مقالات

هزيمة الذاكرة

جمال أنعم

تعيش اليمن اليوم مرحلة انتقالية صعبة ينحسم فيها الصراع بين الماضي بأشكاله ووجوهه ووجهاته المتعددة، وبين المستقبل بتمثلاته وتجلياته البارزة. هذا الماضي في معاودته الحضور يختبر حساسيتنا المستقبلية ويمتحن نزوعنا للانعتاق ويضعنا جميعا امام اكبر التحديات المصيرية.

يدرك اليمنيون اليوم أن قدرهم هو التقدم نحو الأمام والانتقال موقفا ورؤية وتطلعا إلى الآتي ومكافحة هذا الانشداد المرضي لمواريث التخلف التي تشل حركتنا وتثقل عقولنا وقلوبنا وكواهلنا على الدوام. وكما يتشارك الحالمون جهود التجاوز والانطلاق نحو اليمن الجديد يتضافر الماضي بتحالفاته لعرقلة هذه الجهود، يشهر الماضي أسلحته في وجه التوجهات الجديدة، وكلما تشدد المستقبليون في السير نحو الأمام استنفر الماضويون كل طاقاتهم في المواجهة.

الحوثيون في صعدة يطالعوننا من ازمنة غابرة موقفا وخطابا واحتشادا عصبويا ونقمة. لايقترح الحوثيون مشروعا يمكن التفاهم حوله. مايحدث في الجنوب استنفار للذاكرة، لايقترح الذكرويون هناك حلولا واقعية للراهن والمستقبل، بل يقترحون العودة الى الماضي بجعله مؤئلا للحنين، وبإعطائه أبعاداً فردوسية ذكرى الانكفاء والكفاية والمعاش المنتظم دون النظر إلى حركة الزمن وتغير الواقع ونمط الحكم وعلاقة المجتمع بالدولة. هذا الحنين لا يبدو بريئا البتة كونه يعيد تمجيد نمط عتيق من علاقة المجتمع بالدولة، تأسس على تبعية مطلقة لا على المواطنية. هذا التوجه الانكفائي يتنصل من الصيرورة ولايعد نفسه جزءا من حركة التاريخ الذكروي، يخوض صراعا خاصا مغلقا، يؤثث ذاكرة خاصة تعزز انفصاله عن المجتمع. لا يريد أحداً معه. يريد الاسئثار بصراعه والانفراد بمظلوميته لكي يدعم حضوره ويطلب استحقاقاته. إنها هزيمة الذاكرة.

القاسم المشترك بين محاربي الماضي النزعة الإقصائية، انكار الآخر، عدم الاعتراف به، الشحن العصبوي وتغذية مشاعر العداء، الحضور الإشكالي المقلق والمهدد للفضاء المجتمعي العام. وثمة ذاكرة مستبدة خسر أصحابها ماضيهم المهيمن فقرروا الحرب على اليمن كي لا تكسب الحاضر والمستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى