محلية

اليمن: الانحدار نحو الكارثة الإنسانية (تقرير)

اليمن

الرشاد برس-أمجد خشافة

اتجهت اليمن على نحو متسارع إلى مربعٍ كارثي خطير فيما يتعلق بالوضع الإنساني نتاج سلسلة من الصراعات السياسية ابتداء من سيطرت مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء نهاية سبتمبر 2014م وحتى نهاية 2015م.

وعقب سيطرت المليشيات على العاصمة صنعاء فرضت سلطة أمر واقع مصحوبه بأعمال عنف وصراع مسلح مع بقية القوى السياسية مما أدى إلى تعقيد الوضع وعسكرة المشهد اليمني ودون الاكتفاء على صنعاء حتى توسعت بقوة السلاح إلى سواحل عدن.

وحين فرضت المليشيات واقعا عسكرياً في الداخل دخلت في توتير المنطقة واجبرت دول الخليج على فرض خيار الحرب بزعامة المملكة العربية السعودية والذي نتج عنه توجيه ضربه عسكرية في 28 مارس الماضي تفاقم معها ارتفاع منسوب الفقر ونزوح الملايين من مناطق الصراع، حتى وصف رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن “انطوان غراند” الوضع في اليمن بـ”الكارثي”.

 

ارتفاع منسوب القتل

تفاوتت الاحصائيات في منسوب الضحايا جراء الحرب خلال السنة الماضية، لكن إحصائية رسمية تُشير إلى سقوط نحو 6 آلاف و151 قتيلاً منذ بداية الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي وصالح حتى أكتوبر 2015م.

وبحسب الاحصائية الرسمية والتي قدمها وزير حقوق الإنسان اليمني عزالدين الأصبحي فقد تم توثيق وتسجيل عدد القتلى في عدة مدن تركزت في تعز وعدن ولحج.

وإضافة إلى الضحايا جراء حرب الحوثيين في البلد فقد رصد التقرير الرسمي 14 ألفاً و183 إصابة، و7047 عملية اختطاف أكثرها في أمانة العاصمة وفي مدينة عدن، ووقوع 1200 اعتداء عام، وأكثر من 2780 اعتداء على المؤسسات الخاصة.

 

واتهمت الحكومة اليمنية وفقا لذات التقرير أن مليشيات الحوثي عمدت على قتل المدنيين بشكل مُمنهج عبر مجندين قناصة قتلوا العديد من المدنيين في منازلهم وفي الأسواق كما تجلى ذلك في مدينة تعز، المحاصرة منقلبهم منذ 8 أشهر.

وسَعت المليشيات خلال فترة الحرب إلى زرع الألغام الأرضية التي تستهدف الأفراد، وتسببت الألغام خلال شهر إلى سقوط 145ضحية، وخلال شهر أيضا سقط 25 رجلاً و26 امرأة و12 طفلاً، و8 أشخاص من العاملين بنزع الألغام.(1)

 

وعلى نطاق أشمل أعلن مكتب الأمم المتحدة في اليمن عن سقوط 32.307 شخصاً منذ مارس وحتى 16 اكتوبر الماضي، بينهم 5.604 حالة وفاه بمتوسط 153 إصابة أو حالة وفاة كل يوم.(2)

 

ارتفاع عدد النازحين

شكلت مناطق الصراع المسلح بين القوات الشرعية ومليشيات (الحوثي. صالح)، أكثر المناطق نزوحاً في البلد، إذ يتركز نزوح المواطنين في كلاً من: عدن، ولحج والضالع وتعز حجة، وصعدة وعمران، إضافة إلى نزوح كثير من مدينة تعز جراء الحصار المفروض عليها من قبل المليشيات إلى مدينة إب المجاورة لها.

ورغم أنه لا يوحد إحصائية رسمية لعدد النازحين في الداخل واللاجئين إلى الخارج إلاّ أن الأمم المتحدة رصدت أكثر من 2.3 مليون شخص نازح داخل اليمن حتى شهر أكتوبر 2015م، كما فر خارج البلاد 121.000معضمهم من رعايا دول أفريقيا.

وخلفت ظاهرة النزوح جراء الحرب لا سيما في المناطق الوسطى إلى تدني المستوى الغذائي وارتفاع منسوب الفقر في أوساط المدنيين، إضافة إلى ما كانت تعانيه اليمن قبل وتصنيفها ضمن الدول الأكثر فقرا وتدنيا في مستوى دخل الفرد.

ويعاني النازحون البالغ عددهم أكثر من 2 مليون نازح من فقر في المواد الغذائية وأماكن للمأوى، وهو ما يتطلب جهود دولية للحد من تنامي الوضع الكارثي والحد من الفقر الذي يهدد دول المنطقة ككل.

وبحسب التقديرات الدولية فإن 14.4 مليون شخص في اليمن يعاني من انعدام الأمن الغذائي بما في ذلك 7.6 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد.(3)

 

وخلفت الحرب في اليمن خلال العام المنصرم كوارث إنسانية في عدة مجالات تتمثل في الآتي:

أولا- مشقة المياه وانعدام التغذية:

تعاني اليمن قبل نشوب الحرب من فقر في مجال المياه وتحتل المرتبة السابعة من ببين البلدان في العالم التي تعاني من ندرة المياه، وفي ظل الحرب المستعرة داخليا بالتزامن مع الضربات الجوية فاقمت من عجز الناس عن إيجاد مياه صالحة للشرب.

ويعتمد، حالياً، أغلب المواطنين داخل اليمن على شراء المياه عبر ناقلات، أو ما يسمى داخليا (وايتات الماء)، وجراء ارتفاع المشتقات النفطية ارتفع أجور المياه حتى وصل سعر أربع وحدات من المياه إلى 50 دولار، وهو ما لا يغطي احتياجات الأسرة الواحدة خلال نصف شهر على الأكثر.

وبحسب تقارير دولية فإن 19.3 مليون شخص في اليمن يحتاج إلى مساعدة إنسانية لضمان الحصول على مياه الشرب الصالحة.

وتعتبر مدينة تعز أكبر محافظة منكوبة في اليمن فيما يتعلق بصعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب بفعل الحصار المفروض عليها من قبل مليشيات الحوثي وصالح منذ أكثر من 8 أشهر، حيث يفتقر ما يقدر بنحو 360,000 شخص لإمكانية الحصول على المياه في المدينة.(4)

 

ثانيا- توقف المدارس التعليمية

بفعل الحرب التي تهدد تحركات المدنيين داخل المدن توقف المدارس الحكومية تجنبا للضرر الذي يلحق بالتلاميذ لاسيما في العاصمة صنعاء التي شهدت قصف عنيف على التجمعات العسكرية للحوثيين منذ مارس وحتى نهاية العام المنصرم.

وأعلنت سلطات الحوثيين في صنعاء والذين يتحكمون في وزارة التربية والتعليم وقف الدراسة وتعليقها أكثر من مرة، فيما أصحبت اليمن ضمن ثلاث دول عربية تعيش في منحدر تعليمي وصفته منظمة اليونيسيف بـ”التعليم تحت النار” والذي أصحبت أكثر من8850 مدرسة، في تلك البلدان ومن بينها اليمن، غير صالحة للدراسة بفعل الدمار الذي لحق بها أو تحولها إلى مأوى للنازحين.(5)

 

وفي اليمن بشكل خاص، أصبحت أكثر من 1.100 مدرسة غير صالحة لاستقبال العام الدراسي، ولم يلتحق نحو 1.8مليون طفل بالمدارس منذ بدء النزاع أي ثلث الأطفال ممن هم في سن المدرسة.

ورغم كل هذا الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية إلا أن دولاً من التحالف العربي سعت خلال تحرير المناطق جنوب اليمن إلى إعادة تأهيل المدارس وترميما، إذ عملت دولة الإمارات على إعادة تأهيل 153 مدرسة في مدينة عدن.

ثالثاً-انهيار القطاع الصحي

وفي القطاع الصحي تشهد اليمن انهيار خطير، إذ خرج عن العمل ما يقارب من 600 مرفق صحي كثير من هذه المرافق بسبب الحرب وبعضها أغلق بسبب نقص المواد الطبية اللازمة للعمل.

ومنذ مارس العام المنصرم وحتى أكتوبر تعرضت 69 مرفقا صحياً إلى أضرار جزئية أو كبيرة، واختطاف 27 سيارة إسعاف ومقتل ثمانية عمال في مجال الصحة وإصابة 20 آخرين.(6)

وفي 26 من شهر ديسمبر الماضي أعلنت مستشفى الثورة بتعز إغلاق جميع مرافقها وتعليق استقبالها للحالات المرضية، بفعل فقرها للمواد الطبية بعد أن تعرض للقصف عدة مرات من قبل المليشيات.

ويأتي إغلاق مستشفى الثورة أكبر مرفق صحي في مدينة تعز بعد إعلان منظمات محلية إغلاق 16 مستشفى من أصل 20، نتيجة القصف والحصار الذي تفرضه المليشيات على المدينة.(7)

 

رابعاً-عرقلة دخول المواد الانسانية

حاولت تدول التحالف العربي بزعامة المملكة العربية السعودية التخفيف من حالة الانهيار الإنساني في اليمن من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وإدخالها إلى المناطق التي تفرض عليها مليشيات (الحوثي. صالح) حصار ومن بينها مدينة تعز.

ورغم أن أحد الاتفاقات التي خرجت بها الحكومة الشرعية في مشاورات جنيف في 20 ديسمبر العام المنصرم إدخال المساعدات إلى مدينة تعز المحاصرة إلا أن المليشيات سمحت بدخول مساعدات قدمتها الامم المتحدة إلى المناطق بمحيط المدينة غير المحاصرة والتي تقع تحت قبضتهم.

وأعلنت الأمم المتحدة أن مليشيات (الحوثي. صالح) فارضه حصار خانق على المدينة الأمر الذي عجز عن تقديم مساعدات لأبناء المدين البالغ عددهم 250.000 شخص معزولين عن أي مساعدات إنسانية.

وفي حالة استمرار الحصار على مدينة تعز من قبل المليشيات دون حصولهم على المساعدات الإنسانية فإنه ينذر بأكبر كارثة إنسانية في البلد.

 

خامساً-معاناه إنسانية بعد تحرير المُدن

رغم تحرر العديد من المحافظات جنوب ووسط اليمن من قبضة مسلحي (الحوثي. صالح) إلا أن الحرب تركت دمارا ومأساة إنسانية أنتجها المسلحين لا سيما مع تعاملهم مع الخصوم السياسيين والمدن التي دخلت في مواجه مباشرة مع الحوثيين.

وعاد المواطنون إلى بلدانهم وقراهم بعد تحررها في كلا من مارب والجوف والضالع وعدن ولحج والبيضاء لكن بعد أن دمر الحوثيين المرافق الحكومة وتفجير ونهب منازل بعض المدنيين.

 وبحسب إحصائية لمركز الثورة اليمنية فقد اقتحم الحوثيون ونهبوا 585 مبنى من بينها 282 منزلا و 130 مؤسسة حكومية وحزبية ومساجد ومقرات لمنظمات مجتمع مدني وسكنات طلابية، وأحالوها ثكنات عسكرية وتمركزوا فيه، فيما دمر مسلحو الحوثي 68 مشروعا خدميا من آبار مياه وأبراج كهرباء في محافظتي صنعاء والضالع.

أصبحت آلاف الأسر التي عادت إلى بلداتها تعيش ظروف قاسية بعد فقدها للممتلكات، وما يزيد من معناة تلك الأسر شحة المدخول اليومي إذ تعتمد أغلب الأسر على الدخل اليومي عن طريق العمل الحرفي اليدوي وهو ما قضت عليه الحرب وتوقفت الأعمال وشلت الحركة التجارية في البلد، الأمر الذي لا يجد عموم المواطنين فرقا بين ما قبل وأثناء الحرب وما بعد تحرير مناطقهم.

 

استمرار الحرب تبقي على الكارثة

على قدر المساعدات الإنسانية التي قدمتها دول التحالف منها ما يصل مباشرة ومنها عن طريق برامج الأمم المتحدة إلا أن استمرار الحرب تُجذر من الكارثة الإنسانية فالمساعدات لا تصل إلى جميع المحتاجين والمتضررين في الداخل.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 25 مليون تدور داخله حرباً مفتوحة يكون من الصعب أن تصل المساعدات للمتضررين بفعل استمرار الحرب وعدم قدرة المنظمات الدولية الوصول إلى للمحتاجين والنازحين على الرغم من دعوة الأمم المتحدة أكثر من مرة إلى هدنة إنسانية لإيصال المساعدات إلا أنها تنتهي بالفشل.

وبقى انفراج للوضع الإنسان في اليمن مرهون بالحل السياسي الذي سيضع حدا للحرب الطاحنة على مدار السنة الماضية والأيام القادمة وهو ما تتحمله دول المنطقة والمجتمع الدولي مسؤولية الدفع بالحل السياسي في بلد أصبحت فيه الكارثة الانسانية تنبعث في كل منطقة.  

…. 

نقلا عن مجلة البيان السعودية

…………………………………………….

(1) وكالة الأنباء الرسمية سبأ،  http://www.sabanew.net/viewstory.php?id=2845

(2) تقرير صادر عن الأمم المتحدة.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السباق.

(5) تقرير صادر عن اليونيسيف: http://www.un.org/arabic/news/story.asp?newsID=24406#.VoFfvfkrLIU

(6) تقرير صادر عن الأمم المتحدة.

(7) للمزيد من التفاصيل: http://alkhaleejonline.net/articles/1449209242101478100/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B9%D8%B2/

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى