الفساد في مجال التعليم (2)

سأتناول في مقالتي هذه دور الطالب والتلميذ في فشل التعليم وفساده أو نجاحه وتطوره وقد تعمدت أن أبدأ هذه السلسلة بالطالب والتلميذ لأن العادة جرت في مجتمعاتنا بإلقاء تبعة الفشل و الفساد في التعليم على الدولة وحدها ولا شك أن الدولة تتحمل جزء كبير من المسئولية الا أن للطالب والتلميذ دور ملموس وملحوظ في نجاح التعليم أو فشله.

إن مظاهر الكسل وتبديد الوقت لدى التلميذ والطالب , واستهتاره بالشأن الدراسي واستمرار حالات الكسل والخمول التي يضرب لها زعماء الهزائم والفشل الدراسي الطبول من الطلبة والتلاميذ تعتبر مؤشرات واضحة وأدلة قاطعة على مشاركة الطالب والتلميذ في عرقلة التعليم وتراجعه وفساده , وإذا اتفقنا على تخبط واضعي البرامج و المناهج الدراسية فإننا نتفق كذلك على الكسل العارم والمنظم الذي يدب في أوساط الطلبة والتلاميذ , يصاب الأستاذ بخيبة أمل وهو يرى الغائبين والغائبات عن الحصة يداومون الحضور والطواف بحرم الجامعة وساحة المدرسة ولا يفتح معظمهم الكتاب إلا في فترة المراجعة للامتحان مكتفيا بأمان وأحلام تصدقها الحراسة المغشوشة وتكذبها الأمانة والحزم والصرامة, و كثير من هؤلاء يتفنون في ابتكار اللوم على المدرس والمدير والمدرسة وصعوبة المنهج مبرئين أنفسهم من التبعة والمسئولية وهم المساهمون بالنصيب الأوفر في الفشل الواقع والفساد القائم لخوار عزائمهم , ووهن إرادتهم .

والجانب الآخر من المشكلة هو مظهر الهزيمة النفسية واليأس عند الطالب في مستهل مشواره والتلميذ في أولى خطواته وافتقاد أي قدرة على توظيف ما لديه من قدرات وإمكانات والاستسلام الكامل وانطفاء الروح والعيش في سلم وانتظار ما يجود به الآخر من مناصب ووظائف .

إن دور الطالب والتلميذ في فشل التعليم أصبح واقع لا يمكن إنكاره وهذا الواقع هو إدانة مستمرة لمستوى الطلاب والتلاميذ بما تنتجه الجامعات والمدارس في الغالب من شخصيات مهزوزة فارغة من العلم , أمية أو شبه متعلمة, بعيدة عن التفكير والاجتهاد والتبصر بالنتائج والاعتبار بالعواقب , لا تتقن سوى المطالب والتنظير والمطالبة بالحقوق والتفنن في إهمال الواجبات .

ولا شك أن لهذا الواقع أسبابه ومبرراته والتي منها المناهج وما تعانيه من مشكلات بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تعانيها بلادنا , وحالة الفقر والفاقة لتي يعاني منها الكثير من الطلاب والتلاميذ وما يرتكبه بعض المدرسين من أساليب تزهد الطالب في العلم والتعلم ..

غير أن ضعف الرغبة وانعدام إرادة التعلم عند الكثير من الطلاب والتلاميذ هي السبب وراء تدهور التعليم وفساده .. وان الواقع المشرق للأجيال التعليمية السابقة ممن لم يتوفر لهم ما توفر للطلاب والتلاميذ اليوم ليدلل على ما تحدثه الإرادة والرغبة لدى المتعلم من نهضة في التعليم وتقدم في العلم وقد كانت تلك الأجيال دون نقل مدرسي أو إيواء” سكنات طلابية ” ونعرف كثير من الطلاب في تلك الحقبة كانوا لا يجدون ما يسدون به الرمق من شدة الفقر , وان التجربة الفلسطينية المعاصرة خير مثال في هذا المجال بما يتوفر عليه طلابها من رغبة وإرادة رغم كل المعوقات والمثبطات ورغم ذلك كله تصدروا القائمة في التربية والتعليم الناجح .

إن كثيرا من رؤى التغيير والإصلاح والتنمية وتحديد المشكلات في مجال التعليم تتناول البرامج والمناهج وتغفل العنصر البشري ولم تستهدفه بالإصلاح كما ينبغي , والإصلاح لا يجوز أن يقتصر على الأشياء من برامج وجدران بل يجب على المدارس أن تستعيد رسالتها في التحصين الثقافي والتربوي لروادها .

ولنعلم أن أي نجاح أو إصلاح لا يمكن إلا من خلال عزمات البشر واستشعار المسؤولية وتقديم التضحية
h_mm1@hotmail.com