جرائم اليسار .. والحفاظ على الهوية
أصدرت وزارة الثقافة، بيانًا بعنوان “الحفاظ على الهوية المصرية” حول تعرض تمثال طه حسن لسرقة رأسه في محافظة المنيا، قالت فيه: إن وزارة الثقافة تابعت الأحداث المؤسفة التي تتعرض لها تماثيل رموز الثقافة والفن في بعض المدن المصرية، سواء ما حدث لتمثال أم كلثوم بمدينة المنصورة حينما حاول بعضهم تغطية التمثال بما يؤكد عدم وعي مرتكب هذه الجريمة بمعنى التمثال فنيًّا ووطنيًّا وثقافيًّا، ثم يأتي تمثال رائد الثقافة العربية الحديثة الدكتور طه حسين ابن المنيا الذي أبهر العالم بثقافته وعبقريته، لتطاله يدٌ شريرة إما لجهل منها أو لأسباب لا أساس لها في عقيدتنا السمحاء قد امتدت لكي تسرق رأس التمثال.
وعبرت الوزارة عن استنكارها لهذا العمل الإجرامي، ثم ناشدت المواطنين الشرفاء في كل مدننا ومياديننا الحفاظ على هذه التماثيل ورعايتها من أي يد شريرة تستهدف القضاء على ثقافتنا الوطنية فنًّا وثقافةً ووعيًا في مرحلة تستوجب الحفاظ على ذاكرته التي لو فقدنا شيئًا منها، فإننا نكون قد بددنا قيمًا ثقافيةً وفنيةً سوف تحاسبنا عليها الأجيال القادمة!
انضم إلى وزارة الثقافة اتحاد كتاب مصر الذي تحول إلى حزب يساري يحارب الإسلام والمسلمين، وأصدر بيانًا ضد من قاموا باقتلاع رأس تمثال طه حسين من فوق قاعدته الهرمية, قال فيه, إن”جوقة العميان كما أسماها نزار قباني في قصيدة تأبينه لعميد الأدب العربي يسوؤها الآن أن تري في مصر مبصرًا, وبصيرًا; حتى ولو كان تمثالاً شاهدًا على قصورها وعجزها!! وهي في اعتدائها على تمثال طه حسين إنما تعتدي على عقل أمة وتراث شعب; إن التماثيل في الميادين والشوارع ليست لشخصيات; إنما هي تجسيد لقيم نبيلة, وذكر بيان الاتحاد أن طه كان أكثر وعيًا وأرحب أفقًا وفهمًا للإسلام; وأشد غيرة عليه؛ من هؤلاء الذين خرجوا من الكهوف حاملين فئوسهم لينهالوا على تمثال لم يقدروا على مواجهة فكر صاحبه!
بيان الوزارة وبيان الاتحاد يكشفان عن الطبيعة المعادية لمن أصدرهما، وحملهما إدانة ضمنية وهجاء رخيصًا للإسلام والمسلمين، وإن غطى هذه الإدانة وذلك الهجاء بالكلام عن العقيدة السمحاء والفهم الأرحب للإسلام، فالقوم قد استبقوا التحقيقات وحكم القضاء في إدانة الإسلام والمسلمين، وإلقاء الدروس والمواعظ للتحذير من المسلمين؛ جوقة العميان، الخارجين من الكهوف يحملون الفئوس لهدم التماثيل!
مشكلة الحظيرة الثقافية التي تضم رجال الوزارة وقادة الاتحاد أو معظمهم أن هواها المنحرف مكشوف ومفضوح، وأن حكمها على الأحداث يأتي مدفوعًا بالتدليس والتضليل، لأنها ترى شيئًا وتغمض عينها عن أشياء أخرى.
على سبيل المثال فقد نقلت وكالات الأنباء الأجنبية والعربية أن طائرات الطاغية السوري بشار الأسد قصفت معرة النعمان بلد أبي العلاء المعري الشاعر المعروف وتلميذ المتنبي وشارح ديوانه “معجز أحمد”، وقد أطاح القصف بتمثال المعري الذي يتوسط مسقط رأسه، ونشرت الصحف وشاشات التلفزة منظر التمثال أو ما تبقى منه وهو ملقى على الأرض، ولكن أهل الحظيرة في الوزارة والاتحاد لم يشيروا بكلمة إلى المعري ولا بلدته التي دمرها القصف، وتجاهلوا الأمر كلية، مع أن المعري لا يقل أهمية عن طه حسين إن لم يتفوق عليه وعلى كثيرين في الأهمية والقيمة.
لا أطالب أهل الحظيرة أن يدينوا الطاغية ابن الطاغية الذي قتل وعذب شعراء وأدباء ورسامين سوريين تكلم عنهم العالم كله عدا الحظيرة والمنتسبين إليها. ولا أطالبهم باستنكار ما يفعله يوميًّا من مذابح ومجازر يصنعها طيرانه المقاتل وصواريخه طويلة المدى وقصيرته، ودباباته ومدفعيته، ثم سلخاناته التي يسلخ فيها شبيحته وجلادوه الأسرى من أبناء الشعب السوري الأعزل، ولا أطالبهم أن يقولوا له: توجه بطائراتك ودباباتك وصواريخك ومدافعك إلى الجولان، وحارب العدو الذي قصف مواقعك العسكرية مرارًا وأذلك أمام العالم كله ولم تطلق عليه رصاصة واحدة. فقط؛ أطالبهم أن يستنكروا ما جرى لتمثال أبي العلاء المعري أسوة بتمثال طه حسين.. إنني واثق أنهم لن يفعلوا أبدًا، وذلك لسبب بسيط، وهو ولاؤهم الرخيص للمعادين للإسلام في كل مكان وزمان ومنهم بشار الأسد!
لقد ذهب مؤخرًا وفد من أقاربهم الناصريين واليساريين إلى دمشق، وشاركوا مع وفد يساري من الأردن وآخر من العراق في تقديم عباءة سوداء للسفاح بشار الأسد بوصفه زعيم الأمة وقائد المقاومة والممانعة، فهل نتوقع منهم أن يغضبوا من أجل أبي العلاء المعري؟ لا أظن!!
ثم إنهم لم يتحدثوا أبدًا عن حق الشعب السوري المظلوم في الحياة الحرة الكريمة التي تحقق له المساواة والكرامة والمشاركة في مصير بلاده، بل إنهم يجففون أقلامهم عندما تطرح مذابح الشعب السوري البائس، وإن كان بعضهم قد امتلك البجاحة وسوء الأدب ليتناول كفاح السوريين بما لا يليق، ويصف من يواجهون السفاح بالمرتزقة، ويرى أن ثورة الأحرار في الشام مخطط أمريكي لإسقاط المقاومة والممانعة!
أي بؤس وأي عدوانية وأي خلل يحكم أهل الحظيرة وأشباههم!
لقد كنت آمل من وزير الثقافة الذي عاد إلى مكتبه بعد تمثيلية الاستقالة أن يكون أكثر اعتدالاً، وأن يكون اهتمامه منصبًا على محاربة الفساد في وزارته الفاسدة التي تزكم رائحتها الأنوف، ولكنه بدلاً من ذلك مشغول برأس تمثال طه حسين الذي قال محافظ المنيا إنه حادث فردي، وقد يكون الغرض منه بيعه لتجار الخردة استغلالاً لحال الفوضى التي صنعها المستنيرون بجبهاتهم التخريبية وأحزابهم اليسارية العدوانية.
إن الوزير المحترم يمنّ علينا نحن المصريين أنه قبل مسئولية وزارة الثقافة في فترة تاريخية تعد من أصعب الفترات التي مرت بها مصر عبر تاريخها الحديث، ولا أدري ما هي الأهمية الكبرى لوزارته الفاسدة التي خربت العقل المصري، وطوعت كثيرًا من الكتاب والمثقفين للإرادة العدوانية ضد الإسلام وثقافته وتراثه ومستقبله؟
ما هي الإنجازات التي صنعتها وزارة محملة بآلاف الموظفين غير المنتجين، ومشروعات معادية لهوية الأمة وثقافتها؟ إنه يعلل استقالته بالمصاعب الهائلة التي تواجهها الوزارة، وقلة الإمكانات المالية ولولا مشاعر زملائه وأصدقائه المثقفين وخطورة المرحلة ما عدل عن استقالته! صدقني يا معالي الوزير: غيابك ووزارتك لن يغير من الواقع شيئًا!