المبالغة في جلد المبالغة
مارب الورد
نبالغ في لوم أنفسنا أكثر مما يجب, نجلد ذواتنا بلا رحمة, نؤدي دور الظالم,نفقد الثقة ونتحول ليائسين كأن قدرنا جعلنا هكذا مذنبين دونما ذنب ارتكبناه وإن حدث تعديناه لأبعد من ذلك وذهبنا نحمّل أنفسنا فوق طاقتها.
عندما يتحول كل منا إلى جلاد بحق نفسه وغيره,يمارس وظيفة القاضي الذي يصدر حكماً دون دليل,نعمم فشلنا على غيرنا,نساوي بين الصالح والفاسد لمجرد الهوية المشتركة.
تجد البعض يصب جام غضبه على الشعب في حادثة عابرة أو مشكلة طارئة دون أن يكتفي بتوجيه سهام نقده لمن قام بها باعتباره صاحب المسؤولية لا غيره الذي قد يكون ضحية لفعله المدان.
أينما ذهبت وفي أي نقاش ومع كل مناسبة تسمع عبارات من قبيل أن هذا الشعب لا يستحق حياة أفضل ولن يتطور وهو غير جدير بمكانة تليق بتاريخه الحضاري وغيرها من العبارات التي تلوكها الألسن حتى لكأنك أمام شعب مذنب جاهل لا يستحق الحياة.
لماذا هذا الإسراف في نقد الذات,ولماذا نبالغ في تعميم سلوك شخص أو أكثر على البقية ممن لا علاقة لهم بموضع النقد,هذا إجحاف وتشاؤم غير مقبول ولا يستند لأي دليل فما بالك وأنت تحكم على شعب بجريرة واحدة أو اثنين أو حتى أكثر.
نحن لا ننكر أن هناك تصرفات تسيء لليمن أرضا وإنسانا لكن الصحيح أيضا أن هذه المواقف تحسب على أصحابها ولا تعمم على الآخرين ذلك أن الشخص لا يمثل إلا نفسه وفي أحسن الأحوال أسرته وما يصدر عنه يُسأل عنه بمفرده “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
هناك نقد للذات يصل حد التقليل من قيمتنا وتاريخنا وثقافتنا,لا يعني وجود جهل أن الشعب كله متخلف لمجرد إسقاط مواقف فردية هنا وهناك على إدانتنا كشعب لا يستحق العلم والاهتمام به.
يحاول أحدنا خدمة غيره بعمل ما فيصطدم بموقف خاطئ لأي سبب كان فيعدل عنه أو يتخذ قرارا بعدم تكرار معروفه ولا يكتفي بمنع خيره عمّن أساء إليه من قبل فقط,وإنما يضيف إليه آخرين,لأن “هذا الشعب” وفق التعبير الدارج والشائع لا يستحق.
لقد بلغ جلد ذواتنا حد التحقير والإهانة بقصد وبدون قصد,لا يكف البعض عن توجيه الإساءات لغيره تحت شمّاعة أن هذا الشعب متخلف وكأنه لا ينتمي إليه وإنما هو زائر حكم بما رأى لكنه بالغ في موقفه إن سمعت كلاما جارحا فانتقد قائله ولا تقل إن هذا الشعب غير محترم لمجرد أن فلانا تطاول عليك وكأنه مرسل منه ليقوم بدور مرفوض ومدان من كل عاقل صالح.
لماذا لا نستدعي إلا المواقف السلبية ولا نستحضر المواقف الايجابية أيضا,لماذا لا نستشهد بالنماذج الراقية من المجتمع مثلما نكتفي بإبراز تصرف أحمق لطائش أو شخص غير مسؤول ونتعامل معه كما لو انه شهادة لإدانة الجميع بذنب لم يرتكبوه.
إذا كان ولابد من نقد الظواهر السلبية في المجتمع وهي موجودة ولا أحد ينكرها,فلا يجب أن نستغلها كمبررات لتوجيه الشتائم والسباب واللعنات على غيرنا ونحشر الصالح والطالح في زمرة واحدة ونحولهم إلى متهمين مع أن الأصل من نقد هذه الظواهر سواءً كانت فردية أو جماعية هو تصحيحها وتسليط الضوء عليها لتقويمها للأفضل وحتى لا تتطور أكبر وهكذا نتعامل معها في هذا الإطار دون الذهاب بعيدا إلى حد لعن اليوم الذي وجدنا فيه على هذه البلاد,وبذلك تصبح الأرض هي المذنبة وليس الإنسان.
للأسف البعض يحاكم حتى الجغرافيا والدين والقبيلة لمجرد أن منتسبين لهذه الانتماءات ارتكب جريمة وقام بعمل كبير ألحق ضررا بغيره وهذا إجحاف أن نوصم هذه الانتماءات بكونها مثلا مصدرا لإنتاج المجرمين بسبب قلة معينة لا يمثلون إلا أنفسهم.
حان الوقت لنتوقف عن إصدار الأحكام الجائرة بحق أنفسنا أولا وبحق غيرنا ثانيا وأن نتحرى الإنصاف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وأن نضع الأمور في نصابها الحقيقي وأن لا نتحول إلى متبارين في توزيع التهم والشتائم.
ليكن منهجنا الإنصاف في النقد,ولا نعاقب مجتمعا ونحكم عليه بالتخلف لمجرد سلوكيات سلبية معينة بدلا من لوم أصحابها أو نربط بينها وبين عدم تطورنا وننسى أن ثمة أسبابا أخرى تحول دون نهضتنا.
انتقد نفسك أو غيرك لكن كن منصفا ولا تحكم على غير الخطأ كي لا تعممه على ما سواه وتكبّر الصورة القاتمة على حساب الصورة الجميلة التي تجاهلتها أو نسيتها في غمرة ردة فعلك واندفاعك بسرعة جنونية لا تدرك خطورتها إلا حين تصطدم بجدار الحقيقة وحينها تندم على سرعتك غير المبررة.
الإنصاف قيمة جميلة للحفاظ على توازنا وعدم انزلاقنا إلى حد المبالغة في جلد الذات وهي دليلنا لمراعاة التقييم الموضوعي للحكم على المواقف والتصرفات ووضعها في مكانها الطبيعي دون زيادة أو نقصان.