مقالات

طريق الدعوة الى الله

بقلم الشيخ/محمد شبيبة *

أما وقد اخترتَ طريق الدعوة إلى الله وسلكتَ مهنة الداعي إلى سبيلة فترفق، واخفض للمدعوين جناح الرحمة وأرخ على المذنبين ثوب الستر وقدم حسن الظن والتمس الأعذار مادمت تجد لها موضعا، ولا تفرح بالمعصية ولا تشهر بالعصاة، واجعل النصيحة السرية مع الهدية والكلمة اللينة هي وسيلتك حتى تنفذ دعوتك إلى قلوب المخطئين، وإياك أن تدخل في سجال وجدال وخصام فتنتصر لنفسك وينفخ فيك اتباعك فتظل طريقك وتنشغل عن هدفك،

بال أحدهم في المسجد وما ظنك بنجاسة في أقدس بقعة وفي حضرت الذات المحمدية؟!! فرمقه الناس بأبصارهم وارتفعت عليه أصواتهم وقاموا ليقعوا به فقال المعلم الكبير والمؤدب العظيم صلى الله عليه وسلم: (دعوه يكمل بوله ثم صبوا عليه سجلا من ماء) ثم دعاه وقال له برفق (إن هذه الأماكن إنما جعلت للصلاة والذكر وتلاوة القرآن ولا يصلح فيها شيء مما يُستقذر …
دعوه يكمل بوله حتى لايُحصر فيه فيضره، فسلامة الإنسان مقدمة على سلامة المكان.
وحتى يبقى بوله في مكان واحد فلا يقوم قبل أن ينقطع بوله فينتشر البول في أكثر من مكان،
ولأنه أعرابي جاهل وفي بيئته يصنع مثل هذا فحقه أن يُترفق به ويُعلم .

وها هو أحدهم وعلى الملأ يطلب من النبي أن يأذن له في الزنا ببنات الناس فلم يلعنه صلى الله عليه وسلم ولم يلطمه بل حاوره بالحجة العقلية، أترضاه لأمك؟! أترضاه لأختك؟! أترضاه لعمتك…؟!
قال لا ،قال وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم …. ثم وضع يده الحانية على صدرة ودعا له اللهم طهر قلبه وحصّن فرجه فقام من مجلسه وليس شيء أبغض إليه من الزنا،
بالحجة والرقة والدعاء أزال شبهته وشهوته.
وثالث تكرر منه شرب الخمر فشتمه أحدهم لكثرت شربه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شتمه وانتصر له وأثنى عليه وقال لاتعينوا الشيطان على أخيكم فإنه يحب الله ورسوله،
إياك أن تظن أن الخير والفضل قد جف من نفوس العصاة أو اضمحل فهذا مع تكرار كبيرته يشهد له أصدق البشر والملائكة بأنه يحب الله ورسوله!!

نحن لا نشجع على المعصية ولا نحب انتشارها ولا نزعم أننا أو غيرنا يسلم منها أو معصوم من الوقوع فيها ومن ادعى ذلك فهو كاذب، لكن يجب أن نترفق بالناس وأن يقيم الداعية بيئة دعوية حاضنة وحانية
ومن تتبع سيرته صلى الله عليه وسلم ونظر تعامله مع العصاة والمذنبين وكيف يواجه الأخطاء والذنوب يجدها مليئة بالستر والرفق وفهم طبيعة الإنسان ومقدار حاجته إلى يد مشفقة تنتشله لا تغرقه، وإلى قلب كبير يسعه لا يطرده، وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه،
وهاهو القرآن الكريم يأمره صلى الله عليه وسلم باللين والرحمة والعفو والاستغفار عند مواجهة أخطاء الناس وذنوبهم ، بل التعامل معهم والوثوق بهم إلى حد مشاركتهم ومشاورتهم في الأمور والأحوال وعدم الإنعزال عنهم بسبب أخطائهم.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

*وزير الأوقاف والإرشاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى