تعز وإب ثنائية النصر والخسارة
أمجد خشافة
لم تعد هناك قضية بارزة في اليمن مثلما تمثله قضية تعز بجانبها الإنساني والكفاح المسلح، وباتت أشبه بقضية فلسطين، الكل يصرخ ويندد بالجرائم لكن خُطط ما وراء الكواليس تطفح بالانتهازية الفجة.
ولم تقف، وبشكل عملي، لكسر تلك الصورة المأساوية سوى “مسيرة الماء” التي انطلقت من مدينة إب، لكن المليشيات قيدت أفراد المسيرة قبل انطلاقها بطريقة يخيل لنا لو أنهم يستطيعون اعتقال هواء أهالي تعز لفعلوا.
هذا التلازم بين إب وتعز قبل أن يكون إنسانياً، فإن عامل التلاصق الجغرافي والتداخل المجتمعي يجعل المدينتين ثنائية في أي مصير لهما على المستوى انتصار المقاومة أو خسارتها، إذ أن أبرز قيادات المقاومة الشعبية في إب كان لها تنسيق مباشر مع قيادات مقاومة تعز قبل انطلاقها.
فحين أعلنت المقاومة في تعز انتصارهم على المليشيات في قبل شهرين ظهرت المقاومة في إب بشكل فاجأت الجميع ودحرت المليشيات من جميع مديرياتها، وأحاطت بالمدينة من جميع الاتجاهات احاطة الإسور بالمعصم، حتى كان أحد الوسطاء في تلك اللحظة يقول لي أثناء تواصلي معه “أن البند الوحيد، والأقوى، والمطروح، هو تمكين الحوثيين فرصة للخروج من المدينة، ولكن فقط إعطائهم مهلة لا تتجاوز ثلاثة أيام للمغادرة.
هذا الانهيار في صفوف الحوثيين في إب لم يكن سوى انعكاس للضربة التي قصمتهم في تعز، وما إن استعادت قوات الحوثي وصالح الأنفاس، واكتفاء الحكومة والتحالف النظر عن بُعد؛ عادت للضغط على المقاومة في المدينتين ولكن من يدها الأضعف حين قصفت قوات الحوثي وصالح بشكل عشوائي وجنوني المدنيين مما أجربهم على الانكفاء والتراجع كما في إب.
بعد مرور أسابيع من المأساة التي تأتي من تعز، قال الرئيس هادي مطمئنا الجميع: إن تعز بوابة النصر لتطهير بقية المحافظات اليمنية من يد المليشيات، وأعقب هذا التطمين الإنشائي تباشير رئيس الحكومة خالد بحاح بقولة إن تعز لديها الأولوية الآن، وخطة تحريرها جاهزة.
هل لهذا التحرك له علاقة، وبشكل أساسي، بما يَحدث من مجازر وحصار في تعز؟ لا، ولو كان كذلك لكانت تحرير تعز من أولويات التحالف والحكومة منذ البداية، ولما انتظروا حتى تفاقهم الوضع إلى حالة إنسانية كارثية أشبه بما فعله الحوثيين في دماج من حصار دام أكثر من مئة يوم.
ربما ضغوط القوى السياسية وقيادات الأحزاب في الرياض على الحكومة هي الأبرز في دفع أي حسم عسكري في تعز، وهو ما ظهر في مواقف حزب الاصلاح وحزب الرشاد وبقية الأحزاب، إعلامياً، واعتبار أن النصر في تعز أصبح وشيكاً.
ففي أكثر من مرة، خلال اليومين الماضيين قال أمين عام حزب الرشاد ورئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح إن النصر والفرج عن مدينة تعز بات قريباً.
وبعيداً عن جِديَّة الحكومة وإعلانها عن تحرير تعز “بوابة النصر لبقية المحافظات” فإنها تبقى هامشية ما لم يكن ذلك في حسبان التحالف، وفي أولوياته العسكرية، فهل ينظر التحالف لتحرير تعز نفس أماني القوى السياسية؟
ينظر التحالف لتحرير تعز من بُعدين أساسيين وهما عسكري وسياسي:
عسكريا، ربما هناك كلام أكثر من مقنع في حالته الظاهرة، باعتبار أن مدينة تعز تعُج بالسكان، والخسارة البشرية في المدنيين ستكون أكثر من الانتصار على المليشيات، إذ يقول أكثر من مرة، أحمد عسيري أن تعز يتواجد فيها قوات الحوثي وصالح وازدحام السكان فيها يُعيق أي عملية عسكرية، وستكون الخسارة في صفوف المدنيين أكثر مأساوية من أي انتصار على مسلحي الحوثي وصالح.
هذا المُنطلق الأخلاقي العسكري لحالة الصراع في تعز، وإمكانية تحريرها؛ يُعزز مَنطِق التلكؤ الذي تظهره قوات التحالف، لكن ما لا يمكن فهمه عدم دعمهم للمقاومة بالأسلحة النوعية المتطورة بشكل مزدوج مع مقاومة إب البوابة الشمالية لتعز.
شباب مقاومة إب، نفسها، يتدربون في معسكرات بمحافظة الضالع لكنهم غير قادرين على تأمين أسرهم مادياً، بينما البنك المركزي وما يخزنه مفتوح للحوثيين في جبهات القتال.
اعتبار عسكري آخر، وهو أن قوات التحالف خطتها الآن هو تأمين مأرب وتحرير ما تبقى من منطقة صرواح من مليشيات، وكذلك بيحان في شبوة، والأهم من ذلك كله تحرير محافظة الجوف الواقعة على شريط حدودي واسع بين اليمن والسعودية.
وعلى الرغم من هذه الاعتبارات العسكرية إلا أن الأصل في عمليات التحالف لم تأتي للسيطرة على الأرض بقدر ما تكون مهمتها حماية إنسانية اليمنيين وانقاذهم من كماشة القتل على يد المليشيات والحرب وما خلفته من إفقار.
وفيما يتعلق بالنظرة السياسية فإن دعم المقاومة والانتصار في تعز سيأخذ طابع رمزي جيوسياسي أكثر منه مكسب عسكري، وهذا ما يدركه التحالف، وبنفس الوقت يُبدي توجس غير ظاهر باعتبار أن تعز وإب ذات عمق ثقافي وسياسي، وتتصدر مقاومة ممن هي محسوبة على الحزب الذي لا يزال كبار دولة الإمارات يهاجمونه، وهو حزب الاصلاح.
وأياً تكن اعتبارات التحالف والحكومة في قضية تعز وإب فإن استمرار وضعهما في حالة “عدم الانتصار وعدم الخسارة” بنفس الوقت، يكسب تذمر لدى المقاومة تجاه الحكومة، مما تستغله الجماعات الجهادية للضرب على هذا الوتر وتصدُرها للمشهد، أو تكوين نواة مقاتلين من الشباب المتحمسين، على أقل تقدير.
لكن ستكون هناك مشكلة حين يكون لدى قوات التحالف والحكومة اعتبار سياسي آخر، حين يكون أي حسم عسكري، في الوقت الراهن، هو للضغط نحو مشاورات سلام قادمة، ولذلك سَتـبقى ما بقي من مناطق غير محررة مجرد أوراق ضغط عسكرية لمكاسب سياسية على طاولة الحوار، فهل ستكون تعز وإب ضمن هذه الأوراق؟ هذا ما ستكشفه الاحداث ما قبل المشاورات القادمة.
يمن مونيتور