الدعوات العنصرية والمواطنة المتساوية ..!!
بقلم /إبراهيم ناصر الجرفي
دائماً ما تدفع نزعة الغرور والتكبر بالإنسان غير المتزن نفسياً إلى التعالى والتطاول على الآخرين ، في محاولة منه لتغطية شعوره بالنقص أو الدونية ، ليبني بذلك عنصريته الفردية حول ذاته ، وهذه هي العنصرية الفردية أو الذاتية وضررها محدود ، ودائماً ما يقوم أفراد الأقليات الدينية أو المذهبية أو السلالية أو العرقية أو الطائفية ، بدافع الشعور بالفوقية والتميز عن غيرهم ، أو بدافع الشعور بالتهميش أو الظلم أو الضعف أو الدونية في بلد ما ، بالتجمع والتكتل حول القاسم أو العنصر المشترك الذي يجمعهم ، بهدف تكوين تكتل قوي يوفر لهم الحماية والدعم والإنصاف والمساواة بغيرهم ويدافع عن حقوقهم وحرياتهم ، وقد يصل الحال ببعض هذا النوع من التكتلات العنصرية إلى تجاوز كل ذلك ، من خلال استغلال ذلك التكتل للاعتداء على الآخرين ونهب حقوق الآخرين ، وللحصول على امتيازات غير مشروعة ، وصولاً إلى منح أنفسهم الحق في الحكم والسلطة دون غيرهم ، وإلى احتقار بقية أفراد المجتمع ، والعنصرية الجماعية ضررها كبير وفادح على الفرد والمجتمع ..!!
لأنها تعمل على تمزيق وتشويه النسيج الاجتماعي وصناعة الكراهية والعداوة والحقد في أوساط المجتمع ، وصولاً إلى الصدام والعنف والصراع الداخلي ، والدعوات العنصرية هي من صنعت الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع ، بهدف منح جماعة معينة الامتيازات الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ، وحرمان بقية أفراد المجتمع منها ، كما أن الدعوات العنصرية هي من شرعنت استعباد الإنسان لأخيه الإنسان ، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، في صورة تعكس همجية وعدوانية وسلبية هذه الدعوات والقائمين عليها والمبررين لها والمدافعين عنها ، كونها تتعارض مع حقوق وحريات الإنسان الفطرية ، وتتعارض مع كل التشريعات السماوية التي نبذت التمييز العنصري بكل أشكاله وانواعه ، مؤكدة على وحدة الأصل البشري قال تعالى (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )) ..!!
من أجل ذلك كله توصل الفكر السياسي البشري لمفهوم جديد لم يكن معروفاً من قبل ، وهو مفهوم المواطنة المتساوية ، والذي يقوم على ضرورة تحقيق المساواة بين جميع المواطنين ، والقضاء على كل الدعوات العنصرية ، لتصبح المواطنة هي القاسم المشترك بين جميع الأفراد المنتمين لهذا الوطن أو ذاك ، وبموجبها يتمتع كل مواطن بكامل حقوقه وحرياته الإنسانية دون تمييز أو تفريق ، لتصبح الكفاءة والجدارة والخبرة والمؤهل والابداع والابتكار والاخلاص والالتزام …الخ ، هي المعايير الجديدة التي تمنح المواطن الأفضلية والتميز عن غيره ، في ظل تكافؤ الفرص أمام الجميع ، دون أي اعتبار للعنصريات أياً كان شكلها أو نوعها ، وبتحقيق المساواة بين جميع المواطنين لن يكون هناك أقليات مضطهدة ولا مهمشة ، لأنه يتم مراعاة وضعها الخاص حتى فيما يتعلق بالتمثيل السياسي ، فقد ضمنت طريقة الانتخاب بالقائمة تمثيل كل فئات المجتمع في البرلمان والسلطة ..!!
وبذلك شرعت العديد من المجتمعات البشرية المتقدمة في القضاء على دعوات التمييز العنصري ، من خلال العمل بمبدأ المواطنة المتساوية ،وكذلك بتجريم وتحريم كل الدعوات العنصرية ، وهو ما وفر لأفرادها نوع من الانسجام والتعايش السلمي في أجواء يسودها التفاهم والشعور بالرضى ، وأبعدها عن مربعات العنف والصدام والكراهية ، وهو عكس حال المجتمعات المتخلفة التي لا تزال غارقة في مستنقع الدعوات العنصرية ، فكل دعوة عنصرية يترتب عليها ظهور دعوات عنصرية مضادة لها ، فلكل فعل رد فعل ، ومن يدعوا إلى عنصرية معينة عليه أن بكون مستعداً لمواجهة عنصريات أخرى معارضة ومعاكسة لها ، وكلما أوغل الشخص في ممارسة عنصريته بشكل سلبي وعدواني ، لن يكون في منأى من انتقام العنصريات الأخرى ، وكلما زاد تمجيد وتعظيم عنصرية ما كلما زاد احتقان والتفاف وتجمع أفراد العنصريات الأخرى حول قواسمهم المشتركة ، ومن يقوم بالشحن العنصري لا ينتظر من أفراد العنصريات الأخرى أن يستقبلوه بالورود ، فالشحن سيقابله شحن مضاد ، وهو ما ينذر بسقوط المجتمع في دوامة العنف والعنف المضاد ، لذلك فإن المواطنة المتساوية هي الحل والمخرج الأمثل والوحيد لإنقاذ جميع الأطراف من كل ذلك ، وواهم من يظن أنه سيكون في منأى عن كل ذلك ، فالعنف العنصري والانتقام العنصري لن يترك أحد بسلام .. نقطة آخر السطر ..!