مقالات

الكتلة الإسلامية

mil3
أحمد حسن الزيات

 

إن الجامعة الإسلامية هي الغاية المحتومة التي ستتوافى عندها الأُمَم الإسلامية، في يوم قريب أو بعيد؛ ذلك لأنها النظام السياسيُّ الذي وضعه الله بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)؛ ثم شَرع له الحجَّ مؤتمرًا سنويًّا ليَقْوَى، وجعل له الخلافة رباطًا أبديًّا ليبقى، وهذا النظام الإلهيُّ أجدر النُّظُمِ بكرامة الإنسان؛ لأنه يقوم على الإخاء في الرُّوح، والمُساواة في الحق، والتعاون على الخير، فلا يُفَرِّق بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون، ولا بين طبقة وطبقة.

وظَلَّتِ الجامعة الإسلامية في ظلال إمارة المؤمنينَ، وإمارة الحجيج قويَّة شاملة حتى خلافة المتوكّل، ثم وَهَى السِّمْط فانْفَرَط العِقْد، واضطرب اللسان فتَفَرَّقَتِ الكلمة، فلمَّا تبوَّأ التُّرْكُ عرش الخلافة استطاعوا أن يُبْرِمُوا الخيط، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينظموا فيه الحَبَّ؛ فبَقِيَ المسلمون عَبادِيدَ لا يجمعهم نظامٌ ولا تُؤَلِّف بينهم وَحْدة، ثم أدركتِ الشيخوخةُ دولةَ العثمانيينَ في أواخر القرن التاسِعَ عَشَرَ، فتعاوَتْ على جسدها المنحلِّ ذئابُ الغَرْب، فَلَوَّحَ لهم عبد الحميد بالجامعة الإسلامية ذيادًا عن مُلْكِهِ فَهَرُّوا هَريرَ الكلاب المذعورة، وصوَّر لهم هذا الذُّعر أنَّ الجامعة هي التعصُّب وسَفْكُ الدماء، فصدقوا وهْمَهم وكذَّبوا الواقع، وآخر الوكان الاستعمار قد توقَّح وفَجَرَ، فنشأتِ العَصَبِيَّةُ الوطنيةُ في الأقطار الإسلامية؛ لدرءِ خطره أو تخفيف ضرره، والوطنية لا تُعارض الجامعة، ولكنها تفارقها في الطريق؛ لتلاقيها عند الغاية.

إن أوربا التي مزقتها الأطماع، وطَحَنَتْهَا الحروبُ سَتُرَحِّبُ اليومَ بالجامعة الإسلامية؛ لأنها هي وَحْدَهَا التي تملك غَرْس الوِئَام في النفوس، وإقرارَ السلام في العالم؛ إنها تقوم على الإيمان المَحْض، وتنزل في خير مكان من الأرض، وتشمَل مِئَاتِ الملايينِ منَ الناس، وتُهَيْمِن على الموارد الأولى للاقتصاد، وتَدين بالآداب السماوية المُثْلى للاجتِمَاع، وتُشرِق أعمالها في الصفحات العُظْمى منَ التاريخ؛ فمنَ المحال أن تظل نَهْبًا مُقَسَّمًا بين فرنسا الحمقاء، وإنجلترا المتطَفِّلَة، وهولندا الأُنثى!.

أما الشبهات التي تطير هنا وهناك حول الكُتْلة الإسلامية فقد طار أمثالها من قبلُ حول جامعة الدولة العربية؛ لأن (إيدن) أوحى بها، وحول الدولةَ الباكستانيةَ؛ لأن (مونتباتن) سعى لها، ثم جَلاَّ الزمن الشكوك، ومَحَّصَ الوعْيُ الحقائق، فذهب إيدن وبَقِيَتْ جامعةُ العرب، واختفى مونتباتن وسَطَعَتْ دولة الإسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى