فيصل العشاري: الثورة غيرت وعي سلفيي اليمن وفكرهم ( حوار )
في بضع تساؤلات عن واقع السلفية اليمنية وتفاعلها مع مجريات الأحداث، ومدى استفادتها وخسارتها من الثورة، وقضايا ذات صلة بترتيب البيت الداخلي للسلفية وإشكالاتها في التعامل مع الواقع العملي والعمل السياسي.. أجرت “إسلام أون لاين” حوارا مع القيادي السلفي الشاب فيصل بن قاسم العشاري.
حاوره: سلمان العماري
كيف تقرأون واقع وتحولات السلفية اليمنية بعدالربيع العربي، وما الذي استفادته وخسرته السلفية في اليمن؟
السلفية شأنها شأن غيرها من الجماعات والتنظيمات والأحزاب السياسية، حصل لها نوع من الثورة الفكرية مواكبة لثورات الربيع العربي، وفي اعتقادي أن مكاسبها أكثر من خسائرها، ويكفي من ذلك دفقة الوعي التي منيت بها وبروز مفاهيم جديدة تدعو لتحرير الخطاب السلفي من أسر الجمود الفقهي، وتنحو باتجاه الفقه المقاصدي، وخاصة فيما يتعلق بجانب السياسة الشرعية والتعامل بواقعية مع كثير من القضايا الفكرية التي ظلت مثار جدل فكري لا عملي في إطار التعددية ومنظومة الديمقراطية وأدواتها من خلال تكوين حزبي محدد.
كشفت الأحداث وربيع الثورات عن وجود تيار شبابي للسلفية في اليمن قادم له اهتماماته ورؤاه وقناعاته المخالفة للقيادة؟
بروز مثل هذه الاختلافات ظاهرة صحية وطبيعية لتنشيط التيار السلفي في اليمن، وأكثر هذه الاختلافات هي من باب التنوع، وليست بالضرورة أن تكون من باب التضاد، خلا مواقف بسيطة يتم معالجتها لاحقا. وشريحة الشباب في اليمن أوسع الشرائح وجوداً وانتشارا، سواء في التيار السلفي أم في غيره، ومع الانفجار المعرفي والمعلوماتي حدث نوع من التوعية الفكرية والثقافية بقضايا معاصرة، بغض النظر عن صحتها من عدمه، مما تطّلب جهداً أكبر من القائمين على العمل السلفي في المرحلة الحالية، ومواكبة هذه الأفكار، وتصويب المناسب منها، ورد غير المناسب، عبر قنوات تواصل حقيقية مع القطاع الشبابي.
ما السبب في عدم إفساح القيادات القديمة الميدان أمام الشباب، وهل يعاني الشباب السلفي في اليمن من الهضم والإقصاء؟
القيادات المشائخية قيادات واعية، وتدرك هذا الأمر، لذلك هي تعمل على الإحلال التدريجي للكفاءات الجديدة، لكن ربما كان هناك نوع من التخوف من التحولات النوعية غير المدروسة، كولوج العتبة السياسية، والتنافس الحزبي، والعمل الجماهيري، والجميع تقريباً يتفق على أهمية هذه التحولات وضرورتها، ولكنهم يختلفون في توقيتها ومدى الاستعداد لها.
ما الذي يمكن أن يجمع القيادات المشائخية مع تيار الشباب في طاولة واحدة؟
لاشكّ أن الهمّ المشترك في خدمة الأمة هو الذي يجمع الشباب بقياداتهم المشيخية، بل يجمعهم مع بقية الجماعات الأخرى العاملة في الساحة، ما نحتاجه اليوم لردم هذه الفجوة أمران اثنان هما وضع خطط إستراتيجية ورؤية واضحة للعمل السلفي، وإعطاء الكفاءات الشابة مزيداً من الثقة في القدرة على العطاء والإنجاز.
ما الدوافع والأسباب التي قادت السلفية اليمنية للانخراط في العمل السياسي، وتأسيس اتحاد الرشاد عنوانا حزبيا لهم؟
حاجة الساحة اليمنية الملحة لوجود عمل سلفي منظم وله حضور في الساحة السياسية هو أبرز دافع لتأسيس حزب الرشاد اليمني، وهي تجربة سلفية لم يحن الوقت لقياس كفاءتها وأدائها لحداثتها، ولكنها تجربة ضرورية ومهمة، ولا بد لبقية السلفيين أن يتجهوا لإنشاء أحزاب سلفية أخرى، أو الاندماج مع الرشاد اليمني القائم، فالساحة تسع الجميع، وتتطلب مزيداً من الجهود.
ولماذا حدث الخلاف مع بداية التأسيس لاتحاد الرشاد؟
الخلاف حصل نتيجة وجود رواسب فكرية قديمة بين الجانبين ممّا ألقى بظلاله على عدم نجاح تجربة الاتحاد، لكن هناك محاولات حثيثة لإعادة اللحمة ورأب هذا الصدع غير المبرر منطقياً.
برأيك متى يمكن أن تتجاوز السلفية اليمنية حالة الخلاف والصراعات البينية والاستهداف لذاتها؟ وعوامل ومسببات الخلاف داخل السلفية؟
هذا سؤال كبير وبحاجة لمزيد من البسط، ولكن حسبنا أن نشير إلى أهم الأمور علاوة على أن شطر السؤال الأول جوابه مبني على معرفة الشطر الثاني، فإذا عرفنا العوامل والمسببات للخلاف في البيت السلفي، سوف يسّهل علينا تجاوز هذه الإشكالات والخروج بحلول أفضل.
من أهم الأسباب هو التشظي الفكري الناتج عن عدم توحد طريقة الأخذ، والتلقي، واستنباط الأحكام الشرعية أو ما يسميه البعض بـ”المنهج”!
وعلى الرغم من وضوح هذا المنهج ومناداة بعض السلفيين به، إلا أن تطبيقه العملي يكاد يكون شبه غائب، فغياب المنهجية العلمية في استنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها بحاجة إلى مزيد إيضاح وترسيخ وتوحيد في كافة الأطياف السلفية حتى يخرجوا بآراء متفقة أو على الأقل متقاربة، وقد يستغرب البعض هذا الكلام أو يستبعده، ولكنه حقيقة واقعة، ولا أستطيع في هذه العجالة التدليل بأمثلة أو بسط الموضوع أكثر، ربما مستقبلاً يتم إفراد هذه الموضوع بدراسة مستقلة، ولكنها دعوة مني لإخواني العاملين في التيار السلفي أن يعيروا هذه النقطة مزيد اهتمام والتعاطي معها بجدية، فالخلط يحصل عادة بين ثلاثة أمور: ثبوت النص، وفهمه، وتنزيله.
فهناك من يكتفي بالبحث عن ثبوت النص، وجمد على ذلك، واجتهد في فهم معناه بطريقة شخصية غير مؤصّلة، تحت عباءة نبذ التقليد، بينما يحصل إغراق في التقليد للشخوص والمشايخ بشكل غريب! وهذه الطائفة يمثلها في الأغلب أصحاب المراكز العلمية السلفية غير النظامية كمركز صعدة ومعبر.
وهناك من تجاوز الثبوت إلى الفهم والتنزيل كأصحاب الجمعيات الخيرية السلفية، لاسيما الحكمة والإحسان، وكذلك جماعة أبي الحسن المأربي التي بدأت تحذو هذا الحذو مؤخراً، مع تباينهم في مستوى التنزيل، والفهم المقاصدي والعملي للنصوص، وهذا أمرهم أفضل بكثير من الطائفة الأولى.
ما الذي تعانيه السلفية وتحتاج إليه في الواقع الحالي وفي المستقبل؟
تعاني السلفية اليمنية وهنا وضعفا في العمل المؤسسي، وطغيان صوت الفرد الواحد في كثير من الحالات ولكنها في الوقت نفسه تخضع لعملية جراحية ستكلل بالنجاح بإذن الله، نقاء الاعتقاد لا علاقة له بالضمور الفكري والذي أعني به النضج في التصورات الصحيحة والواقعية للحياة، والإنسان، وكيفية التعامل معه.
التخندق في حقب الماضي المجيد، أو تاريخنا الناصع التليد لا يطعم جائعاً أو يكسو عارياً، نعم يمكن الاستفادة من ماضينا لحاضرنا، لكن الماضي وحياة السلف الكرام ستبقى تجربة تاريخية بشرية، يُستلهم منها معاني الإيمان والصبر والتفاني، لكن واقعنا بحاجة إلى مواكبة ودراسات وتخصصات، فالعلوم تتطور يوما بعد يوم، والزمن لا ينتظر أحداً. وكل دقيقة تمضي تولد معارف جديدة، وتجارب فريدة، والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها.
ربما كان السلفيون خارج اليمن أوفر حظاً حيث كان لهم حضور في كافة المرافق الخدمية والمجتمعية، والتخصصات العلمية، والبحوث الفكرية، والتجارب السياسية في بعض البلدان، لكنّ سلفيي اليمن لا يزالون حديثي عهد بكثير من هذه الأمور، فلا غضاضة ولا حرج أن يستفيدوا من غيرهم بما يناسب وضع بلدهم وبما يحقق نهضة أمتهم، والذي يحتاجون في الواقع الحالي إلى دراسة أسباب الاختلاف، وإيجاد وسائل تقارب مشتركة، والتماهي والتجاوب مع الواقع السياسي اليمني، والمشاركة فيه بما يحقق لهم أعلى رصيد من التأثير في البنية السياسية التي تتنازعها اتجاهات مختلفة وقبل ذلك التركيز على جبهة الموارد والكوادر البشرية ولملمة القطاع الشبابي، وإعادة التفكير في طريقة إدارتهم وتوجيههم، واستمرارية العمل التطوعي، والقطاع الخيري لتحقيق مزيد من كسب الشارع اليمني.
أما على الصعيد المستقبلي فيحتاجون إلى وضع خطط استراتيجية تتعلق بالأهداف المرسومة، وسبل الوصول إليها، وتأهيل كوادر جديدة لسد الفجوات لاسيما في مجال العمل السياسي، والعلاقات الدولية، وإطلاق وسائل تأثير فكرية عصرية كالقنوات والشبكات الاجتماعية، وعدم الاقتصار على الوسائل التقليدية، مع عقد دورات تأهيلية، وورش عمل متتالية للارتقاء بالشباب إدارياً وفكرياً.
يرى البعض أن السلفية مجرد ذوات وأشخاص وجمعيات لم ترتق حالتها بعد إلى مستوى التشكل في إطار كيان وجماعة؟
نستطيع أن نصف الحالة السلفية في اليمن بأنها ظاهرة اجتماعية، ولم ترتق بعد إلى المستوى التنظيمي الحزبي عدا تجربة “الرشاد” الوحيدة في هذا الجانب، فالسلفيون لهم حضور طاغ في المجالين العلمي والخيري، غير أن هذا الحضور لم يتم توظيفه بصورة منظمة لإحداث تأثير سياسي بعد، وهناك مجموعات وكتل متباينة تنظيمياً وفكرياً، بعضها يلتقي في قواسم مشتركة أحياناً، لكن ليس هناك مظلة جامعة ينضوي تحتها الجميع، وثمة محاولات لإنشاء هذه المظلة لتحتوي أكبر قدر من القطاع السلفي في اليمن عبر عقد مؤتمرات عامة أو ما شابه.
آخرون يرون أيضاً أن السلفية ينقصها الكثير والكثير.. المشروع، والتنظيم، والرؤية، والقيادة، وغير ذلك، فما هو رأيك؟
الرؤية والرسالة والأهداف يمكن أن تصاغ نظرياً؛ غير أن إدارتها عمليا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه أي مؤسسة أو منظمة، وهذا ما ينطبق على الحالة السلفية أيضاً؛ فهناك رؤى وتصورات موضوعة، ولكنها غير مفعّلة عملياً، وهذا مرده إلى عدد من الأسباب: منها عدم تحديث النظريات الإدارية لدى قيادات العمل الحالية، مع بذلها المشكور في طور التأسيس وقيادة الشباب. كما أن قيادة العمل السياسي كقطاع خيري يعد عقبة إدارية واضحة. والاقتصار على إبراز الحركة السلفية كحركة علمية دعوية فقط لا يؤهلها لخوض القطاعات الأخرى كالقطاع السياسي والثقافي العام. وهناك ضعف التأهيل الإداري، وضعف التواصل البيني والتغذية الراجعة، ولعل هذا مرده إلى أسباب موضوعية كالنواحي المادية والتباعد الجغرافي. وأيضا ضعف العمل المؤسسي وبروز القيادات الفردية ذات الصوت الواحد أحيانا، وهناك محاولات تصحيحية بدأت حديثا بإشراك القطاع الشبابي، واستحداث مجالس شورى ينبثق عنها رؤى جماعية تكون أقرب إلى الواقع من غيرها، وهي محاولات مشكورة في سبيل تصحيح هذا الخلل الذي ظل جاثما منذ بدايات العمل السلفي في اليمن، فإذا كان الإسلاميون عموماً لا يستطيعون ممارسة الشورى عملياً في قراراتهم ومحافلهم، فكيف يتوقع منهم مستقبلا أن يقودوا الدولة بالشورى التي ينادون بها ليل نهار!
لذلك فأول مفهوم يحتاج السلفيون إلى تجليته وتوضيحه، وممارسته عملياً هو مفهوم الشورى، التي هي عماد العمل المؤسسي الصغير كالجمعيات الخيرية، أو التنظيمات الحزبية، وكذلك هي عماد بناء الدولة الحديثة. وهناك مبشرات ومؤشرات تدل على أن السلفيين في الآونة الأخيرة يجرون مجموعة من المراجعات والتفاعلات الداخلية لتصحيح النواحي الإدارية والتنظيمية، والدخول بقوة إلى عالم التأثير المجتمعي والسياسي.
ما الذي ينبغي على السلفيين إتباعه في لملمة الصف وتشكيل جبهتهم السياسية الموحدة؟
أعتقد أن الأخوة في “الحكمة” و”الرشاد” يفهمون تماماً ما ينبغي عمله لتوحيد الصف السلفي، ولعل من المفيد أن نذكر بعض النقاط مثل الاستقلالية المالية، وهي على صعوبتها في هذه الظروف إلا أنه يمكن وضع خطط جادة وفاعلة في ذلك، فالاستقلالية المالية تمنع أي تبعية فكرية للممول الخارجي. وأيضا تشكيل رؤية متجانسة حول مفهوم العمل السياسي وأدواته، ولو عبر ورش عمل ودورات مشتركة سيكون له أثر في الاتحاد. إضافة إلى استشعار خطر المرحلة الراهنة، وتجاذباتها التي تدفع نحو هذا الالتقاء.
ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه التيارات السلفية خارج إطار الحوار الوطني في المرحلة الراهنة؟
التيارات السلفية خارج إطار الحوار الوطني ليست معفية عن المشاركة في معركة البناء والإصلاح المجتمعي.. وتستطيع المشاركة عن طريق الحشد الشعبي واستثمار المنافذ الأخرى للتأثير في دوائر القرار العليا، وعليها أيضاً أن تلتقط طرف الخيط المشترك مع الفصائل المشاركة في الحوار لتدعم من رصيد الحوار الإيجابي.