العامري في حوار مفصل مع مجلة البيان حول المشهد اليمني وتداعياته على الخارج
الرشاد برس-مجلة البيان
برز اسم الدكتور محمد بن موسى العامري في عالم السياسة بشكل كبير بعد حضوره المؤثر في مؤتمر الحوار الوطني الذي أقيم في اليمن خلال عام 2013م، وكان للدكتور العامري صولات وجولات في كثير من المسائل والقضايا التي لها علاقة بمبادئ وأفكار الشعب اليمني المحافظ.
وبعد أن كان للدكتور العامري حضوره الكبير داخل أروقة مؤتمر الحوار الوطني تم اختياره عضوًا في لجنة صياغة الدستور ممثلًا لحزب الرشاد اليمني، وكانت له مواقفه الواضحة فيما يخص مواد الدستور المتعلقة بهوية الشعب اليمني، وأحكام الشريعة، وطريقة الحكم وكل ما يخص مبادئ الشعب اليمني ومعتقداته.
والدكتور العامري من أبرز مشائخ وعلماء اليمن، ومن أوائل من تتلمذ على يد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، ورحل إلى أرض الحرمين واستفاد من بعض مشائخها؛ كالشيخ عبدالعزيز بن باز، وابن عثيمين – رحمهما الله – وغيرهما من المشائخ.
وأسس مركز الدعوة العملي بصنعاء، وهو نائب رئيس هيئة علماء اليمن، وعضو رابطة علماء المسلمين، وأسس مع عدد من زملائه أول حزب سلفي في اليمن باسم «اتحاد الرشاد اليمني»، وكان للحزب حضوره الطيب في مؤتمر الحوار الوطني، ولجنة صياغة الدستور، والحوارات السياسية التي تلت أحداث الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن.
ويعتبر حزب الرشاد اليمني، من أول الأحزاب اليمنية التي أعلنت مقاطعتها للحوار مع السلطات الانقلابية الحوثية برعاية مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر، تلاها انسحاب عدد من الأحزاب والقوى السياسية رفضًا لهيمنة الحوثيين وانقلابهم على الحكم.
في هذا العدد.. التقى محرر «البيان» بالدكتور محمد بن موسى العامري، وفتح معه هذا الحوار الشيق، حول آخر مستجدات الشأن اليمني بعد انقلاب الحوثيين على السلطة، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء.. حيث يقرأ الدكتور العامري الحالة اليمنية ويوصّفها توصيفًا دقيقًا شاملًا من منطلق خبرته ومعرفته بالشأن اليمني، بعد تجربته المثمرة في حقل الحوارات السياسية اليمنية.. تفاصيل كثيرة حول الانقلاب الحوثي، والحوارات السياسية الجارية، ودور المجتمع الدولي في تمكين الحوثيين، وتأثيره على اليمن والمنطقة بشكل عام، وسيناريوهات مستقبل اليمن في ظل الحكم الحوثي، في ثنايا الحوار التالي..
البيان: كيف تابعتم تطورات الأوضاع في اليمن خلال العام الماضي ووصولها إلى هذه الدرجة من التراجع المخيف؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
منذ أن بدأت القوى السياسية والمجتمعية بالشروع في مؤتمر الحوار الوطني – وليد المبادرة الخليجية والتسوية السياسية – في أعقاب ثورة 11 فبراير عام 2011م، ونحن نتابع الأوضاع ونرصدها خطوة خطوة من خلال مشاركتنا في مؤتمر الحوار الوطني وما تلاه في لجنة صياغة الدستور وغيرها من المحطات التي شارك فيها حزب الرشاد اليمني، وقد أوضحنا في أكثر من مناسبة جملة من الملاحظات التي رافقت هذه العملية السياسية حتى أوصلتها إلى هذه المرحلة الخطرة.. ومن ذلك على سبيل المثال:
خطورة المشاركة السياسية في مؤتمر الحوار الوطني من قبل بعض القوى السياسية في ظل سيطرتها على أجزاء من الجمهورية اليمنية – كصعدة وما حولها – ابتداءً من قبل جماعة الحوثي.. وكان يفترض أن لا يقبل من أي جهة كانت أن تشارك في الحوار حتى تتخلى عن الأعمال المليشياوية وحتى تعيد ما بحوزتها من الأسلحة الثقيلة التي أخذتها أو سُلمت لها من خزينة الدولة، ولكن هذا الأمر كان يتم تجاهله من قبل الرعاة برغم مناداتنا بخطورته، وها قد وصلنا اليوم إلى آثاره الكارثية على اليمن.
تقاعس الدولة خلال السنتين الماضيتين عن القيام بمسؤولياتها وفرض نفوذها على جميع مناطق اليمن برغم توفر الأجواء والمناخات المتمثلة في التأييد الشعبي والإقليمي والدولي للعملية الانتقالية، غير أنها بكل أسف بدلًا من توظيف هذه المعطيات لفرض هيبة النظام والقانون ذهبت تمارس الأنماط التقليدية للنظام السابق، وهي العمل على المتناقضات وإدارة الصراعات والنزاعات طمعًا في كسب المزيد من الوقت لإطالة الفترة الانتقالية.
لقد كان من أكبر الأخطاء التي مارستها السلطة خلال الفترة الانتقالية السابقة تعويلها التام على المستند الخارجي والرعاية الدولية وإهمال أو شبه إهمال المستند الداخلي؛ حتى غدت مشلولة الإرادة عاجزة عن ممارسة دورها على أرض الواقع، فكان ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى تقويضها والانقلاب عليها.
لا ريب أن الرعاية الدولية للعملية السياسية لها حساباتها المختلفة بحسب هذه القوى المختلفة، على أن الدور الخليجي برغم وجود مبادرته ودعمه لها إلا أنه كان مغيبًا عن التأثير المباشر والمتابعة الدائمة لهذه العملية مسندًا هذه المهمة إلى الدور الأممي عبر ممثله في اليمن فحسب، الأمر الذي جعل القصور أو الإهمال واضطرابات الحسابات القومية الوطنية حاضرة في المشهد اليمني.
ثمت أمور لا يجوز إغفالها ونحن نتحدث عن المشهد اليمني وتداعياته التي أدت إلى سقوط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية اليمنية، وهي التواطؤ الذي تم داخليًّا وخارجيًّا لتمكين المليشيات الحوثية من مؤسسات الدولة دون مقاومة تذكر من قبل مؤسسات الجيش والأمن، وأجندات النظام السابق بما في ذلك مؤسسة الرئاسة التي قبلت بجزء غير قليل من هذه الخطوات والإجراءات ابتداءً من سقوط دماج فكتاف فحاشد فعمران.. إلخ. وهي وإن كانت على الأقل لدى بعض الجهات الداخلية والخارجية بدت كيدية وتصفية حسابات ضد قوى معينة وبخاصة قوى ثورة 11 فبراير، إلا أن الأمر خرج عن الحسبان وتجاوز حده لتصبح قضية ذات أبعاد إقليمية ودولية تهدد المنطقة بأسرها، وبذلك تغيرت الحسابات وانقلبت المصالح رأسًا على عقب وأدرك العقلاء أن الأمر لم يعد قاصرًا على مجرد المناكفات المحلية التي لا تؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة، ولعل ما يؤكد ذلك فيما بعد، مواقف الإقليم الخليجي ويسانده على استحياء موقف مجلس الأمن الدولي تجاه الإعلان الدستوري والانقلاب على الشرعية الدستورية مؤخرًا.
البيان: برأيك.. من يتحمل مسؤولية وصول الوضع اليمني إلى هذه الحالة من التراجع والسقوط؟
من الصعوبة بمكان أن نجد طرفًا واحدًا مسؤولًا عن كل ما جرى ويجري من هذه التداعيات، لكن هناك بكل تأكيد أكثر من جهة داخليًّا وخارجيًّا تتحمل هذه المسؤولية وإن بدرجات متفاوتة.
البيان: هل يمكن أن تلخص لنا أهم هذه الجهات المسؤولة؟
لعل من أهم تلك الجهات ما يلي:
أ- جماعة الحوثي التي انقلبت على جميع مفردات العملية السياسية بدءًا من المبادرة الخليجية فمخرجات الحوار الوطني، واتفاقية السلم والشراكة ويساندها خارجيًّا بصورة جلية الموقف الإيراني حليفها الإستراتيجي، وبصورة خفية بعض الدوائر الغربية وبخاصة الموقف الأمريكي بعد أن سوقت جماعة الحوثي نفسها لدى الدوائر الغربية على أنها الشريك الإستراتيجي لمكافحة الإرهاب في اليمن، مستغلة في ذلك التحالف الدولي ضد موجة الإرهاب لتحقيق مكاسبها السياسية وتمددها وبسط نفوذها وسيطرتها على محافظات اليمن.
ب- أذرع وأدوات النظام السابق التي تحالفت مع جماعة الحوثي لأمرين أساسيين..
البيان: ما هما؟
الأمر الأول: هو الانتقام من خصومها الثائرين عليها.
الأمر الثاني: تمهيد الطريق لها للعودة إلى سدة الحكم ويساندها في ذلك بعض القوى الإقليمية التي كان لها موقف من أحداث الربيع العربي.
ومن ضمن تلك الأطراف المسؤولة عن انهيار الأوضاع، مؤسسة الرئاسة وما يتبعها من مؤسسة الجيش اليمني الذي كان مخذولًا بشهادة الجميع وموطئًا أو متواطئًا على رأي الأكثر، وفي أقل أحواله كان عاجزًا عن التعاطي بمسؤولية تجاه ما يجري من الأحداث، وإن كان قد أسقط في يده في نهاية المطاف لكن بعد فوات الأوان وبعد أن أضحت الحكومة بما فيها رئيسها ورئيس الدولة تحت الإقامة الجبرية وبعد استقالتها لا تملك من أمرها شيئًا.
البيان: ماذا عن الموقف الدولي، هل يتحمل جزءًا من المسؤولية؟
الموقف الدولي أيضًا لم يكن جادًّا في التعاطي مع معرقلي التسوية السياسية إن لم نقل إنه كان متغافلًا معها أو متواطئًا، على الأقل بعض الأطراف ذات الصلة بأجندة خاصة بها تتقاطع مع سير هذه العملية يومًا بعد يوم.
أضف إلى ذلك الكثير من القوى السياسية كان لها دور في ما وصلت إليه الأوضاع في اليمن بسبب تصاعد المنازعات والصراعات الحزبية وتغليب المصالح الضيقة على مصالح الوطن العليا كل ذلك مضافًا إليه سوء الأوضاع المعيشية وتردي الأوضاع الأمنية قد مهد الطريق وهيأ الأجواء التي نفذ من خلالها المتربصون بالوطن، فكان ما كان من إسقاط وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سطوة المليشيات المسلحة.
البيان: كيف قرأتم تداعيات قصة سقوط صنعاء في أيدي المليشيات الحوثية بتلك الطريقة الدراماتيكية العجيبة؟
الواقع أن ما حصل كان مفاجئًا للجميع بما في ذلك بعض تلك الأطراف التي غضت الطرف بادئ الأمر، أو كانت جزءًا من التآمر في هذا المسار، لكن بعد أن تجلت الأوضاع وتبينت خيوط اللعبة وفصولها، أصبح الأمر مفهومًا كما أوضحنا في ذكر الجهات التي تتحمل مسؤولية ما جرى نتيجة التحالفات المختلفة التي بموجبها تم تسليم مؤسسات الدولة للمليشيات الحوثية.
البيان: ما هي وجهة نظركم حول التمدد الحوثي السريع منذ سقوط دماج، وسيطرته على أغلب المحافظات الشمالية؟
جماعة الحوثي لديها مشروع تسعى لتحقيقه منذ عقود، وهو أمر غير خافٍ على من يتابع تاريخ وأطوار هذه الجماعة التي ربطت مصيرها بالمشروع الإيراني، ووجدت في الثورة الإيرانية ضالتها لتمديد ثقافتها وبسط نفوذها في اليمن.. ولم تكن دعاوى المظلومية أو الشعارات المعادية لأمريكا وإسرائيل سوى عناوين براقة لاستدراج عامة الناس وبالأخص في مناطق الزيدية مستغلة في ذلك عوامل الانقسامات والجهل والصراعات القبلية لتسويق مشاريعها.. إضافة إلى دور النظام السابق وتسهيلاته التي قدمها لهذه الجماعة بناء على سياسة اللعب على التوازنات المذهبية والمتاجرة بهذه الورقة إقليميًّا كما تجلى ذلك في عدة دراسات قدمتها مراكز بحثية مختلفة.
البيان: كيف وجدتم تعامل الحوثيين من خلال مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني ولجنة الدستور ومن ثم انقلابهم على السلطة بشكل كامل؟
حاول الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني أن يقدموا أنفسهم بمنطق الفئة المظلومة حتى خيل إلى كثير من القوى السياسية أنهم الفئة التي حرمت من كامل حقوقها وصودرت جميع آرائها، وهو أمر مبالغ فيه إلى حد كبير، فالظلم والقتل الذي نالهم جراء الحروب الستة قد أوقعوا أضعافه في صفوف أبناء القوات المسلحة والأمن وما نالهم من تهجير لا يساوي شيئًا في مقابل ما قاموا به من تهجير وتشريد ومصادرة لآراء وحقوق مخالفيهم.
وحاول الحوثيون أن يقدموا أنفسهم في مؤتمر الحوار الوطني على أنهم قوى مدنية غير مرتبطة بماضوية الإمامة ومخلفاتها حتى صدقهم الكثير من الناس في ذلك، كما أنهم ناوروا كثيرًا في قضايا الوطن كالقضية الجنوبية التي قدموا فيها رؤى براغماتية لا تخلو من دغدغة عواطف أبناء المناطق الجنوبية مؤكدين لهم أنهم مع الانفصال وحق تقرير المصير وهو الأمر الذي سرعان ما انقلبوا عليه بعد انقلابهم وسقوط العاصمة بأيديهم.
وهكذا قضايا المرأة والمفردات الثورية الشبابية إضافة إلى تحالفهم الصريح مع المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وبعض مكونات اللقاء المشترك وبخاصة الحزب الاشتراكي اليمني وغيره.. كل تلك الممارسات قد جعلوا منها مدخلًا لتسويق أنفسهم، غير أن تلك المعاني قد انقلبت رأسًا على عقب بعد دخولهم صنعاء بمليشياتهم ليتقرر المنطق المعهود.. الطبع غلب على التطبع.
البيان: كيف قرأتم تعامل الجهات الدولية والغربية بشكل خاص، مع الانقلاب الحوثي؟
هناك لا شك إدانات إقليمية ودولية لما قامت به جماعة الحوثي من الانقلاب على الشرعية في اليمن، وعلى وجه الخصوص البيانات الصادرة من مجلس التعاون الخليجي رعاة المبادرة الخليجية، وكذلك بعض المواقف الدولية، وإن كان الموقف الدولي من الناحية العملية لا يزال باهتًا في موقفه من الأحداث الجارية في اليمن بشكل عام، ولا يمكن أن يوصف بأنه موقف عادل ومنصف ومع الشعب اليمني الذي يدفع كل يوم ضريبة باهظة من أمنه واستقراره تجاه هذه المواقف المترددة.
البيان: لماذا قاطع حزب الرشاد اليمني الحوارات السياسية مع جماعة الحوثي بعد الانقلاب؟
الحوارات ليست مقصودة لذاتها وإنما هي وسائل لإيجاد الحلول وإزالة العوائق والمشكلات، ونحن سبق أن شاركنا في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان الحوثيون مشاركين فيه، لكن حينما دخلت المليشيات إلى صنعاء وبسطت نفوذها على مؤسسات الدولة، وحاصرت الرئيس ورئيس الحكومة وعددًا من المؤسسات الرسمية، أرادت أن توجد لها غطاءً شرعيًّا لهذا الانقلاب من خلال مهزلة الحوار تحت الحصار والنار، وفرض المكاسب السياسية بقوة السلاح، وهو أمر لا يمكن أن نقبل به وإذا كنا مشاركين فيه بصورة أو بأخرى فكان لا بد من اتخاذ خطوة جادة من هذا الانقلاب الذي يراد إضفاء الشرعية عليه.. وأقل من ذلك من وجهة نظرنا هو مقاطعة الحوار. وقد أبلغنا المبعوث الأممي جمال بنعمر أن الحوار في هذه الأجواء يعد ضربًا من العبث والاستخفاف وقد تبين فيما بعد صحة ما ذهبنا إليه.. حيث حدد الحزب الناصري موقفه بعدنا بالاتجاه نفسه، وتعثرت بقية القوى السياسية في هذا الحوار، حتى خرج الرئيس هادي إلى عدن وحينها دعا إلى نقل الحوار إلى عدن أو تعز أو إلى الرياض مؤخرًا.
البيان: ما هو مصير الدستور الجديد الذي كنت أحد أعضاء لجنة صياغته؟
الدستور لا شك أنه منجز كبير، وهو ثمرة الحوارات والتفاهمات التي تؤسس لإقامة الدولة ولا يمكن أن يكون هناك دولة عادلة تحقق مطالب أبناء الشعب في شماله وجنوبه ما لم يكن هناك دستور مرضٍ لجميع أبناء أو أغلبية أبناء الشعب، وفي مقدمة المطالب ما يتعلق بهوية الشعب والثوابت والمحكمات الشرعية، وكذلك التوزيع العادل للثروة والسلطة وقيام الدولة الاتحادية على أساس تحقيق الشراكة العادلة للجميع.
البيان: ما هي السيناريوهات المتوقعة في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على جزء من شمال اليمن؟
في تقديري أنه وبعد استقرار رئيس الجمهورية في عدن، وإعلان تراجعه عن الاستقالة وتمسكه بالشرعية والمبادرة الخليجية يمكن القول إن المشهد اليمني يتمخض عن مسارين:
الأول: وهو انتصار الإرادة الشعبية الرافضة للانقلاب الحوثي، ومعها الدعم الإقليمي والدولي وحينئذ العودة إلى حوار جاد وعادل، وإبطال ما سمي بالإعلان الدستوري من قبل جماعة الحوثي، وعودتها إلى حجمها الطبيعي بعيدًا عن لغة التهديد وفرض المطالب بالقوة، وهذا المسار هو الشيء الطبيعي الذي نتمناه جميعًا، وهو المحقق لأمن ووحدة واستقرار اليمن، وهنا يمكن أن تتجلى الحكمة اليمانية ويتم التغلب على المصالح الفئوية والطبقية لصالح الشعب بأكمله.
المسار الثاني: وهو الأسوأ والذي نرفضه ويرفضه أبناء الشعب اليمني نظرًا لعواقبه الوخيمة على المنطقة، وهو خيار الفوضى في حال ما إذا أصرت جماعة الحوثي على المضي قدمًا في فرض أجندتها ومشروعها بقوة السلاح، ومثل هذا المسار لا شك أنه لن يقبل على المستوى المحلي والإقليمي، وكلفته لا شك باهظة على الجميع.. وهو المسار الذي يحقق الرغبة لأعداء الوطن الذين يسعون إلى إدخاله في دوامة الصراعات الأهلية والمناطقية والمذهبية وغيرها.. ولا شك بإذن الله تعالي أن إرادة الشعب الصادقة وتطلعاته الجادة سوف يكتب لها النجاح في نهاية المطاف.
البيان: كيف يمكن الخروج من مأزق الحرب الطائفية وتردي الأوضاع في اليمن بعد التمدد الحوثي المخيف؟
علينا أن ندرك أن ما آلت إليه الأوضاع نتاج سلسلة من الأخطاء والممارسات التي أسهمت في هذه الأحوال، ومن ذلك:
الابتعاد عن تحكيم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع شؤون الحياة، وفي الحديث الصحيح «ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».. فالإعراض والزهد في إحياء الدين ومعانيه في حياة الناس أساس جميع هذه الرزايا التي تشهدها المنطقة، فالعداوات مبناها على نسيان حظٍ في الدين؛ {فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 14].
ارتهان بعض القوى السياسية للخارج وتنفيذ أجندة خارجية لخدمة فئات من الشعب مذهبية أو مناطقية أو حزبية دون مراعاة لمصالح الأغلب من الناس، ومثل هذه التوجهات لا تساعد على إقامة العدل بين الناس الذي به استقراراهم وأمنهم.
تخلي كثير من القوى السياسية عن المسؤولية وغياب قادتها عن تحمل الأمانة الملقاة على عاتقهم وانشغالهم بالخصومات والمكايدات وتصفية الحسابات دون إدراك لخطورة هذه الإجراءات على الناس وما تجلبه لهم من المعاناة والإحباط، إذ إنهم يدركون ذلك ولكنهم لم يعودوا يعبئون بالشعوب ولا بهلاكها طالما بقيت لهم مصالحهم وأطماعهم.
أخيرًا، فالواجب على الناس أن يدركوا أن هذه المحن يخرج الله منها منحًا ويغربل فيها الناس ليعلم الصادق من الكاذب، ويعود الناس فيها إلى رشدهم ويبحثوا عن مخارج لهم بوعيهم لا بوعي غيرهم ووفق مصالحهم لا مصالح غيرهم.. {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}[النساء: ٦٦].