ترويض اتفاقية تسعى لشق المجتمع اليمني
ركزت هؤلاء النسوة على كون الاتفاقية تهتم بالمساواة بين المرأة والرجل باعتبارهما شركاء التنمية في جميع شواهد متطلبات الحياة، دون أن يتطرقن إلى كون المرأة لها خصوصيتها وطبيعتها الخاصة التي لا تتيح لها تولي بعض الوظائف في مؤسسات الدولة المختلفة، وهو الأمر الذي لا زالت الدول الغربية تتحسب لهذا الظرف…
لا شك بأن كلاهما- الرجل والمرأة- شركاء في التنمية ولكن بشكل تكاملي وليس تنافسي، فنحن المسلمين لا نحتاج إلى قوانين وضعية لإعطاء المرأة مكانتها، فالإسلام أعطى للمرأة القدر والمكانة التي لم تعط لها من قبل التشريعات والقوانين الوضعية السابقة واللاحقة، إذ أن المخزي في الموضوع تسابق هؤلاء النسوة باختلاف توجهاتهن الأيديولوجية للترويج لمصطلح (النوع الاجتماعي) كما أسمينه في الحلقة ممثلات صورة مصغرة للهث بعض الأحزاب المدنية تبني فكرة (النوع الإجتماعي) محاباةً للغرب لا غير، وليس بحثاً عن حقوق إضافية للمرأة، دون أن يوضحن التداعيات التي ستنتج عن إقرار مثل هذه الاتفاقية والتي من شأنها تدمير الأسس الأخلاقية لمجتمعنا.
إن من يتصدر في واجهة الدفاع في اليمن عن اتفاقية (سيداو) يسعى لإفساد الأرض، وتقسيم المجتمع اليمني وتشظي نواة كل أسرة، مستغلاً حماس المنتفعين من فتات موائد الغرب وأموالهم، إذ تعتبر هذه الاتفاقية مقدمة لجر المجتمع اليمني إلى اتفاقيات أخرى، فقد بدا واضحا ما تقدمت به منظمة العفو الدولة مطلع 2013م من تقرير شنت فيه هجوما على الحكومة اليمنية ودعة في تقريرها التزام اليمن بالحرية الشخصية للفرد وإتاحة الفرصة للمثليين في اليمن وممارسة حياتهم دون تضييق.
إذن هي صورة كالحة يظهرا الغرب عبر تلك المنظمات حنقا على المجتمع اليمني الذي لا يزال في نظرهم محافظ ويحكمه الدين، وهو ما يجعلها تمتعض من هذه البيئة المحافظة والسعي باستماتة في مسخها حتى يكون المجتمع اليمني كالقطيع يجر بعصا المجتمع الدولي والذي يقف على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وبهذا تكون هذه الدولة المستفيدة من المسخ قد أعادة صورة أخرى للاستعمار تحت مسميات براقة كحقوق المرأة، بعد أن عرفت أن مسخ هوية المجتمع، وتمييع هويته، وتفسخه في القيم، هو الأسهل من السلاح والجيوش في إنصياعهم لإرادة القوى الإمبريالية ممثلة بأمريكا وحفائها من الدول الأوربية.
وعلى الرغم أن الاتفاقية احتوت نقاطا قليلة إيجابية وخاصة في مجال حقوق المرأة وقت الولادة من ناحية الصحة والراحة، وحق المرأة في التعليم، ومحاربة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة، وبعض المسائل أخرى…، إلا أن تلك النقاط الإيجابية تغرق في بحر النقاط السلبية التي تتضمنها الاتفاقية، غير أن هناك جملة أسباب حقيقة تدعو إلى رفض هذه الاتفاقية وأولها:
أن الاتفاقية تشكل حالة تمرد على الخالق عز وجل، من خلال التنكر على الطبيعة السوية للإنسان، عندما نص بندها السادس عشر على فصل الدور عن الجنس، وعلى التساوي المطلق والتماثل التام بين الرجل والمرأة، وعدم إلصاق الأمومة ورعاية الأسرة بالمرأة. فالمادة (ب/ 5) من الاتفاقية تنص على أن الأمومة وظيفة اجتماعية. أما المادة (5/أ) فتنص على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف القضاء على الأدوار النمطية. كذلك فان الاتفاقية تلغي ولاية الأب على أبنته، وتسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، و تعتبر أي فوارق بين الرجل والمرأة تميزاً وعنفاً ضد المرأة.
ومثلما أن الاتفاقية حالة تمرد على الخالق. فإنها تمثل حالة تمرد على مجمل عقائدنا، وعلى استقرارنا الاجتماعي، وتشكل خطراً جسيماً على الأسرة اليمنية، وتهدد مجتمعنا بالمزيد من التشرذم خاصة عندما تعطي المرأة حرية السكن، ولا نعني هنا اشتراط السكن عند عقد القران، ولكنها حرية مطلقة للمرأة. دون إذن أبيها أو أخيها، أو زوجها.
كما أن الاتفاقية تسمح بإقامة علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج الشرعي، فالمادة المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية تتضمن طلب المساواة بين الرجل والمرأة في الاستحقاقات الأسرية المالية وغيرها، ومن ذلك المساواة في الميراث، فيكون على أساس هذه المادة تتساوى نسبة الميراث للأبناء والبنات من مال آبائهن، ويتماثل نصيب الزوجة من مال زوجها مع نصيبه الموروث من مالها إن ماتت قبله، وتضمنت المادة الثانية عشرة طلب توفير الخدمات الصحية الكاملة للمرأة وبدون تمييز، ومن ذلك توفير موانع الحمل للمرأة بغض النظر عن كونها متزوجة أو غير متزوجة، فهو شكل من أشكال التمييز المرفوض بحسب الاتفاقية، وفي هذا إشاعة للفاحشة وتسهيل لها، وهي لا تعتبر فاحشة أصلا في المفاهيم الغربية والعلمانية المنحرفة، كما تضمنت المادتين العاشرة والحادية عشرة من الاتفاقية المساواة المطلقة في التعليم ومناهجه بما فيها الرياضية والفنية، والقضاء على أشكال التمييز في فصل الطالبات عن الطلاب في المدراس.
ولا تكتفي اتفاقية سيداو بان تفرض على المجتمع التحلل من منظومته القيمية وتعديل تشريعاته لخدمة أهدافها، بل أنها تريد إلغاء وتحجير المجتمع من إبداء الرأي حول الاتفاقية، حينما نصّت أنه لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية وغرضها، بالاضافة إلى أن اتفاقية سيداو تفرض على هذه الدول تقديم تقارير دورية عن مدى تطبيق الاتفاقية، كما أنها تفرض بشكل إلزامي على هذه الدول تعديل تشريعاتها لخدمة أهداف هذه الاتفاقيات، التي تربط المنح والمساعدات للدول الفقيرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات، وكلها ممارسات تصب في خانة الانتقاص من سيادة الدول.
في الأخير نذكر أن المجتمع اليمني مجتمع عربي مسلم محافظ على القيم والمبادئ على مدى تاريخه السياسي والاجتماعي والثقافي، ولا مجال أن يبقى استقرارنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي رهين قلة من النساء والرجال الذين يلتفون حول مائدة من فتات الغرب ومنظماتهم المدنية، تنكروا لقيم الأمة وأعرافها، وانقلبوا على تقاليدها من خلال ترويض اتفاقية تسعى في نهايتها إلى شق المجتمع وتقويض بنية ونواة الأسرة اليمنية.