مقالات

المحافظة على الثوابت في أزمنة الحروب والأزمات…

بقلم /عمار بن ناشر العريقي
………………………………………………………………………………
– حين استحكام الفتن والأزمات واستحرار لهيب الحروب والثورات، تبتلى الشعوب – عادة – بجملة كوارث ومعاناة، من أبرز أسبابها ضعف أو غياب الدولة، وبالتالي ضعف سلطان الشرع والأخلاق وهيبة النظام والقانون والخدمات والمؤسسات.
ولذا فقد ثبت عن بعض السلف قولهم:(حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم)وقولهم: (إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن).
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولاسراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لايبتني إلا له عمد
ولاعماد إذا لم ترس أوتادُ
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
وإن توالت فبالأشرار تنقادُ.
ومن لوازم وتوابع ذلك أن تنتشر حالة الفوضى والفقر والقتل والفرقة والخوف وتصير الكلمة للسلاح تعبث به أيدي الخارجين عن القانون من المليشيات.
وحين الفتن والأزمات تلتبس الأمور وتختلط الحقائق بالظنون وتذهل العقول وتتقلب المواقف و القلوب ، ولاعجب فقد صح وصف الفتن في الأحاديث: ( تموج كموج البحر) (كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيران)؛ وذلك لما يغلب على كثير من الناس من حال الغفلة عن الله تعالى وعن الآخرة، (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وكذا طغيان شهوات الأنانية والطمع و الحرص على المصالح الشخصية من مناصب وأموال ،وفي صحيح الترمذي للألباني :(لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).
وقد بين تعالى أن علة الفتن تكمن بما عبر عنه القرآن ب(البغي):(وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) ،ومن معاني البغي: الحسد والظلم والعدوان وحب الصدارة و الرئاسة
حب الرئاسة أطغى من على الأرض
حتى بغى بعضهم على بعض.
ولايخفى دور الإعلام المشبوه في تشويه أهل الفضل و الحقائق والتلاعب بالمفاهيم وإثارة الشهوات والشبهات (الأفكار المنحرفة)حتى تتغير المفاهيم والمواقف والموازين والتحالفات والولاءات بحسب المصالح الشخصية والحزبية لا المبادئ والقيم الأخلاقية والوطنية. وهو معنى ما جاء في الحديث من وصفه صلى الله عليه وسلم حال المفتونين من الناس بقوله :(يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ،ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا).
” يقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنا ماليس بالحسن”.
وحين الفتن والازمات تتسيد لدى البغاة القاعدة الميكافيلية الشيطانية (الغاية تبرر الوسيلة)، مما تعني انه في سبيل الغايات التي تنشدها بعض الدول أو المجموعات يمكن تبرير كل التجاوزات الأخلاقية، فإذا سدنة الديمقراطيات ودعاة الحقوق والحريات ينقلبون على المبادئ والثوابت، وإذا هم أول وأشنع من ينتهكون الحقوق العامة والكرامة الإنسانية والحريات الشرعية، فيشيعون لأغراض سياسية وبأساليب ماكرة خفية ثقافات عدوانية جاهلية (العنف والاستبداد و الحقد والكراهية والإقصاء والعصبيات الطائفية والحزبية والقبلية والمناطقية ..)،بل ربما تنكر وتنكب بعض الثوار طريقهم فيخضعون من حيث يشعرون او لايشعرون لإملاءات شهواتهم وشبهاتهم وتموت ضمائرهم فينقلبون على شعاراتهم وأصل شرعيتهم و يعملون كأدوات لأعداء مشروعهم ، وينقلب دعاة القومية والوطنية على مصالح الشعب وسيادة واستقلال الوطن والأمة وينقلب الثوار على مقاصد الثورة ويتنازلون عن حقوق الشعب في السيادة والاستقلال و الأرض و الثروة.
وفي مثل هذه الأجواء المخيفة يتخوف الكثير من العقلاء عن مصادمة ضغط الواقع فيؤثرون العزلة والانطواء والبقاء في مربع السلامة؛ خشية أن يسبحوا ضد التيار (انج سعد فقد هلك سعيد)، بل ربما جارى بعضهم المصالح فيصيرون أتباعا لامتبوعين؛ بذريعة أنه مقتضى الحنكة والحكمة والسياسة.
وماأنا إلا من غزية إن غزت
غزيت ،وإن ترشد غزية أرشد.
فما تلبث حتى تستحكم الأهداف اللئيمة للسياسة اللا أخلاقية وتأخذ موقعها في وجدان وعقول الكثير من الناس كسلوك وثقافة راسخة حتى لايجرؤ أحد على المساس بها؛ كون الشهوات والشبهات لبست لباس الثوابت المحكمات بل صارت الثوابت خيانة ..محكوم على دعاتها بالتشويه والإقصاء و التنكيل.
واجبنا نحو الفتن:
– المدافعة للفتن بأداء واجب التعليم والمناصحة والمصالحةوالبيان( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) ؛نصحا للمجتمع والأمة وإبراء للذمة و منعا من استفحال الأضرار والأخطار {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}،وصح عند مسلم:(الدين النصيحة …).
كما وقد أمر الله تعالى المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب كما قال ابن عباس في قوله سبحانه:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً) ، والمعنى أن الله تعالى يعم بعقوبته العامة بذنب الخاصة إذا هم رأوا المنكر فلم ينكروا وهم قادرون على إنكاره.
التربية الإيمانية والأخلاقية والتوعية الفكرية والسياسية؛ ضرورة للمحافظة والثبات على القيم والمبادئ في مثل هذه الظروف الحرجة.
ومن أبرز هذه الثوابت :
# اعتبار مرجعية الشرع وفهوم أهل العلم والمختصين كل في فنه وبابه واحترام هيبة الدولة ومؤسساتها والحقوق والحريات والمحافظة على الامن الداخلي والسلم والنسيج الاجتماعي وبيان أصل عصمة الدماء والأموال والأعراض(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)رواه مسلم.
# لزوم وحدة المرجعية والقيادة ،وهو المعبر عنه كما في الصحيح في حديث المخرج من الفتنة :(تلزم جماعةالمسلمين وإمامهم)؛فهي (جماعة) لا جماعات ،و(إمام) لا أئمة ؛منعا من التفرق والتنازع والخوض في الفتنة والدماء.
# الانطلاق عن مكارم الأخلاق بإشاعة مفاهيم الرحمة والتعاون و التعايش و لغة الحوار وأدب الخلاف واحترام حرية الرأي والتفكير والتعبير في ظل الثوابت ؛تداركا قبل أن تغرق سفينة الأمن والأمة ويبتلعها الطوفان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى