مقالات
روسيا… الإسلام والإسلام السياسي في إستراتجيتها
روسيا… الإسلام والإسلام السياسي في إستراتجيتها
في العهد السابق الاتجاهات الإسلامية استمرت في بقاءها بل بازدياد بالرغم من عملها السري، وانتشرت الزوايا القادرية والنقشبندية وهي من الاتجاهات المتزمتة في ممارستها للشعائر الإسلامية.
بقلم: خالد ممدوح العز
يعود وجود الإسلام في روسيا على الأقل لفترة غزو مناطق الشرق في القرن الخامس عشر،أي إلى فترة التتار والأتراك، وانتشر الإسلام في مناطق القوقاز جنوبا حتى سيبيريا شرقا .
تؤكد البروفسورة الروسية اولغا فلاروفوا المستشرقة في معهد الاستشراق في سانت بطرسبرغ ومترجمة الرئيسين عبد الناصر وعرفات، بان روسيا اعتنقت المذهب الأرثوذكسي بعد محاولات متعددة من قياصرتها الذاهبة لدراسة الرسالات الدينية ، فالدين الإسلامي كان محط اعجاب ولكنه يحرم شراب الخمر وبيعه. روسيا ذات الطبيعة القاسية ببردها وصقيعها حال دون ذلك. فكان الاتجاه نحو الارتوذكسية القريبة من التوجه الإسلامي” .
بالرغم من حلم القيصر بطرس الاكبر بالوصول الى المياه الدافئة التي تحيط بدول وشعوب إسلامية لكنه لم ياخذ بالترويج للحملات الصليبية على المنطقة، بل كانت له رؤية إستراتيجية مختلفة في توسيع نفوذها الجيو-سياسية
على أثرها بدأ اهتمام روسيا بالاستعراب والاستشراق في القرن الثامن عشر بناء على مبادرة من القيصر بطرس الأكبر الذي أمر بنسخ بقايا الكتابات العربية المحفوظة في مدينة بولغار. هذه المدينة الذي أعتنق سكانها الإسلام عام 922 م. ومن الواضح أن عملية نشر هذه الكتابات لعبت دوراً هاماً في تطوير الاستعراب الروسي في تلك الفترة. وأطلق الكاتب كانتيميرف (1673-1723) مبادرته في تأسيس أول مطبعة بالحرف العربي. وفي عام 1716 صدرت في روسيا أول ترجمة كاملة للقرآن الكريم باللغة الروسية.
لكن الثورة الشيوعية لم تمس وتمنع الديانة الإسلامية والمسلمين من ممارسة ديانتهم لأن الثورة كانت ردة فعل ضد القيصر بسبب اعدام الأخ الأكبر “للينين” قائد الثورة البلشيفية، فاخذ الصراع شكلا مختلفا بين المذهب الأرثوذكسي الممثل بالكنيسة والثوار الجدد.
أما الجنوب الإسلامي في روسيا واسيا الوسطى بقي يمارس الشعائرالدينية بالرغم من كل الأفكار المطروحة على المجتمع الروسي المتخلف وقتها، ولم تمس الجوامع والزوايا وكانت الاتجاهات الإسلامية مستمرة في بقاءها بل بازدياد بالرغم من عملها السري، كانت تنتشر الزوايا القا درية والناقشبندية والتي هي من الاتجاهات المتزمتة في ممارستها للشعائر الإسلامية.
وأثناء المجاعة التي حصلت في روسيا بعد الثورة تم اصدر قرار بإفراغ الأديرة المسيحية من كل الأواني الذهبية وبعض المحاصيل التي كانت في حوزة الكنائس والأديرة، لبيعها وشراء القمح للشعب لكن تروتسكي الذي نفذ القرار بطريقته الخاصة بقتل الرهبان وتدمير الاديرة كلها في روسيا ربما من خلال خلفية يهودية وتم ألباسها ثوبا شيوعيا .
فالإسلام قاتل إلى جانب الشعوب السلافية في الدفاع عن روسيا ومدنها ضد الاحتلال الالماني، وفي الحرب العالمية الثانية بان الرائد الذي زرع العلم السوفياتي مع مجموعته على الجسر الفاصل مع الأمريكان كان شيشاني القومية ومسلم الهوية وشيوعي العقيدة.
فكان المسلمون يعيشون في روسيا الاتحادية وسط المسيحية الأرثوذكسية دون إي مشاكل. فالتاريخ لم يسجل اي اشكال بين الإسلام بمختلف مذاهبة والأرثوذكسية المسيحية التي تولت روسيا قيادتها في ظل الحرب الباردة ، ربما الإشكالية الوحيدة مع الشعوب،الإسلامية و العربية والتي لا تتحمل مسؤوليتها المسيحية وانما يتحمل مسؤوليتها القائد السوفياتي جوزيف ستالين الذي اعترف بدولة اسرائيل قبل الولايات المتحدة بثلاثة سنوات .
قد تكون القيادة السوفياتية فهمت خطائها التاريخي وذهبت بالاعتراف بحقوق الشعوب العربية ودعمها من اجل نيل استقلالها.
طبعا لم تحصل القيادات الإسلامية على مراكز عليا في الدولة الروسية باستثناء أشخاص معينين: “كحيدر عليليف الأذربجاني والذي ابعد عن الترشح لقيادة الدولة، وأيضا الجنرال جوهر دوديف الشيشاني الذي قاد منطقة الشمال الغربي للاتحاد السوفياتي في القوى الجوية، إضافة لآخرين يمكن تعدادهم” .
وهذا الخطاء يعود إلى البيروقراطية التي حكمت الحزب الشيوعي السوفياتي وليس للمسيحية ذنبا فيها.
مع انهيار الاتحاد السوفياتي
برزت تحديداً في العام 1992 المشكلة الإسلامية بين الحكومة الروسية وبعض العناصر المسلمة والسبب يعود إلى للرئيس الروسي حين إطلق شعاره التاريخي خذوا استقلالا كما تريدون لتعويم دوره في روسيا ،فكانت الرغبة للجمهوريات والإقليم الروسية بالاستقلال أو تكوين كيانات خاصة بها يحكمها التوجه الإسلامي نتيجة الأكثرية المتواجدة فيها من الإسلاميين والثانية فشل الإيديولوجية الشيوعية والبحث عن بديل فكان التوجه السريع نحو الدين في الإسلام والمسيحية.
المشكلة الثانية هو ظهور مشاكل في دول أوروبا الشرقية أدت إلى صدامات عسكرية وتحولت الى حروب أهلية دخلت روسيا طرفا في الأزمة وليس من اجل حلها ففي، نغورني كرباغ ،ومحاربة جورجيا من خلال تشكيل أول لواء إسلامي بقيادة شميل بسيف وإرساله لدعم إقليم ابخازيا المسلم المنتفض على جورجيا ونظامها ، تطور الصدام لتدخل روسيا الحرب ضد المسلمين في كوسوفو وتقف إلى جانب الصرب.
إضافة إلى اشتعال المعارك في الداخل الروسي في إقليم الشيشان ، وخط النفط الذي ألهبته الجنرالات الروسية القادمة من أوروبا الشرقية. وصولا إلى حروب أسيا الوسطى التي كانت تخمد نيرانها المخابرات الروسية وخاصة بظل أزمة مفتوحة بين الروس والأفغان ولم يتم تضميد الجراح فكانت أسيا الوسطى ذات الأغلبية الإسلامية غير بعيدة عن نار هذه الحرب .
بظل هذا الانهيار الثقافي والاجتماعي والسياسي والمالي والأخلاقي والسياسي الروسي، وتراجع دورها كدولة عالمية أضحت روسيا مقصدا لكل المبشرين الإسلاميين أو بما يعرف بناشري الدعوة الإسلامية الذين لاقوا ترحابا من السكان الباحثين عن دعم مادي وإيديولوجي.
فتم تأسيس مراكز اجتماعية وثقافية وخيرية وجوامع ومراكز ثقافية لتدريس الدين والشريعة، فحط رحال القوى المتطرفة في روسيا ،أصحاب الثورة المستمرة والفكر الاممي الأخضر، فكان التمدد العربي وتحديدا الخليجي والتركي ،لان تركيا كانت ترى فرصة في إحياء نفوذها القديم على حساب انهيار الإمبراطورية السوفياتية وإقامة الدولة العثمانية الكبرى.
في العام 1992 كان الرئيس سليمان ادمريال يحاول تمرير هذا الحلم العثماني ،فالإسلام المنتشر في روسيا ومناطق البلقان يتكلمون اللغة التركية ويدينون بالإسلام السني بالأغلبية وتركيا تملك قدرات واستثمارات كبيرة في فضاء الدول المستقلة وتحديدا في أسيا الوسطى.
لكن مع حرب البوسنة وتعرض القومية البشناقية لأشد التعذيب والتنكيل بدأت طلائع الجهاديين تتدفق إلى البوسنة عام 1994 ما بات يعرف بالمجاهدين أو عرب الأفغان إي الذي قاتلوا السوفيات في أفغانستان ومن ثم عرف بتنظيم القاعدة
وقتها كان الموقف الروسي الداعم لنظام مليوسفيش، لا يختلف عن الموقف الذي تمارسه في حماية ومساعدتها للنظام السوري
مع اشتداد الأزمة في الشيشان بدأت العلاقة تتأزم مع العالم الإسلامي والعربي وخاصة بعد وصول مجموعات كبيرة إلى ارض الشيشان لمساعدتهم في حربهم ضد الروس .
الرئيس بريس يلتسن حاول إنهاء الخلاف وإجراء استفتاء شعبي على خروج إقليم الشيشان عن روسيا، لكن مع تفاقم الأزمة وتصدر القوى الجهادية المنطوية تحت تنظيم القاعدة من العبث في مناطق الشيشان وشن الحرب على روسيا كلها مما دفع بالرئيس يلتسن الخروج من الموقف الحرج التي مارستها سياساته الفاشلة طوال حكمه لمرحلتين .
تسلم الحكم إلى الرئيس فلاديمير بوتين الشخص الغير معروف في روسيا وإنما هو شخص مدهش ومثير للغية .
مرحلة بوتين
لمع اسم فلاديمير بوتين من خلال حربه الذي خاضها مباشرة على الإسلام المتطرف في إقليم الشيشان وجنوب روسيا الذي أضحى مكان للإرهابيين الإسلاميين القادمين من كافة بقاع الأرض ،لقد استخدم وقتها الرئيس جملته الشهيرة سوف نلاحقهم حتى في داخل الحمامات لقد نجح بوتين في حربه ضد الإرهاب بسبب الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها الجماعات المسلحة وبدعم الشعب الروسي التي باتت هذه الجماعات تشكل خطرا كبيرا عليه .
بوتين ابن المؤسسة الأمنية التي لا يعرف رجالها التقاعد، هو الأتي من ألمانيا الشرقية ليكون المدير العام لمؤسسة المخابرات ومن ثم رئيسا للوزراء ورئسا للبلاد، هو القومي الشوفيني ابن التجربة السوفياتية والحالم بأمجاد الإمبراطورية القيصرية ،هو القيصر الجديد العائد إلى الكريملين لتحقيق حلم وأمجاد روسيا المفقود والعودة إلى الحلبة الدولية .
بوتين لم يغفر للعرب أبدا في مساعدتهم للشعب الشيشاني والوقوف إلى جانبهم، بوتين التي تربى على عقيدة الكراهية للغرب وعمل على تجنيد الجواسيس عندما كان مسؤولا عن أوروبا الغربية في أيام الحرب الباردة.
بوتين الذي يتبنى سياسة الترويج ضد الإسلام السياسي والخوف من إسلاما فوبيا خوفا من عدوى الثورات الإسلامية من إن تعصف في بلاد العرب والمسلمين من نقلها إلى حديقته الخلفية وعقر داره .
بوتين الذي يحاول كسب إسرائيل من خلال التعويل على جالية يهودية فقدها إبان انهيار الاتحاد السوفياتي وتشكل ثلث دولة إسرائيل. بوتين يحاول الدخول إلى الشرق الأوسط من بوابة الدكتاتوريات العربية الذي يدعم أنظمتها ويستبسل في الدفاع عنها .وإسرائيل العدو الفعلي والحقيقي للعرب .يدعم الأسد ويسانده ،محاولا بناء نظام عالمي جديد وتحالفات مذهبية تبعد كل البعد عن الأخلاق والإنسانية يأتي إلى سورية ووراءه حرب البوسنة وكوسوفو والشيشان وسورية هي حقل التجارب الجديد لتعنت بوتين وصقور الكريملين، فإسقاط المدن وتدميرها وقتل الشعب ليس جديدا على الإستراتيجية الروسية.
بوتين يحتجز ملف سورية وشعب سوريا من اجل التفاوض مع الغرب لتوسيع النفوذ وجني الإرباح وخاصة في استخراج النفط وبيع السلاح بوتين شخصية روسية متعجرفة متعنتة قمعية دكتاتورية حقودة حتى على اقرب الناس له . بوتين يمارس عمله كشخص قومي وقيصر لا يهمه إي شيء ومستعد لإزاحة إي شخص يقف أمامه، ربما المال والقوة التي يتمتع بها اليوم وضعف الغرب وتحديدا أمريكا هي التي تساعده على هذه العنجهية السياسية. الإسلام أضحى عدو بوتين والتغيير والغرب، ولكن بوتين الذي وضع إسلام الثورات العربية عدوا حقيقا لا نعرف كيف سيرد على التغيير في مصر بعد انتهاء الأزمة الحالية بالرغم من استباقه وتخوفه السريع من انجرار مصر نحو حرب أهلية نتمنى أن لا تحدث لكي يرى بان العالم العربي يموت من أجل الحرية.
المصدر ميدل ايست اونلاين