مقالات

مبادرة الخطيب الشجاعة

الشّيخ أحمد معاذ الخطيب، رجل شجاع، ليس هذا تطبيلاً للرّجل؛ فتاريخه النّضاليّ في سوريا، يشهد له القاصي والدّاني؛ فكان جديرًا برئاسة الائتلاف الوطنيّ السّوريّ الذي يُنظر إليه من باب التّفاؤل؛ سيوحّد المعارضة السّوريّة.

أطلق الخطيب مبادرة تتضمّن خيارات قد تكون مهمّة للنّظام السّوريّ، أهمّها هو رحيله بسلام. هنا يمكن القول إنّ مثل هكذا مبادرة تُعدّ خطوة أساسيّة لمساعدة المجتمع الدوليّ في حل الأزمة السّوريّة المتفاقمة في آثارها على الشّعب والاقتصاد والبنية التّحتيّة، بل والمستقبل على مدى فترات طويلة، إن لم يستعجل الجميع بالحلّ.

حينما يتمّ التّحليل السّياسيّ للمبادرة، نحتاج أن نتجرّد قليلاً من النّزعة التّخوينيّة، وهو الذي يؤكّد عليه الشّيخ الخطيب، وكلّ من ينظر إلى القضيّة بنظرة شاملة لكلّ المتغيّرات والمعطيات في الواقع. فمن يرى أنّ الحلّ الوحيد هو السّير نحو التّحرير من خلال العمل العسكريّ. لم تقل المبادرة إنّه سيتم التّوقف عن النّضال والكفاح المسلّح، بل كلّ الخطوط مفتوحة؛ فإن جاءت طاولة الحوار بالحلّ، فكفى الله المؤمنين شرّ القتال، ونتائجه التي أكلت كثيرًا، ودمّرت أكثر ممّا كان يُتصوّر؛ فالنّظام السّوريّ ليس كأيّ نظام استبداديّ عربيّ في الشّرق الأوسط برمّته؛ فهو نظام يُعدُّ سياجًا مانعًا قويًّا في وجه من يتصوّر أنّه سيتحرّك لتحرير القدس والمسجد الأقصى من كيان مزروع في جسد الأمّة، وبالتّالي ليس ثمّة تهوين للقتال بمبادرة الحوار، ولكنّه سبيل من سبل التّحرير التي يحتاجها المعارض السّوريّ لاستخدامها بحنكة المفاوض الوطنيّ، الذي يقدّم مصلحة شعبه ووطنه قبل مصلحة حزبه وجماعته، وقبل الانجرار خلف العواطف والنّزعات والتّشنجات التي قصاراها تنفيس عن الحنق والضّيق وحسب.

النّظام السّوريّ سيفكّر مليًّا، وقد يحدث مفاجأة غير متوقّعة كما أحدثها الزّعيم الخطيب، فجيشا سوريا النّظاميّ والحرّ  كلّ منهما أُنهك ويتألّم، وما يجري سوى حرارة الدّماء في الجيشين، فتزداد غليانًا لتأخذ بثأرها، وتحقّق مرادها، وكلٌّ بحسب مراده وطموحاته؛ فقد يعلن النّظام السّوريّ الموافقة على الحوار، وفي الوقت ذاته سيتردّد بقبول شرط الخطيب برحيله، وقد يشترط للرّحيل حصانة لبشار الأسد ومساعديه.. وهي قضايا ستُحدث عاصفة قويّة من الاختلاف بين مكوّنات المعارضة في الدّاخل والخارج كما حدث في اليمن، إنّنا نتوقّع معارك في الآراء والأطروحات بسبب الواقع السّيّئ الذي خلّفته الأحداث على الأرض السّوريّة،  ولكن النتيجة التي ستتحقّق في حال الموافقة على شروط النّظام المجحفة والمتوقّعة؛ أن يقف نزيف الدّم السّوريّ، وتتّجه سوريا لمرحلة ما بعد النّظام السّوريّ، وهي مرحلة لا تقلّ خطورة وصعوبة من المرحلة السّابقة.

وفي الجبهة الأخرى، تحاول إسرائيل ومن ورائها أمريكا إثبات، وبجدّيّة، أنّ سوريا دولة ممانعة ومقاومة، فقد “اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة السّابق ورئيس ‘معهد أبحاث الأمن القومي’ في جامعة تل أبيب اللّواء في الاحتياط عاموس يدلين، أنّ سقوط سورية وتفكّكها هو ‘بُشرى إستراتيجيّة’ لإسرائيل”، وفي رأيي أنّ “ضرب إسرائيل لمجمع عسكريّ وصواريخ شمال دمشق يوم الأربعاء يُقال إنّها ستتّجه لحزب الله اللبناني”؛ إنّما يأتي في هذا الإطار؛ بحيث يتمّ إعادة الثّقة في النّظام السّوريّ المتهالك، وإعادة الرّوح في حضور حزب الله في المشهد السّياسيّ بعد أن أطفأتها الثّورة السّوريّة التي تسيّدت الأخبار وعناوين وسائل الإعلام العالميّة، وتتمّ المحاولات الإسرائيليّة الأمريكيّة اليائسة من خلال نسج مسرحيّة قد يقوم بها النّظام السّوريّ المنهك بمساعدة إيران في إطلاق صورايخ إلى حدود إسرائيل؛ ليُقال لنا: لماذا أنتم ضدّ نظام ممانعة وأذرع مقاومة؟ أليس هو من ضرب إسرائيل عدوّكم اللّدود في عقر داره؟ ألا تخشون من ذهابه وهزيمته بيد المتطرّفين، وتذهب بذلك آخر جبهاتكم العسكريّة ضدّ الكيان الصّهيونيّ؟!

أظنّ أنّ العرب والمسلمين اليوم -في زمن ما يُسمّى بالرّبيع العربيّ- أمام مثل هذه الادّعاءات الصّهيوأمريكيّة وأيضًا الإيرانيّة ليسوا سذّج بدرجة كافية حتى يصدّقوا هذه التّرّهات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى