“حزب الله” قناع أسقطته الثورة السورية
أمجد خشافة
صَعد حزب الله بشكل سريع كمحور مناهض لإسرائيل لكن سرعان ما تلاشت تلك الصورة الرمزية لدى الرأي العام العربي حين كشفت الثورة السورية بوصلة الحزب الحقيقة باعتباره ليس سوى “كلاشن” في يد ملالي طهران ضد الشعب السوري وإرادته.
كان بمقدور حزب الله أن يكون حزباً محلياً لا يتعدى حدود لبنان ويحافظ على تلك الرمزية التي تشكلت، لكن ولاية الفقيه في طهران أجبرته وبشكل عملي الدخول في صراع مسلح ضد ثوار سوريا لإنقاذ نظام الاسد، عندما أصبحت الثورة على أسوار دمشق.
وبقدر تآكُل جنود الحزب في سوريا بقدر ما تهشمت صورة الحزب، أيضا، وأصبح المواطن العربي والإسلامي يقول أن حزب الله عدواً للشعب السوري وعدواً في المنطقة كمحور طائفي يتجه نحو تثوير الدعوات الطائفية التي تتماها مع الرغبة الغربية، لخلق مزيد ممن النزاعات البينية في المنطقة.
ظروف النشأة
رغم نشأت الحزب على أساس حزب تنظيمي سياسي عام 1982م إلا أن النشأة الفكرية والعقدية كانت قد سبقت هذا التأريخ، إذ مهد لهذه البيئة الفكرية والعقدية الشيعية محمد حسين فضل الله من خلال نشاطه في الجنوب.
وعزز من استنهاض الحزب قيام الثورة الخمينية عام 1979م، تنفيذا عمليا لمشروع تصدير الثورة الخميني، وهو ما بدا دافعا للحزب في تعزيز تواجده بعدما وجدت طهران توافق مذهبي وسياسي، أيضاً.
لم يتكتم حزب الله على أنه ليس حزباً محلياً فقط، عقب انطلاقته، بل أعلن في 6 فبراير 1985م أنه “ملتزم بأوامر قيادة تتمثل بولاية الفقيه وتتجسد في روح الله آية الله الخميني”.
وفي مقطع “فيديو” متواجد على “الانترنت” اعتبر حسن نصر الله أن الولي الفقيه هو الحاكم الفعلي لكل البلاد الإسلامية حيث قال “بخصوص صلاحية ولاية الفقيه في تعيين الحكام ويعطيهم الشرعية في جميع البلاد الإسلامية، فنعم، لأن ولايته ليست محدودة بحدود جغرافية، فولايته ممتدة بامتداد المسلمين”.
تدفق الدعم الإيراني لحزب الله بشكل سريع باعتبار أن شيعة الحزب في لبنان اعتبروا أن خامنئي أصبح المرجع الأول لهم وحسن نصر الله الوكيل الشرعي له، وعلى هذا الاندماج الأيديولوجي والفقهي بين الطرفين ترجمته طهران إلى دعم مباشر وسخي لهذا الحزب.
دعم طهران للحزب بشكل سخي؛ سحب البساط عن بقية الحركات الشيعية مثل حركة أمل وغيرها، وذكر كتاب “الحروب السرية” أن الأجرة الشهرية للمقاتل بلغت خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام 1986م، لدرجة أن مقاتلي أمل راحوا بهدف الكسب يهجرون صفوف الحركة للانخراط في حزب الله.
مؤشر للسقوط
ورغم أن حزب الله كان معروفاً بارتباطه بطهران وذراعها في المنطقة وبلاد الشام تحديدا، إلا أن الصراع مع إسرائيل قدم الحزب كمحور مهم في الصراع للدفاع عن القضية الفلسطينية.
إيران كانت ترعى هذا الهيلمان للحزب ليكون بؤرة لإفرازاتها المذهبية في المنطقة العربية والتأثير عليها، وفقا لمهمة تتعدى مسألة الحزب المحلي إلى الحزب الملهم الأممي ينتهي الأمر بتجذر ولي الفقيه كمرجعية دينية لدى عموم العرب.
وصلت ذروة الحزب كقوة ورمزية فيما عُرف بحرب “تموز” 2006م مع إسرائيل، إلاّ أن الوضع تغير بعد إتهام الحزب باغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وجد كثير من المسلمين والعرب، حينها، أن حزب الله بات يجسد وبشكل عملي رغبات طهران ومصالحها وليس لمصالح بلده، وأصبح كيان يمثل توترا طائفيا للمنطقة ككل، الأمر الذي اتجه بالحزب نحو السقوط.
الثورة السورية استكملت السقوط
حاولت إيران أن توجد لها كينتونات كحلفاء في المنطقة، وبجانب حزب الله كان النظام السوري هو أيضاً حليف استراتيجي، وهو ما صرح به مسؤولين إيرانيين أكثر من مرة بأن النظام السوري خط أحمر.
حزب الله هو الآخر لديه علاقة قوية مع النظام السوري منذ وقتٍ مبكر، وما كان له القدرة أن يقف على قدميه على كافة الأصعدة المادية والعسكرية والسياسية وأن يستفيد من الدعم الإيراني لو كانت سوريا معارضة لإيران.
النظام السوري أيضا كان حريصا على مد الجسور مع شيعة لبنان وحصوله على فتاوى من موسى الصدر بانتماء “الطائفة العلوية النصيرية” للمذهب الإمامي الجعفري، وهو ما يُعبر عن حجم الشراكة المذهبية مع إيران من جهة ومع حزب الله وشيعة لبنان من جهة أخرى.
على هذا النحو من التجانس المذهبي والفكري بين الحزب والنظام السوري أصبح مصير الطرفين في سلة واحدة، وهو ما أفرزته ثورة الشعب السوري في 2011م الذي تثمل ثورة الأمة السنية ضد نظام أقلوي طائفي من انكشاف لهذه النتوءات في جسد الأمة.
عقب الثورة السورية استمر الحزب في التكتم حول تورطه بدعم النظام السوري ضد الثورة رغم استمرار تشييع جنازات قتلى لغاية شهر أكتوبر 2012م، عندما سقط أحد أبرز قياديي الحزب في سوريا محمد حسين الحاج ناصيف الملقب بأبي عباس، حينها اضطر الحزب الإعلان عن وفاته باعتباره “مات “أثناء تأديته واجبه الجهادي”.
دعم الحزب للنظام السوري وانكشافه أمام الرأي العام العربي والاسلامي تصاعدت حدة السخط على الحزب.
وفي 2013م أعلن الحزب تدخله عسكريا في الحرب في سوريا ووقوفه مع النظام السوري مما أدى إلى تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية لدى مجلس التعاون لدول الخليج العربية يهدد نشاطه في سوريا والمنطقة.
وبنفس العام تحديدا في شهر مايو قاد الحزب حربا معلنة في مدينة القصير بمحافظة حمص والتي كان تحت يد ثوار سوريا، حينها تغيرت مقاربة الحزب العلنية للثورة السورية، حيث ألقى حسن نصر الله خطابا مثل إعلان حرب على الثورة السورية، وتعهد بمساندة لنظام الأسد.
اعتبرت معركة الحزب في مدينة القصير أهم المعارك التي قادها الحزب مع نظام الاسد، وخلف الحزب جرائم حرب أعلنت عنها منظمة دولية.
ونشر تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية يتهم حزب الله بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية، حيث خلف الحزب في مدينة القصير أكثر من 500 شخص، وقتلاه في سوريا تتجاوز خسائره في حرب “تموز” 2006م، مع ذلك قال نصر الله حينها بانهم باقون في سوريا ما دامت الأسباب قائمة.
استمر الحزب في جرائمه بسوريا، فوثقت منظمات حقوقية محلية جرائم ارتكبها الحزب، إضافة الى مدينة القصير، حصار مدن وبلدات جنوب العاصمة وأبرزها بيت سحم وببيلا التي كانت قوات الحزب مشاركة بشكل أساسي فيها.
وعلى قدر تدخل الحزب في سوريا وما خلفه من جرائم، فهو أيضا اتجه نحو اليمن لدعم جماعة الحوثي المتمردة، واتهمت السلطات الرسمية اليمنية حزب الله مشاركته في اليمن وتقديم دعم عسكري عبر خبراء من الحزب للحوثيين.
وأكد ذلك سفير اليمن في واشنطن ومدير مكتب الرئيس هادي السابق أحمد عوض بن مبارك في حوار على قناة الجزيرة مطلع فبراير 2016م بأن الأجهزة الأمنية كانت تحتجز عددا من خبراء لبنانيين من حزب الله كانوا يقدموا تدريبات عسكرية وخبرات قتاليه للحوثيين ضد السلطات في اليمن، لكنه تم الافراج عنهم عقب اجتاح الحوثيين في 21ستمبر 2014م.
#حزب_ الله_ هو_ العدو
وعلى قدر بقاء حزب الله وجنوده في سوريا كداعم أساسي لجرائم نظام الاسد ضد الشعب السوري، وتواجده كحزب عابر لحدود لبنان في استفزازاته السياسية لدول المنطقة أصبحت مناهضته رأيا عاما لدى الكثير في الوطن العربي، إذ لم يعد هناك من يؤيده بحماس بعد أن أسقطت قناعه الثورة السورية.
وكان استطلاع للرأي العام أجراء موقع “الجزيرة نت” في 2013م على مدى ثلاثة أن حزب الله أصبح عدوا بنظر غالبية العرب والمسلمين، وأجاب 72.8% من المستطلعة آراؤهم بـ”نعم” على سؤال: هل تعتقد أن حزب الله أصبح عدوا في نظر العرب والمسلمين؟ في حين أجاب 27.2% من المشاركين بـ”لا”.
وخلال شهر فبراير الجاري 2016م وجهت حملة لناشطين عرب ومسلمين من مختلف الدول على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، بعنوان “حزب الله هو العدو”، وتفاعل مع هذه الحملة قيادات سياسية من مختلف البلدان العربية، حيث قال رياض الاسعد مؤسس الجيش السوري الحر :”الاخطر والاول للشام واهلها وللعالم الاسلامي والعربي وهو امتداد للاحتلال الايراني الفارسي القذر الذي يغدر بنا ويشغلنا”.
وكتب أحمد الصويان رئيس تحرير مجلة البيان طأن حزب الله وهو جزء من منظومة واسعة للمليشيات الطائفية المرتبطة بعمائم قم والنجف، التي استباحت العراق والشام بكل وحشية وإفساد، وقال أن حزب الله تشدق مدة طويلة بالممانعة ومواجهة الصهاينة، ثم سقطت الأقنعة وظهرت الأيادي الملوثة بدمائنا؛ فآن الأوان أن يدرك الجميع أن حزب الله هو العدو”.
وأياً يكن بقاء حزب الله إلاّ أن صورته تهشمت، فالحزب الذي دخل سوريا وشارك جرائم الاسد لم يعد لديه القوة والأهمية بعد مشاركته مثلما كان من قبل، لكن مادام وهو مستميت في محور “طهران والاسد”، فالتحديات ستظل باقية أمام الأمة الإسلامية السنية والعربية ككل.
…….
عن مجلة البيان