الصين: ريادة غير مسبوقة في إنتاج الطاقة النووية
الرشــــــــــــــــاد بــــــــــــــــرس ــــــ اقتــــــــــصاد
في تحوّل استراتيجي لافت على خريطة الطاقة العالمية، أعلنت إدارة الطاقة النووية الصينية أن الصين أصبحت ولأول مرة في تاريخها الدولة الأولى عالمياً من حيث الحجم الإجمالي للطاقة النووية، وهو إنجاز يعكس تقدماً تقنياً وتخطيطاً طويل الأمد في قطاع الطاقة.
ووفقاً لتقرير رسمي صدر مساء امس عن الإدارة الوطنية للطاقة النووية، فقد بلغ عدد وحدات الطاقة النووية التي تمتلكها الصين – بما في ذلك تلك التي دخلت الخدمة، وتلك التي ما زالت قيد الإنشاء أو حصلت على الموافقة – 102 وحدة، بإجمالي قدرة مركبة تصل إلى 113 مليون كيلوواط. ويضع هذا الرقم الصين في موقع الصدارة العالمية، متجاوزةً بذلك دولاً تقليدية في هذا المجال مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
الصدارة في قدرات الطاقة قيد الإنشاء
التقرير أشار أيضاً إلى أن الصين تحتفظ بموقع الريادة على مستوى سعة وحدات الطاقة النووية قيد الإنشاء منذ ثمانية عشر عاماً متتالية، حيث يبلغ عدد الوحدات التي يتم العمل على إنشائها حالياً 28 وحدة بقدرة إجمالية تصل إلى 33.65 مليون كيلوواط. ويمثل هذا التوجه جزءاً من خطة وطنية طموحة لتحقيق الأمن الطاقي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع أهداف البلاد للوصول إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.
تشغيل تجاري متزايد ونمو متواصل
كما أوضح التقرير أن الصين تشغّل حالياً 58 وحدة طاقة نووية تعمل بشكل تجاري، بقدرة إجمالية تبلغ 60.96 مليون كيلوواط. ويواصل إنتاج الطاقة النووية داخل البلاد تسجيل معدلات نمو مستمرة، حيث بلغ إجمالي ما أنتجته المحطات النووية الصينية خلال العام الماضي 444.7 مليار كيلوواط/ساعة، وهو ما يمثل 4.72% من إجمالي إنتاج الطاقة في الصين. وبهذا، تحتل البلاد المرتبة الثانية عالمياً من حيث إجمالي إنتاج الطاقة النووية، متقدمة بثبات نحو القمة.
البعد الاستراتيجي والتكنولوجي
التحول الصيني في مجال الطاقة النووية لا يقتصر على الجانب المدني فحسب، بل يشمل أيضاً التطويرات العسكرية. ففي 22 أبريل الجاري، كشفت صحيفة إزفستيا الروسية عن نجاح الصين في تنفيذ اختبارات ميدانية لقنبلة هيدروجينية جديدة، وهو سلاح يوصف بأنه من الجيل المتقدم للهيدروجين، ويشكل إضافة نوعية إلى الترسانة النووية الصينية. هذا التطور يسلط الضوء على البعد العسكري المصاحب للتقدم المدني في التكنولوجيا النووية، ويؤكد أن الصين تعمل ضمن استراتيجية شاملة تدمج الأمن القومي بالنمو الاقتصادي.
دلالات اقتصادية وجيوسياسية
يمثل هذا التقدم النووي الصيني رسالة مزدوجة للعالم؛ فهو من جهة يعزز مكانة بكين كقوة صناعية واقتصادية مستقلة قادرة على إنتاج طاقة نظيفة وموثوقة، ومن جهة أخرى يبعث بإشارات واضحة عن تحول موازين القوى في قطاع الطاقة العالمي، ما قد يعيد رسم التحالفات والتنافسات الاقتصادية على المستوى الدولي.
كما يُعدّ الاستثمار الكثيف في الطاقة النووية مؤشراً على وعي استراتيجي بالصدمات المحتملة في أسواق النفط والغاز، خاصة في ظل الصراعات الجيوسياسية وتقلبات السوق العالمية. ومن المتوقع أن تفتح هذه الطفرة في الإنتاج النووي آفاقاً جديدة أمام الصين في تصدير التكنولوجيا النووية، وتوسيع نفوذها في الدول النامية التي تسعى إلى تبني مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات.
المصدر: رويترز