مقالات

سفور طهران وحشمة صنعاء

 

عارف أبو حاتم

عارف أبو حاتم

تجديد اتهامات اليمن لإيران بالتدخل في شئونها الداخلية يأتي في سياق تأكيد العجز السياسي اليمني، ووقوف الدولة في مربع الحشمة الأخلاقية أمام سفور السياسة الإيرانية تجاه اليمن، حيث تمتلك صنعاء أدلة دامغة تمكنها من مقاضاة وتركيع إيران في المحاكم الدولية، لتسببها في زعزعة أمن واستقرار اليمن لأكثر من 12 سنة، وتفكيك وحدة النسيج الاجتماعي، ونشر وتشجيع الفوضى والعنف في كل اليمن، وتقديم الدعم اللامحدود للجماعات المسلحة المناهضة للدولة، وأخيراً اختراق وتسيير جزء من تنظيم القاعدة ضد الدولة اليمنية، وبما يتماشى مع قواعد المصالح الإيرانية.

 

ويُعدُ المذهب الزيدي أقرب المذاهب السنية إلى الفكر الشيعي، من خلال تشيعه “لآل بيت”، وحصره لإمامة الحكم في سلالة البطنين “الحسن والحسين” غير أنه يترضى عن جميع أصحاب وزوجات الرسول الكريم، ولا يلعن أو يقدح بحق أحد، وينقسم المذهب الزيدي إلى ثلاث فرق أصغرها فرقة “الجارودية” وهي لا تتعدى ألفي شخص يسكنون محافظة صعدة في أقصى الشمال، ومن أبرز علمائها “بدرالدين بن أمير الدين الحوثي” الذي استقال من حزب الحق باكراً، وانزوى في محافظته صعدة، حتى تمكن من السفر إلى بيروت ثم طهران وأطال فيها المقام برفقة ولده النائب البرلماني حسين،  ليعود الولد من هناك بفكرة تأسيس “منتدى الشباب المؤمن” لنشر الفضيلة ومحاربة ما يصفها بـ”المنكرات” في الفنادق ومقاهي الانترنت، لكن المنتدى تشرب كثيراً أفكار قائده ومؤسسه حسين الحوثي، حتى وصل إلى شتم زوجات وصحابة رسول الله، والاعتقاد بقرآن فاطمة.

 

حظي المنتدى الذي تحول إلى جماعة سياسية وعسكرية بدعم إيراني غير محدود، مكنه من فرض واقع مغاير في بعض مديريات صعدة، واستقطاب عدد كبير من الشباب والوجاهات الاجتماعية.

 

 

لم تتحسن العلاقة اليمنية الإيرانية منذ أكثر من عقد، وقد عاود وزير الخارجية اليمني اتهامات صنعاء لطهران بالتدخل في شئون اليمن الداخلية، وتصدرت تصريحات الوزير أبو بكر القربي وسائل الإعلام المحلية في مايو الماضي، إلا أنها كانت من ذلك النوع الناعم الذي يغضب ولا يُفصح، إذ قال إن هناك جهات إيرانية تدعم جماعات العنف المسلحة في اليمن، ولم يقلها صراحة بأن إيران الدولة هي الداعمة وليس جهات ومؤسسات شيعية، وهو أسلوب ناعم دأبت عليه الدبلوماسية اليمنية منذ 2004.

 

 في عهد الرئيس هادي تم اتخاذ موقف مغاير، وكان لابد من المجاهرة بالسفور الإيراني كخطوة لبداية تصحيح مسار العلاقات بين البلدين، والطلب من طهران تحديد موقفها، إذا كانت مع سيادة اليمن أو مع الجماعات المسلحة المتمردة على شرعية الدولة.

 

مجاهرة الرئيس هادي باتهام إيران في التدخل بالشأن اليمني دفع سفير طهران السابق محمود زاده إلى عقد مؤتمر صحفي في 6 يناير 2013 تحدث فيه بلغة استعلائية مهينة لسيادة اليمن، وسخر من اتهاماتها، وقال إن “اتهامنا بالتجسس سخيف واليمن ليست بلد ذات تقنية اصلاً لكي نتجسس عليها، وتصريحات هادي هي اتهامات نتيجة تقارير خاطئة رفعت له”.

 

وتكرر الأمر الأسبوع الماضي حين اجتمع هادي بقيادات حكومية وبرلمانية وجدد اتهامه لإيران ليرد عليه رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، ويصفه بالعاجز عن تحقيق الأمن والاستقرار، وحماية الدبلوماسيين الايرانيين بصنعاء.

 

 ولأن تاريخ إيران على مر التاريخ يؤكد أنها دولة دسائس أكثر منها دولة مواجهات، فقد تقرر أن شحن الأسلحة وتنظيم المعسكرات وتقديم الدعم عبر طرق سرية متعددة، وشراء ولاءات كبار الضباط والمشايخ والوجاهات الاجتماعية، حتى في حالة الرد على الاتهامات اليمنية يتم شتم القيادة السياسية عبر برلمانيين أو شخصيات سياسية لا تمثل مؤسسات الدولة الإيرانية، ثم أن مسألة الدبلوماسي الإيراني المختطف بصنعاء غير بعيد أن تكون قد أعادته مخابرات بلاده إلى طهران، لتبقى مسألة اختطافه ذريعة تشتم فيها اليمن عبر كل لسان إيراني، حتى أن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية قالت أن الرئيس هادي يتهم إيران للهروب من مسألة تحرير دبلوماسيها المختطف، هكذا سيظل الدبلوماسي أحمد نور المختطف في 21 يوليو الماضي شماعة لتبرير كل السلوك العدواني الإيراني تجاه اليمن!

 

تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية قالت إن على اليمن أن تلتفت إلى شأنها الاقتصادي وإلى إصلاح أوضاعها الداخلية بدلاً من إتهامات الآخرين، لكن عندما جاءت الحربان الخامسة والسادسة مع جماعة الحوثيين كانت إيران لا تتوقف عن استهجان الحرب ضد الجماعة المتمردة، وكانت تصفها بالحرب الاستئصالية.

 

من المرجح أن تستمر العلاقة مع طهران متوترة، ولن يبت اليمن في الموافقة على تعيين سفير طهران المرشح، حتى تراجع طهران سياستها تجاه صنعاء.

….

صحيفة الناس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى