مقالات

صفحات سوداء من تكفير الحوثيين لليمنيين شمالاً وجنوباً!

ناصر يحيى  كاتب صحفي
ناصر يحيى
كاتب صحفي

في الحلقة الماضية اطلعنا على نماذج من تكفير الحوثيين القدامى والجُدد لأهل السنة والأشاعرة في اليمن، واليوم نواصل قراءة نماذج أخرى لتكفيريين ما يزال يعمل أتباعهم على تقديمهم للناس على أنهم أئمة هدى مهديين، ورجال خير وصلاح جسدوا الإسلام الصحيح المأخوذ من نور النبوءة مباشرة!

ونبدأ بالإمام المتوكل على الله/ إسماعيل بن القاسم الذي حكم اليمن بعد وفاة أخيه المؤيد في أعقاب خروج الأتراك من اليمن.. والمتوكل هذا كان فقيهاً محققاً في مذهبه، وكان موغلاً في تكفير أهل السنة والأشاعرة في اليمن الأسفل والمشرق حتى حضرموت وما بعدها، والتعامل معهم على أنهم: كفار تأويل، وبلادهم وأراضيهم أرض خراجية يؤخذ منها الخراج مثل أراضي الكفار وليست أرضاً عُشرية تؤخذ منها عشور الزكاة كالمسلمين، ويجوز للإمام أن يفرض عليها ما يشاء، بوصفها كانت أراضي تابعة للأتراك الكفار، وسكانها الذين عاشوا في ظلهم – أي اليمنيين في مناطق السنة والأشاعرة – يدخلون في نفس الحكم!

 أنكر عديدون على المتوكل هذا المنحى التكفيري، ومنهم ابن أخيه المؤرخ الشهير يحيى بن الحسين بن القاسم (يتعرض لحملة تصغير عند الحوثيين الجدد؛ لأنه متأثر بالسنة أو الحشوية كما يقولون)، الذي وثق قصة تكفير عمه ومظالمه هو وولاته للسنة والأشاعرة في اليمن الأسفل في كتابه (بهجة الزمن)، وأرسل إليه رسالة رافضاً معاملته لهم كفاراً، فلم يرتدع، وأجاب عليه بما يؤكد إيمانه أن ما يفعله بسكان تعز وإب وتهامة وغيرهم هو تطبيق أمين للمذهب أو كما جاء في جوابه بعد السلام والتحية:

[.. فالحق بين والحمد لله! وبيان ذلك أن مذهب أهل العدل – زاد الله فيهم- أن المجبرة والمشبهة كفار! وأن الكفار إذا استولوا على أرض ملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين وأهل العدل، وأنه يدخل في حكمهم من والاهم واعتزى إليهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم، وان البلد الذي تظهر فيه كلمة الكفر(!) تصير جوار كفرية ولو سكنها من لا يعتقد الكفر ولا يقول بمقالة أهله، هذه أصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية، ومدونة في كتب أئمتنا وسلفنا رضوان الله علينا وعليهم لا ينكر ذلك عنهم أحد ممن له أدنى بيرة ومعرفة بمصنفاتهم. ومع تقرير هذه القواعد فلا ينكر أحد أن دولة الأتراك من المعتقدين لهذا المذهب الكفري بلا شك، وإذا كانوا كذلك فكل بلد ملكوها وكانت الشوكة فيها لهم فلها حكمهم، فإذا استفتح الإمام شيئا من البلاد التي تحت أيديهم فله أن يضع عليها ما يشاء سواء كان أهلها ممن هو باق على ذلك المذهب أم لا…. وهذا حكم الله والله أعلم..!].. وهذا الرأي هو الذي يتفق مع رسالة له يُقال إن اسمها: [إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع]. وقد انتشرت المظالم المالية في عهد المتوكل في مناطق تعز وإب خاصة ضد أهل السنة والأشاعرة زيادة في التعنت واستحلال أموالهم بوصفهم كفار تأويل. وتعددت الضرائب تحت مسميات مضحكة؛ مثل مطلب سفرة الوالي (مبالغ تؤخذ من الرعية من أجل أن يستخدمها الولاة وأمراء المناطق والألوية لإكرام ضيوفهم الرسميين، إلى مطلب التنباك (التبغ والتتن)، إلى مطلب جعالة العيد (تؤخذ من الرعية في الأعياد لمظاهر احتفال الولاة) إلى مطلب صلاة المصلي بدون إمام!

وفي المقابل لم يكن يفرض على الرعية في اليمن الأعلى مثلها؛ مما يرجح الدافع المذهبي لهذه المظالم! وطالما شكا أعيان هذه المناطق للمتوكل أفعال ولاته؛ لكنه كان يرفض الاستجابة لهم، مما أكد لهم أن المظالم تتم بعلمه!

[3]

والمتوكل إسماعيل يكاد يشبه في علمه ومظالمه الحسن بن يحيى حميد الدين أثناء ولايته في إب، ومع ذلك يتحمس له بعض المؤرخين لدوافع مذهبية غالباً، ويصورونه بمظهر الفاتح العادل الذي شهد عهده استقراراً وازدهاراً وأمناً وعدلاً؛ متجاهلين المظالم الشنيعة التي سادت عهده، وهو نفسه الذي بعث إلى حضرموت بعد السيطرة عليها أوامر يلزم بها أهل السنة والأشاعرة هناك بالاعتزاء إلى أهل البيت في العقائد، وفرض عبارة: حي على خير العمل في الأذان، كما فعل عُماله في المناطق الأخرى!

ولذلك كان طبيعياً أن تنتشر التمردات والقلاقل، والفوضى، وأعمال التقطع والنهب مع مرض المتوكل، ولم يبقَ للدولة إلا سيطرة رسمية على بعض المناطق حتى رفضوا تسليم الضرائب!

وعندما مات اندهش يحيى الحباري قاضيه عندما رأى ما في خزائنه من الأموال والذهب (المنهوب من الرعية) معلقاً: [فما الوجه للمطالب والجور في اليمن الأسفل؟].

[4]

القاضي محمد صالح السماوي صاحب كتاب (الغطمطم الزخار المطهر لرياض الأزهار من آثار السيل الجرار) الذي رد فيه على الإمام الشوكاني انتقاداته لشرح الأزهار؛ هذه الشخصية ما تزال تقدم للناس مصحوباً بدعاء: [ألحقه الله بنبيه المختار، وعترته الطيبين الأخيار، وحشره في زمرتهم، وأظله بظل عرشه وجعله تحت لوائه…]، وهو أحد كبار الحوثيين التكفيريين الذين كفروا غالبية الصحابة وغالبية المسلمين واليمنيين من أهل السنة والأشاعرة في كتابه المذكور الذي كتب له مقدمة حنانة طنانة القاضي الراحل أحمد الشامي، أمين عام حزب الحق، وقد حذف الأخ محمد عزان محقق الكتاب الألفاظ التكفيرية التي جاءت في الكتاب، لكنه أورد في مقال له في صحيفة “الشارع” قائمة بها على النحو التالي:

فأهل السنة عند السماوي: [على غير الدين المحمدي- مذهبهم لعين – ملحدون – زائفون – متشبثون بأذيال الكفر – نواصب – ملاحدة!].

أما عائشة زوج الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد وصفها بأنها: [فاسقة أو كافرة!].

وأما الصحابة الذين يجلهم أهل السنة والأشاعرة فهم عنده: [نبذوا عهودهم – كفار – منافقون – ملاعين – مزورون – مائلون إلى الدنيا – فُساق – وضاعون للحديث – مرتكبون للكبائر – موالون للظالمين – منحرفون!].

وكل هذه الموجة من التكفير والتفسيق جاءت في مجرد كتاب يرد به السماوي على الشوكاني في مسائل فقهية لم تتعد مسائل الطهارة والحيض والبول.. فاستحق الشوكاني أن يُوصف عند من يصفون أنفسهم برموز التسامح والاعتدال بأنه: [كافر – لعين – كلب – حمار – سفيه – مهين – ملحد – دجال – فاسق – ضال – حقير – ماص بظر أمه – مجانب للإسلام – فاجر – منحرف عن الملة – نجس – قرين الشيطان – منتحل للدين – شيطان الإلحاد!].

[5]

نختم بصفحة مماثلة في التكفير نجدها في الجزء الرابع من كتاب [التاج المذهب في أحكام المذهب: شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار] للقاضي أحمد قاسم العنسي.. وللتنبيه فهذه الآراء التكفيرية لأهل السنة والأشاعرة ليست للعنسي الذي استنكرها بقوة في الهامش؛ بل هي من خلاصة شروح وحواشي لفقهاء هادوية أبرزهم العلامة: ابن مفتاح.. ففي “أحكام المرتدين” جاء ما يلي:

[وأما الكافر المتأول كالمجبر والمشبه ونحوهما فعند أهل المذهب أنه كالمرتد لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف؛ حيث كان من أهل العدل والتوحيد ثم خرج منه إلى الاعتقاد بما يؤول به الكفر من الجبر والتشبيه ونحوهما، وهذا رأي أبي علي الجبائي وأبي طالب، وقيل بل هو كالذمي ذكر ذلك زيد بن علي (!) وأبو هاشم… وقيل بل حكم المتأول كالمسلم في أحكام الدنيا من أنها تقبل شهادته وخبره ويدفن في مقابر المسلمين ويصلى خلفه ونحو ذلك وله حكم الكفار في الآخرة فقط أي يعذب بهذه العقيدة عذاب الكفر إلى عذاب الفسق ذكره أبو قاسم البلخي…].

[6]

أثناء إعداد هذه المقالات قرأت للأخ إبراهيم عبد الرحمن العلفي مقالاً في “مأرب برس” حول موقف الزيدية من أهل السنة والأشاعرة أو كفار التأويل، وقد استند فيه إلى مراجع ليست عندي فكان من تمام الفائدة نقلها هنا:

1- (المتأول) و(كفار التأويل) عند الزيدية هم (الخوارج والمشبهة والمجبرة والرافضة)، وهذا باتفاق الزيدية.

 2- (المشبهة والمجبرة) عند الزيدية يقصد بهم (أهل الحديث الحنابلة) و(الأشاعرة).. جاء في كتاب الإيضاح شرح المصباح وهو عمدة الزيدية في علم الكلام (العقيدة) ما نصه: “وقالت المجبرة لا يجوز أن يرى إلا في الآخرة” ص 141 في معرض الحديث عن رؤية الله عز وجل.

والآن إلى النصوص موضوع البحث من عمدة كتب المذهب الزيدي:

أولاً: إسلام كفار التأويل (أهل السنة) محل خلاف: جاء في متن الأزهار الذي هو عمدة المذهب الزيدي في الفقه ما نصه (والْمُتَأَولُ كَالْمُرْتَد وَقِيلَ كَالذمي وَقِيلَ كَالْمُسْلِمِ). وفي شرح الأزهار للإمام المرتضى قال: (قال مولانا عليلم وهو الأقرب عندي أن حكمنا بتكفيرهم؛ لأنهم مستندون إلى كتاب ونبي كغيرهم من الكتابيين، وإذا كانوا كذلك جاز لنا تقريرهم على اعتقادهم كما قررنا أهل الذمة على خلاف الشريعة المطهرة)، بمعنى أن حكمهم حكم أهل الذمة من اليهود والنصارى!

 ثانياً: كفرُ المشبهة والمجبرة (أهل السنة) مذهب جمهور الزيدية ونص بعضهم على الإجماع: جاء في كتاب الاحتراس عن نار النبراس للعلامة الزيدي اسحاق بن محمد العبدي أن الإمام المهدي أحمد بن يحيي المرتضى كان قد ذهب إلى عدم تكفير الأشاعرة والمشبهة والمجبرة ثم صرح بأنهم لنسبتهم الظلم إلى الله (يعني القول بخلق الله لأفعال العباد) ثم ذكر المؤلف أن تكفيرهم هو مذهب جمهور أهل البيت، وأدعى أبو عبدالله الداعي الإجماع على ذلك!

 وفي كتاب “المُهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة” للعلامة محمد بن أسعد المرادي ذكر أن من الذاهبين إلى أن حكم المشبهة والمجبرة (أهل السنة) حكم الكُفار الحربيين الحسين بن الناصر للحق، وممن قال إن حكمهم حكم أهل الردة أبو عبد الله الداعي، والإمام أبو طالب، والقاضي عبد الجبار.

وفي كتاب “مفتاح السعادة” للعلامة علي بن محمد بن يحيى العجري ذكر أن مذهب جمهور المعتزلة، وأكثر أهل البيت، هو تكفير المشبهة والمجبرة (أهل السنة)، وممن ذهب إلى ذلك القاسم والهادي والناصر وأحمد بن سليمان والمنصور بالله، وبالغ بعضهم حتى كفر الشاك في كُفرهم، وذلك لقولهم في إثبات المعاني القديمة لله عز وجل (في إشارة إلى مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات).

وقال عبد الوهاب مفضل في مقدمة تحقيقه لكتاب “الانتصار..” للإمام يحيي بن حمزة: إن كفر المشبهة والمجبرة (أهل السنة) هو مذهب أئمة العترة وجماهير المعتزلة والزيدية!!

ثالثاً: أحكام رتبها الزيدية بحق المشبهة والمجبرة (أهل السنة):

 1- جواز قتلهم غيلة، وغصب أموالهم، وسبي نساءهم: ذكر ذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيي المرتضى في البحر الزخار، ونص كلامه: (مَسْأَلَةٌ) أَكْثَرُ وَأَمْرُ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ إلَى الْإِمَامِ فَقَطْ. هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو: بَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ غِيلَةً)، ورجح أن قتلهم يكون حداً، وأما السبي والغنيمة فخلاف!

وفي كتاب “المنتزع المختار من الغيث المدرار” للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح وهو عمدة الزيدية في شرح الأزهار ذكر أن أموالهم (أهل السنة) تكون محترمة اذا كانوا في بلد الشوكة فيه لأهل العدل (الزيدية)، وأما إذا كانوا في بلد الشوكة فيها لهم جاز أخذ أموالهم وسبي ذراريهم!

 2- لا يغسلوا، ولا يُصلى عليهم، ولا يدفنوا في مقابر المسلمين: جاء في كتب التاج المذهب في أحكام المذهب، وقرره المؤلف العنسي قولاً للمذهب، وفي شرح الأزهار للمرتضى ما نصه: (مَسْأَلَةٌ) (ع .م ) وَلَا يُصَلى عَلَى الْمُجْبِرِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا (ق): بَلْ لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ لِلشهَادَتَيْنِ. لَنَا مَا مَر.. والواضح ترجيح الإمام المهدي المرتضى لذلك.

3 – لا تجوز ذبائحهم: جاء في كتاب “المنتزع المختار من الغيث المدرار” للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح (وفي مجموع الهادي عليه السلام الذي: يحرم من الذبائح ست، وقد جمعها السيد صارم الدين في هامش الهداية، فقال:

 ذبيحة مرج مجبر ومشبه

 يهوديهم ثم النصارى مجوسهم

 4- جواز هدم مساجدهم وحرمة الوقف عليها: جاء في كتاب “المنتزع المختار من الغيث المدرار”: (قال أبو طالب: لا يصح الوقف على مساجد المشبهة والمجبرة! وقال ض بالله مساجد المشبهة والمطرفية والمجبرة لا حكم لها، ولا حرمة، وأخرب كثيراً منها وسبل بعضها)، ورجحه الشارح مفتاح قولاً للمذهب!

وفي شرح الازهار – كتاب الوقف – الحاشية (إذ هو كما بني لغير الله وفي هدم مساجد كفار التأويل وجهان أصحهما المنع ال‍هداية!

 5 – جواز لعنهم والبراء منهم: جاء في كتاب “الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين” للفقيه العزي محمد بن يحيى مداعس (بل حد معاداة الفاسق من البعض، وعدم قبول الشهادة، وعدم صحة الصلاة خلفه أو عليه، والبراءة وجواز اللعن لكذبهم على الله تعالى!).

[نواصل في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى]

المصدر اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى