مقالات

العلمانية ليست حلاً

محمود سلطان

كلّما حلّت بدولة عربيّة كارثة، يكون الأمريكيّون أو الطائفيّون طرفًا فيها، برز أصحاب الياقات البيضاء، ومتصدرو المنصّات، رافعين شعار “العلمانيّة هي الحلّ”!

بعد سقوط بغداد في إبريل عام 2003، ومع اكتمال المشروع الطّائفيّ الأمريكيّ في العراق سمعنا من يقول إنّ الحلّ في “الدّولة العلمانيّة” التي لا وجود فيها للطّائفيّة! وبعد سيطرة حماس على غزة في يونيو عام 2007، أُعيد إنتاج نفس المقولة: الحلّ في “الدّولة العلمانيّة” التي تقوم بدور الجدار الفاصل بين “ما لله” و”ما للمواطنين”!

وبعد سقوط “بيروت” في يد مليشيات حزب الله يوم 9 إبريل 2008، كتب الشّيوعيّون المصريّون مقالات، قالوا فيها إنّ الحلّ في لبنان، لا يتأتّى إلاّ بالدّولة العلمانيّة التي تعيد الدّين إلى “الله” وتردّ لبنان إلى “اللّبنانيّين”!

ومن المفارقات اللّطيفة في هذا الموضوع، وبالغة الدّلالة أيضًا، أنّ “بغداد” سقطت في يد التّحالف “الشّيعيّ ـ الأمريكيّ” يوم 9 إبريل عام 2003، ثم سقطت “بيروت” في يد التّحالف الشّيعيّ” اللّبنانيّ ـ الإيرانيّ” في اليوم ذاته 9 إبريل عام 2008! فهل هي مصادفة؟! أم أنّها جاءت في سياق الولع الشّيعيّ بالتّفسير الباطنيّ والإعجاز الرّقميّ ودلالاته الدّينيّة؟!

ما حدث في العراق عام 2003، وفي فلسطين عام 2007، وفي لبنان عام 2008، لا علاقة له لا بالدّولة الدّينيّة ولا الدّولة العلمانيّة، ولا بالصّراع بين التّنوير والظّلاميّة ولا بين الأصالة والمعاصرة، ولا بين التّقدميّة والرّجعيّة، ولا كلّ “أصابع الروج” التي يستخدمها اليسار العربيّ، لإخفاء “بثور” الفتن التي شغل بها الرّأي العامّ العربيّ، وتغييبه في أتونها لعقود طويلة.

إذ ما علاقة نوع الدّولة “الحل”، التي يردّدها اليسار، بـ”العمالة” للخارج؟!

ما حدث في العراق كان نتيجة “عمالة” شيعته لواشنطن ولطهران، وما حدث في لبنان كان نتيجة “العمالة” لطهران، وما حدث في غزة كان انقلابًا استباقيًّا “وطنيًّا” أجهض انقلابًا أمريكيًّا في القطاع عن طريق وكلاء الإدارة الأمريكيّة داخل سلطة الرّئيس الفلسطينيّ محمود عباس، وهو الانقلاب الذي كشفت تفاصيله مجلة (فانتي فير) الأمريكيّة بالأسماء والأرقام، وقيمة الشّيكات، وما دُفع منها، وما نُهب، والأنظمة العربيّة التي شاركت في التّدريب والتّمويل تحت الإشراف الأمريكيّ المباشر.

لا داعي للّفّ والدّوران، ولنسمِّ الأمور بأسمائها، ولا داعي لهذه الانتهازيّة الفكريّة أو السّياسيّة، التي تحاول استغلال الحدث، لتعيد إنتاج هجومها المعتاد والمملّ على التّجربة السّياسيّة الإسلاميّة، وتتحدّث عن الدّولة الدّينيّة والدّولة المدنيّة، وكأنّنا نعيش زمن الإمبراطوريّات الكنسيّة الكاثوليكيّة في العصور الوسطى.. هذه انتهازيّة رخيصة، تضحي بدول عربيّة تسقط تباعًا في يد الطّوائف وفي يد الأمريكيّين والإيرانيّين، لقاء تشفي غليلها وكراهيّتها لكلّ ما هو إسلاميّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى