خلافات صالح مع الحوثيين
أمجد خشافة
الخلاف بين صالح والحوثيين قديم متجدد، وإثارته بشكل دائم لا يُعبر، فحسب، عن وجود خلاف فعلي فيما بينهم بقدر ما يُعبر عن مراهنة من قبل خصومهم حول هذه الخلافات وينتظرون منه نتيجة لتصادم عسكري يطيح بالطرفين، أو بأحدهما.
قبل ثلاثة أيام نشر موقع تابع لنجل علي صالح بأن هناك مؤتمر صحفي في صنعاء لسد الفراغ السياسي، وتم تناقل الخبر بوسائل الإعلام على أنه مقدمة لتشكيل حكومة وهو ما يُعتبر انقلاباً على ما تسمى بـ”اللجنة الثورية” وإلغاء “الإعلان الدستوري”.
اتضح فيما بعد أنها عبارة عن فقاعة إعلامية ربما ليس لها هدف، لكنها أظهرت خلاف متجذر بين صالح والحوثيين حول تشكيل الحكومة، وهو أصل النزاع الذي يطفح على السطح بين الفينة والأخرى.
وبرغم ما يظهره أنصار صالح والحوثيين من التماسك، والتغاضي عن الخلافات بشكل رسمي إلاَّ أن الخلاف برز بشكل أكبر عقب انتهاء الجولة الأولى من مشاورات “جنيف2” في ديسمبر الماضي، إذ حاول صالح إيجاد حلاً، لسد الفراغ السياسي”، حسب قولهم، بعد أن فشلوا في تمرير ما يريدوه عبر المشاورات.
وفي نهاية ديسمبر، من ذات الشهر، أي بعد رجوع جميع الاطراف من جنيف، دعا صالح محمد الحوثي إلى لقاء فيما بينهم، وحسب المعلومات التي نشرت، أراد صالح طرح موضوع تشكيل حكومة لـ”سد الفراغ السياسي”، غير أن اللقاء انتهى بالفشل، وتصاعدت، بعدها، الخلافات أكثر.
صالح لا يعترف بشيء اسمه “ثورة 21 سبتمبر” التي يتفاخر بها الحوثيين، وسخر منها في أحد خطاباته بقوله، “ثورة ضد علي محسن واليدومي، هذه ليست ثورة”، والحوثيون، يعتبرون أن أهم ما جسدته هذه ثورتهم هي “اللجنة الثورية، والاعلان الدستوري”، وأي تشكيل حكومة لا بد أن يرجع إليها، خلاف صالح الذي يريد أن يكون تشكيل الحكومة عن طريق مجلس النواب والذي يتواجد فيه الكثير من أنصاره.
الخلاف هنا على أصل الشرعية ومصدرها، وهو الخلاف السياسي البارز بين صالح والحوثيين، خلال هذه الفترة, فحين يقول صالح أن مصدر التشريع القادر على تشكيل حكومة هو مجلس النواب، يقول الحوثيون لدينا لجنة ثورية وهي صاحبة التشريع وتشكيل أي حكومة.
وعلى هذا النحو عجز صالح والحوثيين التواصل إلى تفاهمات حول ما يسمونه سد الفراغ وهو بالطبع نقطة مهمة في صالح الحكومة اليمنية، رغم معرفة الحوثيين وصالح أنه، وحتى في حال تشكيلهم حكومة، فلن تعترف بها أي دولة، بما فيها إيران وروسيا.
لكن السؤال هنا هل يمكن أن يصل خلاف صالح مع الحوثيين إلى تصادم مسلح، يطيح الطرف الأقوى بالآخر؟
من المعروف أن التحالف الذي بناه صالح مع الحوثيين هو تحالف تكتيكي، أي أن طابع الانتقام ضد خصومه، دفع بعلي صالح إلى أن يرجم بنفسه في أحضان الحوثيين وتسليم ما بقي من جيش ليأتمر تحت توجيهات مليشيات، وهو ما بدى الأمر غنيمة كبرى لدى الحوثيين.
ورغم كل الاستفزازات الأخيرة التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد انصار صالح في إدارة مباني الوزارات وبسطها على ميزانية الدولة، والمهاترات الحادة فيما بينهم على مستوى فردي إلاّ أن عوامل بقاء هذا التحالف الهش لا زالت تبقي عليه على المدى القريب.
ويعتبر الحليفان أن استمرار عمليات التحالف العربي ضدهما هو أكبر عامل للبقاء على ما هم عليه، إذ أن استمرار وضع التحالف العربي الحوثي وصالح في سلة واحدة، وهدف عسكري مزدوج هو ما يجعل الحوثيين متمسكين بصالح، وتغاضي صالح عن استفزازات الحوثيين، حتى وإن وصلت إليه شخصياً، الأمر الذي يدفع بترجيح استبعاد التصادم العسكري الذي يفضي بقضاء احدهم على الآخر، على أقل تقدير على المدى القريب.
وعلى هذا النحو، تبقى المراهنة على خلاف عسكري بين صالح والحوثيين يُطيح أحدهما بالأخر وتكون فرصة أمام الحكومة للحسم ضد المنتصر أمرٌ مُنهك وضياع للوقت.
لكن بالإمكان أن ينهار هذا التحالف المشئوم إذا ما وجد صالح خرقاً في جدار التحالف العربي.
فحين يستطيع صالح انتزاع تفاهمات مع الرياض حول مستقبل حياته سيكون الأمر مشجعاً له على ترك الحوثيين في الجبهات ومواجهة ضربات التحالف العسكرية، أو العكس، إذا ما قبل الحوثيون في توافقات سياسية مع الحكومة والرياض.
أما غير هذا سيكون من الصعب الرهان على اختلافهم، وصراعهم عسكرياً، حتى لو أعلن الحوثيون أن بندقية أبو علي الحاكم في رأس صالح.