مقالات

القوة والسياسة وخيارات مجتمع متعدد

كاتب وباحث إسلامي
كاتب وباحث إسلامي

بقلم/ أنور قاسم الخضري

 السياسة في المجتمع متعدد الأقطاب تدار من قبل النافذين بمنطق القوة وليس بقوة المنطق. ذلك أن طبيعة السياسة تتعلق بالسلطة والثروة، وزيادة الحصول على كل منهما يؤدي إلى زيادة الحصول على الآخر.

فزيادة السلطة تعني زيادة الثروة وزيادة الثروة يعني زيادة السلطة. وفي حالة التعدد الذي يغلب عليه الاستقطاب يجري التنافس على السلطة والثروة لا التشارك فيها، ومن طبيعة التنافس أن يأوول إلى تنازع وصراع. لذلك فإن من هدي الإسلام أن يوجد المجتمع المتجانس الذي لا تمثل فيه التعددية مرتكزا للاستقطابات؛ تحت أي ذريعة: العرق، القبيلة، المذهب، القبيلة، المنطقة،… إخ. وجميع هذه اللافتات إذا أصبحت محل استقطاب عدت ((جاهلية)) ينبغي نبذها: (دعوها فإنها منتنة)! وعليه يصبح التعدد في المجتمع الإسلامي موضع تنوع وتعايش وتشارك. فتصبح السلطة والثروة ملكا للجميع، لكل فرد وتجمع فيها نصيب. هذه الحالة وجدت في عهد النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم.

وفي آخر عهد الراشدين بدأ التفكك يحدث في المجتمع المسلم: شيعة (علوية) وخوارج ثم نواصب، ثم تعددت المدارس المذهبية والفرق الاعتقادية وجاءت الدعوات الشعوبية؛ وأصبح هناك فرس ومماليك وكرد وبربر وزنج وقبط… إلخ. وانقسم العرب إلى قيسية ويمنية، وعدنانية وقحطانية، إلخ.

وأصبح المجتمع الإسلامي لوحة فسيفسائية مفككة. البعض يريد أن يرفض هذا الواقع رفضا باتا، ويتعامل مع المجتمع باعتباره صنفا واحدا، بصورة مثالية أو رافضة للتسليم. ما قد يدفع هذا الفريق إلى محاربة كل أوجه التعدد من منطلق القضاء عليها!! وهؤلاء يناقضون حركة التاريخ.. فتكوين المجتمعات لا يرجع إلى الخلف بتاتا! فالانقسام الواقع في الأمة أصبح متجذرا في الوعي الجمعي.

ومهما جرى القضاء على فروعه الظاهرة إلا أن بذوره كامنة في الثقافة والوجدان النفسي. لذلك فإن ميزة الدعوات الإصلاحية هي التأكيد على المحكمات والأصول والقواسم المشتركة التي تفرض على التعدد القائم نوعا من الترابط والتماسك كي لا يتطاحن. في ظروف معينة يمكن أن يتم ذلك بالدعوة والكلمة وحركة التعايش.. لكن في ظروف معينة يفرض الواقع استخدام قدر من القوة التي تعيد التوازن للأطراف لكي تعيش حالة التعايش والاشتراك التي تسهل من سيولة المحكمات والأصول والقواسم المشتركة بين جميع الأطراف.

في اليمن معظم المجتمع مسلم عربي، ومع ذلك فإن التعدد أخذ طابع الاستقطاب الحاد لعدة أسباب: – وجود أرضية فكرية تدفع بهذا الاتجاه في معتقداتها وتصوراتها حول الآخر! – وجود الشخصية المتحفزة لمنطق القوة كفلسفة حياة وتعامل! – ندرة الثروة التي كانت تدفع الأطراف للتصارع عليها! – وجود القوى الخارجية المغذية للصراع خلال فترات تاريحية مختلفة! اليوم نحن في اليمن أمام خيارين: إما أن نتجه لمنطق القوة في إدارة مجتمعنا ما سيفرض تطرفا في النتائج، ومزيدا من الارتهان للداعمين الخارجيين، وإما أن نتجه لقوة المنطق في إدارة مجتمعنا على أساس التشارك في السلطة والثروة، على أن يبقى الخلاف العقدي والفقهي والفكري في دائرة الكلمة والحجة والبرهان. خيارات العقلاء صعبة عندما تكون القوة مع سفهاء يرون فيها ملجأ للسيطرة والتغلب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى