مقالات

القبيلة حين تكون تحت عباءة الإسلام

 

القبيلة اليمنيةنسيم أحمد الفيل

إن منزلة الإسلام من النسيج الاجتماعي هي كمنزلة الدم من الجسد، فكما أن هذا السائل يقوم بتغذية الجسد وبدونه لا تثبت الحياة، فكذا الإسلام قد جاء بالعون لذلك النسيج وبدونه لا يثبت النظام فيها فجاء الإسلام بعقيدة سماوية ليعيد الأمور البشرية إلى نصابها وجاء هداية للعالمين " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

 

ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في هيئة إجتماعية تقوم على القبلية، فكان العرب عبارة عن قبائل متناثرة متنافرة لا تجتمع على شيء، على الرغم من وحدتهم في كثير من المقومات كالأرض واللغة والتاريخ وكذلك الثقافة.

 

لكن العصبية القبلية والثارات الدائمة وغارات السلب والنهب واشتغال كل قبيلة بنفسها وسعيها لحيازة ما تفخر به غيرها والعمل على انتقاصها غيرها جعلها لا تمتلك القدرة حتى على الإجتماع على قضية من القضايا التي يجتمع لها الناس في جاهليتهم كطرد الإحتلال الفارسي والروماني من أطراف الجزيرة العربية مثلاً.

 فجاء الإسلام وأنتشلهم من دوامة الحياة المفرغة، إنتشلهم ليكونوا تجمعاً فريداً في التاريخ لينشئ منهم أمة العقيدة ويستحقوا بذلك وصف الله تعالى في قوله: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله تعالى".

 والقبلية بصفة عامة لا تُذم فهي قدر كوني فالله تعالى هكذا خلق عباده شعوباً وقبائل قال تعالى" إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وقد فسرها المفسرون بأن الشعوب هم بطون العجم والقبائل يقصد بها بطون العرب، وكانت القبيلة تشكل وحدة بين أفرادها تقوم على الفخر بالأصل والنسب والإنتماء للجماعة القائمة على مجموعه من الأعراف والتقاليد التي تعارضت مع عقيدة الإسلام في بعض مسالكها فجاء الإسلام وعمد على إدخال الوحدة القبلية في فلك الوحدة الإسلامية فعمد على تهذيبها وتحسين العوائد فيها وسعى لجعل العقيدة هي راية التوحد بين جميع أفراد الهيئه الاجتماعية العربية وليس الأصل والنسب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أحقر عند الله من الجعلان " وهكذا بدأ الإسلام في تقويض القبيلة وإدخالها تحت عبادة الإسلام وتوجيهها في الصالح العام.

 

من خلال الإسلام امتلكت القبيلة و أساسها الفرد القدرة على النظر وتمييز الأشياء وفصلها بفكره المتقد فالإسلام ما لبث أن مد ظلال رايته و أخضع الجميع تحت رياسته فأنتظم نثار البشر وأنشئ مواطن الإلتئام وتجسد ذلك عندما أصلح الرسول بين أوس والخزرج فذاب ما بينهم من صرع ونزاع أستمر ذلك المدى من الزمن الذي لا يعلمه إلا الله وصار بينهم ذلك التلاحم والإلتئام و الإخاء فضل رابط العقيدة الإسلامية التي جاء بها سيد الخلق الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وأزواجة أفضل صلاة وأتم التسليم.

 

وكذلك عندما أخاء بين المهاجرين والأنصار في أعظم مأخاة لم يشهد لها التاريخ مثيل فوضع روابط الدم وكل مقومات التجمع الجاهلي في كفة وحب الله ورسوله في الجهاد في سبيل الله في الكفة الأخرى ورجح بينهما لترسي كفة الله ورسولة فصارت غاية ومبتغى الجميع.

 

كان للعقيدة الإسلامية تأثير إيجابي في فجر الإسلام على شتى مجالات الحياة فعملت على إصلاح السيرة وصلاح السريرة وتبادل الحب والولاء وتراضي البغض والقلاء ومحبة القريب وإجارة الغريب وصلة القريب وزيارة الأسير وجبر الكسير وتعزية الحزين والرفق بالمسكين واعتبار الأعمال و إلتزام الخالق و ترك الخلائق وطلب الصالحات وترك الطالحات وجمعت كلمة القبيلة فدفعت جانبها الجهادي للفتوحات الإسلامية وهذبت جانبها الفكري ليكون إحدى دعائم الوحدة العربية.

 

والقبيلة اذا حسُن التعامل معها تستطيع التعاطي معها حينها تكون قادرا على قولبت توجهها، وهكذا كانت القبيلة في فجر الإسلام هي المحرك الأساسي في بناء الدولة الإسلامية وارتقائها إلى قوة الامبراطوريات.

 

بعد أن تلاقت القبيلة والإسلام في طريق الحق افترقا في عدة مفترقات تاريخية هشمت نقاط التلاحم التي تكونت بجهود الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم لتسير في طريق موازي للإسلام فبعد أن كانت تجتمع على أساس العقيدة صارت تجتمع على أساس الفرد الذي لا حول له ولا قوة , وبعد أن كانت محرك إيجابي في بناء الدولة الإسلامية أصبحت في يومنا هذا أكبر ثقل على عاتق الدولة ويهدد استمراريتها، وخير مثال على ذلك وضع القبيلة في اليمن وتأثيراتها السلبية في طريق بناء دولة قوية تقوم في ظل العقيدة الإسلامية وتحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله محققه لمبادئ الإسلام من عدالة ومساواه و إخاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى