank.Com. وتقوم فكرة الموقع على تقديم إرشادات لكيفية تحقيق مكاسب كبيرة من خلال التدوين، وقد حقق مكاسب هائلة من وراء هذا الموقع قدرت بما يزيد عن مليون دولار.

وتتسع قائمة مليونيرات الإنترنت من الشباب لتشمل العديد من الأمثلة الأخرى التي تبرهن على خصوصية الإنترنت كمجال لاستثمارات تفتح المجال أمام الشباب لتأسيس مشاريع مربحة يستطيعون من خلالها تحقيق ثروات ضخمة ومضاعفتها في فترة محدودة من الزمن.

2- الاعتماد على الذات: الغالبية العظمى من النماذج التي تم ذكرها قد بدءوا من الصفر دون أن يمتلكوا رأس مال كبيرًا في البداية؛ لذا يطلق عليهم Self-made billionaires؛ حيث لم تتوافر لديهم أي مساعدة مالية في البداية، ولم يكن لديهم أي خلفية مسبقة عن إدارة الأعمال. ويرجع ذلك إلى طبيعة الإنترنت وطبيعة المشاريع التي يقومون بها؛ فعلى عكس المشاريع التقليدية التي قد تتطلب أموالاً طائلة للبدء، تتطلب مشاريع الإنترنت فكرة جاذبة ومبتكرة ومعرفة تقنية كافية، دون أن يكون رأس المال عنصرًا حاكمًا للبدء فيها؛ لذا نجد أن أغلب الأسماء التي ذكرت لم يكونوا رجال أعمال من قبل، وإنما كانوا يعملون في وظائف تقليدية في شركات قبل بداية مشاريعهم الخاصة. ولعل هذا هو ما يفسر صغر أعمارهم عند بداية تحقيق هذه الثروات، وقدرتهم على مضاعفتها في فترات قصيرة نسبيًّا.

3- فرص للاستثمار الافتراضية: يتضح مما سبق أن مشاريع الإنترنت متنوعة بين مشاريع قائمة على أساس تقديم خدمات بلا مقابل، وأخرى قائمة على أساس التجارة الإلكترونية. وعلى الرغم من أن مصادر الربح أكثر وضوحًا في شركات التجارة عبر الإنترنت التي يكون مصدر الربح فيها هو حصول الموقع على عمولة مقابل إتمام عملية الشراء، فإن تلك المواقع التي تقدم خدمات مجانية مثل فيس بوك وجوجل وشبكات التواصل الاجتماعي، تحقق هي الأخرى مكاسب كبيرة.

حيث يأتي المصدر الأكبر للربح في هذا النوع من الشركات من الإعلانات، سواء بالسماح للشركات بالإعلان على مواقعهم، أو بيع جزء من المعلومات الشخصية التي يوافق المستخدمون على تقديمها مقابل استخدامهم هذه الخدمات لشبكات الدعاية والإعلان؛ حتى تستطيع أن تقدم إعلانات تتناسب مع ميول كل مستخدم على حدة. فقد أصبحت العديد من الشركات تلجأ إلى التسويق الإلكتروني لمنتجاتها؛ نظرًا إلى انخفاض تكلفته وفاعليته وقدرته على الوصول إلى أعداد كبيرة من المستهلكين، ونتيجةً لزيادة أعداد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم، وتنوع احتياجاتهم بين الحصول على معلومات، أو عمليات الشراء والبيع، أو الرغبة في التواصل؛ ما جعل هناك مجالاً مفتوحًا يستطيع هؤلاء المستثمرون استغلاله لتحقيق أكبر قدر من الأرباح عن طريق الخروج بأفكار تتناسب مع هذه الاحتياجات المتنوعة.

4- الاعتماد على الاحتكارات: على الرغم من انفتاح سوق الإنترنت وسهولة الدخول فيها، فإن هناك شركات هي الأكبر على مستوى العالم تسيطر على خدماتها الرئيسية؛ إذ يمكن تقسيم شركات الإنترنت إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

أ- محركات البحث search engines: يشهد سوق محركات البحث احتكارًا كاملاً من شركات بعينها تستحوذ على البحث الإلكتروني في أغلب الدول؛ هي: شركة جوجل التي تسيطر على سوق البحث في أغلب الدول الغربية، و”بايدو” في الصين، و”ياهو” Yahoo في اليابان، و”ياندكس” Yandex في روسيا. ويرجع ذلك إلى دقة نتائجها وسرعتها التي تميزها عن غيرها.

ب- شركات التجارة الإلكترونية online trade: كشركات أمازون وعلي بابا التي يرجع استحواذها إلى أن الخدمات المتعلقة بعمليات البيع والشراء الإلكتروني تتطلب ثقة كبيرة من المستخدمين بنزاهة هذه المواقع؛ ما يصعب المنافسة على الشركات الجديدة والصغيرة.

ج- شبكات التواصل الاجتماعي: ويعد موقع فيس بوك هو المسيطر في هذا المجال؛ فمع أغسطس 2012 كان قد سيطر على 64.27% من سوق التواصل الاجتماعي وفق استطلاعات رأي المستهلكين، في مقابل 7.39% لموقع “يوتيوب”، و5.07% حازها موقع تويتر، و0.31% لموقع Linkedin. لكن لا تزال هذه السوق تفتح المجال للمنافسة، خاصةً أن أغلب الشركات لا تقدم خدمات ذات طابع واحد، بل يكون لكل شركة هدف معين مختلف عن الشركات والمواقع الأخرى.

5- عالمية النشأة والتأثير: تتسم شركات الإنترنت بأنها تنشأ على نطاق عالمي؛ فليس هناك قيود مكانية تحد من عولمة نشاطها، كما لا يحتاج ذلك إلى أي تكاليف إضافية، وهو ما يعني أن الإنترنت قد خلق نمطًا جديدًا من الشركات العابرة للحدود أو الشركات متعددة الجنسيات، يتم من خلاله تقديم الخدمات لقواعد ضخمة من المستخدمين تتجاوز الحدود الفاصلة بين الدول.

ولعل ذلك هو أحد العوامل المفسرة للأرباح الهائلة التي تحققها شركات الإنترنت خلال فترات قصيرة ما بعد تأسيسها.

6- صعود الشركات الآسيوية: تعد سوق الإنترنت في آسيا هي الأكثر ازدهارًا على مستوى العالم؛ إذ تحتكر آسيا وحدها نحو 45% من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم. وفي السوق الآسيوية، نجد أن الصين واليابان والهند هي أكثر الدول استخدامًا للإنترنت؛ إذ تصل نسبة مستخدمي الإنترنت في الصين نحو 49% من إجمالي عدد المستخدمين في آسيا. أما الهند فتسيطر على 15.4% من إجمالي المستخدمين، وتحظى اليابان بنسبة 8.7%. وهذا ما يفسر بروز تأثير طبقة أثرياء الإنترنت في هذه الدول الثلاث بجانب الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يشير أيضًا إلى أن هذا النمط الجديد من تكوين الثروات ليس قاصرًا على دول الشمال المتقدمة فقط.

تداعيات صعود أثرياء الإنترنت على الاقتصاد العالمي

لقد تطورت شركات الإنترنت واستثماراتها بشكل كبير بحيث أصبح البعض يصف هذا العصر بأنه عصر يحكمه اقتصاد الإنترنت internet economy؛ حيث إنه من المتوقع أنه في عام 2016 سيصبح أكثر من نصف سكان العالم من مستخدمي الإنترنت، وأن يصل حجم اقتصاد الإنترنت في الدول العشرين الكبرى إلى 4.2 تريليونات دولار. وبطبيعة الحال، سيكون المستفيد الأكبر من هذه التطورات هي شركات الإنترنت الكبرى ومستثمريها.

فمع تطور استخدام الإنترنت، سواء من قبل الأفراد، أو الشركات أو حتى الحكومات، ومع سيطرة هؤلاء المستثمرين على الشركات الرئيسية التي تقدم الخدمات فيه، من المتوقع أن يزيد نفوذهم الاقتصادي وتتضاعف ثرواتهم بشكل يجعل دورهم يتجاوز حدود شركاتهم، أي المؤسسة كفاعل، بحيث يحكمون هم قبضتهم على جزء كبير من الاقتصاد العالمي.

ومن المتوقع أيضًا أن يكون مالكو شركات التجارة الإلكترونية هم الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي في الفترة القادمة؛ ففي عام 2012، وصلت التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة إلى 225 مليار دولار بنسبة 5% من إجمالي العمليات التجارية الأمريكية، وفي الصين وصلت إلى 207 مليارات دولار العام الماضي، ومثلت 6% من إجمالي المبيعات.

ومع انتشار استخدام الإنترنت من الهواتف المحمولة، وسهولة عمليات التجارة الإلكترونية، من المتوقع أن تتضخم أيضًا ثروات العاملين في هذا المجال الذي يسيطر بالفعل على سوق الإنترنت العالمية في الفترة الحالية وفقًا لما تم ذكره من إحصاءات.

وبما أن ثروات هؤلاء تقوم بالأساس على انفتاح الإنترنت Internet openness بحيث تغيب القيود التي تفرضها الحكومات على المستخدمين، من الممكن أيضًا أن يستغل أثرياء هذه الطبقة نفوذهم داخل دولهم، وعلى المستوى العالمي بأن يضغطوا على حكوماتهم في كل ما يتعلق بسياسات الإنترنت بما يخدم مصالحهم.

ويزيد على ذلك أن هذه الثروات الضخمة التي تمتلكها تلك الشركات ومالكوها قد تدفع بهم إلى موقع يمكنهم من الدخول في مواجهات مباشرة مع الدول على شاكلة المواجهات بين الصين وجوجل؛ فبعد اتهام جوجل للصين في 2010 بأنها تقف وراء الهجوم الإلكتروني الذي تم فيه اختراق الأجهزة التابعة للشركة لسرقة المعلومات الموجودة عليها، بدأ الصدام بين الطرفين؛ إذ أعلنت جوجل أنها سترفع الرقابة الحكومية الصينية عن محركه البحثي في الصين ردًّا على هذا الهجوم، وهو الأمر الذي أثار غضب السلطات الصينية، بجانب رؤية الإعلام الصيني لسياسات جوجل على أنها جزء من مؤامرة أمريكية على الصين.

ومن ثم يمكن القول بأن شركات الإنترنت ومالكيها باتت تحتل مكانة عالمية تخولها أن تكون فاعلاً محوريًّا؛ ليس فقط في الاقتصاد العالمي، بل في العلاقات ما بين الدول أيضًا، وأن يكون لها دور رئيسي في رسم السياسات ذات الصلة بالفضاء الإلكتروني وحوكمة الإنترنت، وهي القضايا التي تحمل في طياتها تفاعلات صراعية تعكس اختلاف المصالح بين الفواعل على مستوى العالم أو حتى على المستوى القومي، سواء من الدول أو من غير الدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى