تقارير ومقابلات

بعد الربيع العربي .. زعامة الشرق الأوسط.. لمن؟

رجب طيب أردوغان

الرشاد برس – ستيفن كوك – ترجمة / الإسلام اليوم

أصبحت القيادة في الشرق الأوسط تنتظر من يمسك بزمامها مع زيادة حِدَّة الحرب السورية وتغيير الربيع العربي لديناميكيات القوة الإقليمية, فقد كان للانتفاضات والثورات والحروب المدنية التي غيّرت وجه السياسات المحلية في العالم العربي وقعٌ هائل على موازين القوى الإقليمية- بما فيها إيران.

وبرغم أنَّ تولي مقاليد الزعامة في الشرق الأوسط قد أصبح متاحًا للجميع، لم يظهر بعد من هي الدولة أو الدول التي ستبادر إلى فعل ذلك، فالمسألة غامضة ومعقدة كما نشاهد في الجهود المبذولة لبناء أنظمة سياسية حديثة في مصر وليبيا وتونس وغيرها.

في المنطقة, تستطيع الدول ذات المكانة المالية والدبلوماسية والعسكرية المرموقة أن توجه الأحداث في الشرق الأوسط نحو الأفضل وليس الأسوأ, فقد صاغت القيادة في مصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، في عهد عبد الناصر، شكل السياسة الإقليمية ليدور حول أساطير القومية العربية، مما أدَّى إلى الاقتتال العربي الداخلي, أما الربيع العربي فيتيح الفرصة لقوة أو مجموعة قوى كي تفتح صفحة جديدة من السلام والنماء وربما الديمقراطية.

في ربيع عام 2011، ظن بعض المراقبين أنَّ تركيا كانت أنموذجًا يمكن لدول الربيع العربي أن تحتذي به, حيث إنَّ أنقرة في جعبتها الكثير لتقدمه, فهي تنعم بنظام ديمقراطي أقوى من أي دولة في المنطقة وتفخر بأن اقتصادها يأتي في المرتبة السادسة عشر ضمن أقوى الاقتصاديات في العالم.

بيد أنَّ شعبية تركيا، برغم أنَّها لا تزال قوية، أخذت تتراجع, حيث أشار استطلاع رأي حديث، إلى وجود تضارب مقلق في آراء الشارع العربي تجاه الدور الإقليمي لتركيا, فقد أبدى 69 % من المشاركين انطباعًا إيجابيًا حول تركيا في 16 دولة أجري فيها الاستطلاع, غير أنَّ عدد العرب الذي يتطلعون إلى تركيا كنموذج انخفض إلى ما يزيد عن النصف بقليل مقارنة بالعام الذي سبق, ومن الناحية النظرية، تعتبر هذه النتائج جيدة, لكنها تمثل تراجعًا بمقدار 8 إلى 9 نقاط مئوية في سنة واحدة فقط, وهذا مؤشر خطير.

قبل اندلاع الثورات, ارتكز الدور البارز الذي لعبته أنقرة في منطقة الشرق الأوسط على أسس عدة، منها قدرتها على أن تؤدّي مهمة الوساطة المحايدة وأن تحلّ المشكلات العالقة, إلا أنَّ هذا تبدّد وسط الدوامة السورية وتعقيدات التحولات العربية.

لكن إن لم تكن تركيا هي القوة الإقليمية في الشرق الأوسط، فمن؟ كل واحدة من الدول المنافسة الأخرى- السعودية وقطر ومصر وإيران- لديها عيوبها الخاصة التي تتضمن الافتقار إلى القوة الحقيقية والإمكانات بحيث يصعب عليها ترسيخ مكانتها كقائد للمنطقة دون منازع.

كما سيكون من الصعب تشكيل تحالف من الدول كي تُمسك بزمام القيادة نظرًا لتضارب المصالح والخصومة الإقليمية, كما أنَّه من غير المحتمل أن يستسلم العرب للقيادة التركية حتى وإن كانت على هيئة شراكة مع الدول العربية, وبدون وجود قائد واضح، ستظل بلدان المنطقة تراوغ بعضها البعض لنيل أفضلية أو نفوذ أينما أمكنها ذلك حتى يحدث تغير دبلوماسي أو جغرافي ما.

في نهاية المطاف, يميل المراقبون يميلون إلى الخلط بين قوة تركيا الناعمة والقدرة على تشكيل ملامح الحياة السياسة في المنطقة, فملصقات أردوغان في مخيمات صابرَا وشاتيلا تمثل شاهدًا على موقف الزعيم التركي من القضية الفلسطينية، غير أنَّ هذه الشعبية على مستوى القاعدة لا يمكن أن تخفي فشل الجهود التركية في تهدئة بؤر ساخنة، مثل ليبيا وسوريا وغزة، كما فشل في فرض نهاية للحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.

ليس بخافٍ على أحد أنَّ الاهتمام الدبلوماسي المفاجئ بغزة له علاقة أكثر بقادة يسعون إلى تلميع صورهم كزعماء إقليميين محتملين, فالانتفاضات والثورات والحروب الأهلية التي غيرت الحياة السياسية في العالم العربي بشكل دراماتيكي كان لها تأثير عميق على موازين القوة الإقليمية, ويمكن القول إنَّ الشرق الأوسط بات محل تنافس الجميع، غير أنَّ البلد أو البلدان التي ستتزعمه لا تقل غموضًا وتعقيدًا عن الجهود الحالية الرامية لبناء أنظمة سياسية جديدة في مصر وليبيا وتونس وغيرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى