جثة شاب رماها مسلحون في سائلة جوار منزله بدون أنف أو أذن وعظام مهشمة و100 طعنة..جريمة بشعة لا تحدث في الجوف
الرشاد برس-صنعاء
في الثامن من شهر يونيو الجاري، صُدم أبناء مديرية الغيل بمحافظة الجوف، إذ تفاجئوا بجثة ملقاة في السائلة المجاورة لمساكنهم، وقد جدعت أنف صاحبها، وقطعت أذنه، وكسرت عظامه، وتوزعت في أنحاء مختلفة من جسمه قرابة 100 طعنة.
لقد تفنن المجرمون بالتمثيل بضحيتهم. وهم على الأرجح قاموا بذلك لإفزاع الآخرين.
حين تفحصوا تلك الجثة، لم ينتظر جيرانه كثيرا ليصرخوا مشدوهين ومصدومين: إنه هو، «مسعود عبدالله القهدة»، جارهم، الشاب الخلوق ذو الـ30 عاما.
كان القهدة، وهو وحيد أمه، قد اختفى ليلة كاملة، بعد أن أخذه مسلحون من منزله، تصر أسرته على أنهم مسلحون «حوثيون». وبعد ساعات قليلة من شروق شمس اليوم التالي لم يظهر «مسعود» كما كان يظهر دائما، بل ظهر ما تبقى منه: جثته المرمية هناك في السائلة المجاورة لمنزله، على ذلك النحو اللاإنساني البشع.
لم يكن ما سبق سوى ملخص لمأساة «مسعود»، أما تفاصيل القصة فتقول:
في تمام الساعة الثامنة من مساء السبت 7 يونيو، وبينما كان الشاب «مسعود القهدة» يتناول عشاءه مع أمه، إذا بسيارة على متنها ثلاثة مسلحين، تتوقف جوار منزله. أخبروه أنهم يريدون منه خدمه، حينها ركب مسعود معهم.
لم يكن الشاب المسكين، الذي أشتهر بضعفه في المديرية، يعلم أن تلك الخدمة هي روحه، وخاتمته المؤلمة، وإلا لكان ودع أمه وقبّل رأسها وقدميها، وربما ذرف دمعاته الأخيرة على حضنها، وشيع بنظرات توديع أخيرة ذلك المنزل الصغير والبسيط الذي لن يعود إليه مجددا كما كان يفعل دائما.
وطبقا لرسالة رفعتها اسرته إلى شبكة الجوف لحقوق الإنسان، وحصل «المصدر أونلاين» على نسخة منها، كان المسلحون الثلاثة «من أهم قيادات الحوثي في الغيل» هكذا تصفهم الرسالة، التي ذكرت أسماءهم كاملة. لكننا هنا، وبحسب ما تقتضيه المهنية الصحفية في مثل هكذا جرائم ومتهمين، تجنبا للتشهير بهم قبل أن تثبت إدانتهم رسميا، لا يسعنا إلا أن نرمز للمتهمين بالحروف الأولى، على النحو التالي: المتهمين الرئيسيين هما (أ. م. أ. ن.)؛ والثاني هو (أ. ع. ي. ن)، بينما تضاربت التأكيدات حول الشخص الثالث، ما بين أن يكون (ش. ح. ص. د)، أم (ز. ن. م. أ.).
اقتاد المسلحون الثلاثة “مسعود” معهم إلى مكان مجهول «ثم باشروا الاعتداء عليه طعنا بالجنابي في كافة أنحاء جسمه»، تقول الرسالة، مقدرة عدد الطعنات التي تعرض لها بـ”100 طعنه”. “كما قاموا أيضا بتكسير ذراعه (8 كسور) والتمثيل بوجهه وقطع أنفه”. أضافت الرسالة.
بعد تلقيها تلك الرسالة من أسرة الضحية، أدانت شبكة الجوف لحقوق الإنسان ما وصفته بـ «الاعتداء الجبان الذي استهدف المواطن (مسعود عبدالله القهده) من أبناء مديرية الغيل». ضمن بيان أصدرته الشبكة في 10 يونيو، أي بعد يومين من الجريمة.
قال بيان الشبكة إن «مجموعة مسلحة قامت باقتياده إلى مكان مجهول وانهالوا عليه ضرباً بأعقاب البنادق والسلاح الأبيض وتفننوا في تكسير عظامه وتجديع أنفه وأذنه وتعذيبه حتى فارق الحياة».
بعد أن انتهى المجرمون من إزهاق روح الشاب البريء؛ وبعد أن مثلوا بجثته، قاموا متكرمين «بإعادته قتيلاً وإلقائه بسائله تبعد عن بيته بخطوات»، توضح رسالة الأسرة إلى الشبكة، وتضيف أيضا: «وقد وجد جيرانه جثته ملقاة في صباح اليوم التالي».
واليوم التالي، كان خبر مقتل الشاب “مسعود عبدالله القهدة”، من مديرية الغيل بمحافظة الجوف، بعيدا عن متناول الصحافة، إلا من خبر تقليدي باهت تكرمت به قلة قليلة من وسائل الإعلام، بدون تلك التفاصيل البشعة والمؤلمة.
لم تنته القضية، لكنها – وبأسف شديد – تكاد تغلق وتقيد ضد مجهولين. ذلك أن القتلة المجرمين تخلوا عن كونهم أبطالا في المنطقة، ولم يكونوا على قدر – ولو بسيط جدا – من تلك الشجاعة التي تملكتهم ليلة أن غدروا بشاب أعزل، وغرزوا – في ليلة مظلمة كقلوبهم – خناجرهم المسمومة في أنحاء متفرقة من جسد شاب غظ، لم يعرف عنه سوى هدوئه وضعفه.
تؤكد أسرته في رسالتها أن المتهمين مازالوا حتى اللحظة، ينكرون جريمتهم النكراء تلك.
لم تكن مأساة الأسرة بفقدها عائلها الوحيد، هي الجريمة الوحيدة التي صدمتهم، بل أكثر منها كان ذلك التساهل الذي ظهرت عليه السلطات المحلية والقضائية، أمام ذلك الإنكار الجبان.
لذلك، لم يكن أمام هذه الأسرة المكلومة، سوى أن تبعث بمناشدة حزينة إلى منظمات حقوق الإنسان وجميع الحقوقيين بالمحافظة وخارجها، أملا منهم القيام بدورهم في الدفاع عن حقوق الإنسان «بما في ذلك حق الحياة». هكذا اختتمت أسرة مسعود رسالتها.
في محافظة قبلية مثل “الجوف”، تتجذر فيها مبادئ وأخلاق وأعراف القبيلة أكثر من غيرها، تكاد تنعدم فيها مثل تلك الجرائم البشعة، على ذلك النحو، وتقيد ضد مجهولين (جبناء). ذلك أن الجوفيين يتقاتلون فيما بينهم رجلا لرجل، وأسرة لأسرة، وقبيلة لقبيلة..، هكذا بكل شجاعة ووجها لوجه، يتقاتلون، ثم يتوقفون ليعاودوا قتالهم وثاراتهم بين الحين والأخر. لكن أبدا ما كان الغدر والتمثيل بجثث أعدائهم ومن ثم (الإنكار) سجيتهم.
وهنا فقط لم يسع شبكة الجوف الحقوقية إلا أن تدعوا الدولة إلى القيام بمسؤولياتها بـ«التحقيق في هذه الحادثة الشنعاء التي تعد دخيلة على مجتمعنا وملاحقة الجناة وتسليمهم للعدالة».
وما كان منها أيضا إلا أن تعرب عن أسفها الشديد «للتكتم المخيف من قبل الوسائل الإعلامية والمنظمات والمكاتب الحقوقية الشعبية والرسمية، والتساهل المريب من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية في السلطة المحلية بالمحافظة والمديرية»، محذرة من «أن التساهل في مثل هذه القضايا سيجعل الجناة يتمادون في غيهم وارتكابهم مزيدا من الجرائم الوحشية تحت أي مبرر».
لكنها، وفي ختام بيانها، لم تملك الشبكة – كأسرة مسعود – إلا أن تدعو «جميع أبناء المحافظة الشرفاء إلى إدانة هذا العمل الإجرامي (البربري) الجبان والتعاون مع (أسرة الضحية) في الوصول إلى العدالة التي تعد الضامن والركيزة الأساسية لأمن واستقرار المجتمع وبناء الدولة اليمنية الحديثة التي ينشدها الجميع».
…..
عن المصدر أون لاين