تقارير ومقابلات

القاعدة في خـُطتها… إستراتيجية “الانغِماس في العَدُو”

أمجد خشافة
أمجد خشافة

يستدير تنظيم القاعدة هذه المرة على نحوا أصعب للحكومة اليمنية في مواجهتهم العسكرية باعتبار أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن بات أكثر قوة مما كان عليه قبل 2011م، فقد كرَّست القاعدة جهدها منذ أن أعلنت قيادتها في يناير 2009م على دمج التنظيمين السعودي واليمني تحت مسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ على خوض معركة باتجاهين وهي معركة محلية مع الحكومة اليمنية، ومعركة مع الولايات المتحدة الأمريكية حين صدرت لها أكثر من عملية استطاعة أن تهدد الأمن القومي الأمريكي، ولكن حين دخلت اليمن في ثورة شعبية انعكفت قيادات القاعدة على خلق – ما تعتبره- دولة إسلامية تحكمها الشريعة، فكلفها الظهور في مايو2011م في مدينة أبين وأجزاء من شبوة لأول مرة في اليمن، على الحرب بشكل نظامي مع الدولة، ولكن حين تمكنت الدولة بمساهمة الطائرات الأمريكية بدون طيار إجبار القاعدة على الانسحاب في منتصف 2012م، كانت التنظيم قد اكتسب قوة عسكرية وبشرية في فترة السيطرة، وحين تتحول هذه القوة البشرية والعسكرية إلى عصابات ستكون أكثر عبئاَ على الدولة في مكافحتها، وهو ما اعتبره مسؤول أمريكي أن انسحاب القاعدة يشكل خطرا على أمن اليمن والمنطقة، باعتبار أن على الحكومة اليمنية ستواجه خطر القاعدة حين تتحول إلى حرب عصابات بأكثر قوة منذِ قبل.
وبعد مرور ما يقارب السنة والنصف من انسحاب القاعدة من سيطرتها على مدينة أبين في أوساط سنة 2012م؛ حاولت أن تستعيد نشاطها العسكري في إطار حرب مفتوحة بينها وبين الحكومة اليمنية ولكن بأسلوب جديد، وهو تنفيذ هجمات مباغتة على معسكرات تابعة للجيش اليمني، ضمن إستراتيجية “الانغماس في العدو”، كما ذكر ذلك أكثر من إصدار مرئي لقيادات في التنظيم.
إستراتيجية جديدة
يتمثل التوجه الجديد لتنظيم القاعدة في اليمن في حربها مع الحكومة اليمنية على تنفيذ هجمات ضد معسكرات قوات الأمن، وذلك من خلال عناصر يسمون “بالفدائيين”، وهم الغير متوقع بقائهم على الحياة أثناء تنفيذ الهجوم، ففي حرب أنصار الشريعة 2011م التي عَمِلت بِإمرة قيادات القاعدة مع معسكر 25ميكا بمدينة أبين، اقتحم ثلاثة مسلحين من أنصار الشريعة المعسكر، وقتل المسلحين العشرات من الجنود حتى وصلوا إلى مقر قيادة رئيس المعسكر، غير أن الجنود تمكنوا من قتلهم جميعاَ.
ومؤخرا في يوم 12 من شهر سبتمبر الماضي، اقتحم عدد من مسلحي تنظيم القاعدة بهجومين منفصلين أحدهما على مركز أمني في مديرية ميفعة، والآخر بتفجير انتحاري على نقطة للجيش في “الرضم” بمحافظة شبوة جنوب شرق اليمن، وقتل فيه أكثر من 33 جندياً، واعتقال العشرات غير أن القاعدة أفرجت عنهم جميعاَ، واعتُبِر هذا الهجوم مفاجئاَ للحكومة اليمنية، ولشدة وقعه فقد أثار حفيظة دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية بما صدر عنهم من تصريحات متفرقة تستنكر الهجوم، وتطمئن الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة اليمنية بمساندتهم في إطار الحرب على الإرهاب.
هذا الهجوم الذي نفذته القاعدة لا يقل شبهاَ عن الاقتحامات التي تنفذها دولة “العراق الإسلامية” على مقرات عسكرية عراقية من حيث التكتيك، إذ أن القاعدة تمكنت من تنفيذ هجوماَ مباغتاَ في مدينة صلاح الدين في 5-8-2013م واقتحام حواجز الحراسة حتى وصلت إلى رئيس مبنى المعسكر وقتله مع جميع الجنود.
وفي الهجوم الأخير الذي نفذه عناصر من القاعدة يوم الاثنين من الأسبوع الماضي على معسكر المنطقة الثانية في مدينة المكلاء العاصمة الإدارية لحضرموت، فإن تفاصيل المعركة لم تظهر بعد، سوى ما نقلته الحكومة اليمنية، وباعتبار أن القاعدة كانت طرفا في المعركة فإنها لا زالت تتكتم عن أي تصريح، إلا أن المعلومات التي تكشفت مؤخرا تقول أن خمسة من عناصر القاعدة بزي عسكري هم من اقتحموا معسكر المنطقة الثانية في مدينة المكلاء، وليس كما نقلته وسائل إعلام محلية بأنهم ثلاثة.
وقد وضع مسلحو القاعدة القوات الأمنية اليمنية في حرج خلال ثلاثة أيام من الحصار منذ بدء المعركة الاثنين الماضي وحتى انتهائها الأربعاء، إذ أن المسلحين استطاعوا أن يحتجزوا أكثر من 40 ضابطاَ من الجنود في مبنى المعسكر، وفي هذا الموقف الحرج كان هناك خيارين أمام القوات الأمنية لإنهاء المعركة مع المسلحين وهي: أن يتم تسهيل خروج المسلحين الثلاثة دون أن يتم القبض عليهم مقابل ترك سراح الجنود المحتجزين، أو أن يستمر المسلحين في الدفاع عن أنفسهم، والانتهاء بتنفيذ عملية هي أشبه بالانتحارية وقتل عدد من الجنود ثم تنتهي بقتلهم أثناء المعركة، وهذا الخيار هو الذي أنهت القوات اليمنية المعركة بينهم وبين مسلحي القاعدة.
حيث كشفت معلومات موثوقة من مصادر مقربة من القاعدة أن قوات الجيش اليمني، لم تتمكن من اقتحام المبنى المتواجد فيها عناصر القاعدة مع الضباط المحتجزين، حتى تم قصفه مساء الأربعاء الماضي بصواريخ بارجة غربية من سواحل مدينة المكلاء، ولأن الموقف كان محرجا للقوات اليمنية فقد جازفت بقتل المسلحين مع الضباط المحتجزين لديهم، وهو ما يدل على عدم تكشف أي معلومة رسمية عن مصير الضباط المحتجزين بعد القصف حتى الآن.

لماذا تتمركز القاعدة في حضرموت بقوة؟
تعتبر مدينة حضرموت ضمن المناطق الجنوبية التي كان يحكمها الحزب الاشتراكي، ولأن القاعدة في مركزها في أفغانستان بقيادة زعيمها أسامة بن لادن، فقد أعلن حربه ضد الحزب الاشتراكي حين قال” لا نجوت إن نجا الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن”، باعتبار أن الحزب امتداد للإتحاد السوفياتي الذي انهزم في أفغانستان عام 1989م، فقد تشكلت مجاميع مسلحة بداية التسعينيات في مدينة أبين جنوب اليمن ثم توسعت إلى بقية المدن الجنوبية.
ولأن مدينة حضرموت بعيدة عن مركز قيادة الحكم “صنعاء” فقد شكلت هشاشة الدولة في حضرموت وضعف الأمن عاملاَ مساعداَ على تزايد عناصر القاعدة، وتوسعها في مناطق المدينة، إضافة إلى الحركة الدينية التي تكرس مفاهيم مناهضة الحكام، وعدم تقبل العمل في إطار قوانين المجتمع الدولي، وقد أولت القاعدة اهتمام بمدينة حضرموت كحاضن اجتماعي في بعض مناطقها مثل “غيل باوزير، والشحر، والريدة، والمكلاء”، وهو ما ذ كرته تسجيلات صوتيه تابعة للقاعدة تمتدح مدينة حضرموت، إضافة إلى أن قيادات كثيرة من الدرجة الثانية في التنظيم خرجت من هذه المحافظة، لاسيما الـ60 شخصا الذين تمكنوا من الفرار من الأمن السياسي بمدينة المكلاء في يونيو 2011م، وهم من يشكلون القيادات المهمة للتنظيم حالياَ.
وحين انسحبت أنصار الشريعة من سيطرتها على مدينة أبين وشبوة، انتقل جزء كبير من عناصر التنظيم إلى محافظة حضرموت، وقد شهدت خلال السنة الماضية عدة اغتيالات في منطقة الشحر، وغيل باوزير، والمكلا، حيث بلغ عدد الضباط الذين تم اغتيالهم 23 ضابطاَ أغلبهم من ضباط الاستخبارات اليمنية.

نشاط القادة مؤخرا.. من يستهدف؟
وسعت القاعدة من استهدافها بعد ما سيمت بـ”معركة الحسم ” التي أجبرت التنظيم على الانسحاب من مدينة أبين وشبوة منتصف 2012م، فأصبحت تستهدف أغلب القوات الجيش اليمني، في حين لم تكن سابقاَ تستهدف سوى ضباط الأمن السياسي والأمن المركزي باعتبار أنهم متخصصين في الحرب على القاعدة ووجود وحدات مكافحة الإرهاب، لكن نشاط القاعدة مؤخرا حول استهداف المنشآت الحكومة والنفطية أثار جدلا واسعاَ، وذلك حين نشرت وزراه الدفاع اليمنية أن تنظيم القاعدة كان يستهدف في هجومه لكتيبة عسكرية في مدينة شبوة -جنوب اليمن- في 12سبتمبر الماضي يستهدف محطة “بلحاف الغازية”، غير أن عناصر مقربه من تنظيم القاعدة أعلنت حينها عن نفي عما نشرته وزارة الدفاع اليمنية بأن الهجمة الذي نفذتها عناصر من التنظيم كانت تستهدف محطة “بلحاف الغازية”، وأن القاعدة بالإمكان الوصول لأي منشأة نفطية غير أنها ليس من أهدافها الهجوم على المنشآت النفطية، حسب ما جاء في البيان.
وبما أن الوضع في اليمن يسير نحو الانحدار الأمني، فإن ظاهرة الاغتيالات باتت هي المؤرقة لدى الرأي العام، وما يصاحب هذا الوضع من تفجيرات في عدة مناطق يرجع جزء منها إلى بصمات تنظيم القاعدة، غير أن التفجيرات في مناطق عامة تحاول بعض القوى السياسية أن تختلقها، مساهمة منها في عدم استقرار الوضع، ففي حادثة تفجير وسط العاصمة صنعاء، أصدرت القاعدة بياناَ تنفي أي صله لها بهذا التفجير، وقال البيان الذي نُشر في 29سبتمبر الماضي، “إننا نبرأ إلى الله من هذا العمل وندينه، ونؤكد أن حربنا هي مع الصليبيين ومن تحالف وتعاون معهم، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من قتل أي مسلم معصوم الدم، ونعتقد أن الشعب مسلم يجب علينا حمايته”، حسب ما جاء في البيان.
وإن كانت القاعدة بما تفعله من اغتيالات أو تفجيرات في اليمن، فإن حالة الرجوع للسيطرة لمدن تواجدها ليس خيار استراتيجي لها على المدى القريب، وإن كانت مناطق تواجدها في حضرموت أو أبين أو شبوة تتهشم فيها قوة الأمن، إلا أن القاعدة تحتاج إلى ترتيب صفوفها بعد أن كلفها الكثير من قنص قياداتها أثناء سيطرتهم على مدينة أبين وشبوة، ومع هذا فإن خطة تنفيذ هجمات إستراتيجية مباغتة لمعسكرات حيوية عبر انتحاريين أو “فدائيين” كما يسمونهم هي من ستكون الحرب الجديدة التي تنتهجها مع الدولة، محاكاةَ للهجمات النوعية التي تنفذها تنظيم القاعدة في العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى