تقارير ومقابلات

“الموجة الثالثة” في السودان.. هل تغرق المجلس العسكري وآخرين؟

الرشاد برس_تقرير

-تعود تسمية “الموجة الثالثة” إلى نجاح الحراك الشعبي، خلال الأشهر الست الماضية، في الإطاحة بكل من عمر البشير من رئاسة الجمهورية، والفريق أول عوض بن عوف من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، في أبريل/ نيسان الماضي.

والمستهدف في “الموجة الثالثة” هو المجلس العسكري، الذي شكله الجيش بعد الإطاحة بالبشير، لقيادة مرحلة انتقالية تستمر عامين كحد أقصى.

ومنذ أن انهارت مفاوضاتهما، الشهر الماضي، يتبادل المجلس العسكري وقوى التغيير اتهامات بالرغبة في الهيمنة على أجهزة السلطة المقترحة في الفترة الانتقالية.

وخلال الأيام الثلاث الماضية، شهدت مدن وقرى كثيرة احتجاجات طالبت بتسليم السلطة، في ظل مخاوف من التفاف الجيش على مطالب الحراك الشعبي للاحتفاظ بالسلطة، كما حدث في دول عربية أخرى.

ورغم انتشار أمني مكثف، شهدت أحياء الخرطوم مظاهرات ليلية طالبت بتسليم السلطة، ونددت بفض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.

وسقط 128 قتيلا في عملية الفض وأحداث عنف تلتها، بحسب اللجنة المركزية لأطباء السودان (تابعة للمعارضة)، الأحد الماضي. بينما قدرت أخر حصيلة لوزارة الصحة عدد القتلى بـ61.

ويشهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة، ضمن أزمة الحكم، منذ أن عزلت قيادة الجيش البشير من الرئاسة، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.

ويقول نشطاء في الحراك الشعبي، على وسائل التواصل، إن “الموجة الثالثة” ستستكمل أهداف الثورة، وتقيم السلطة المدنية، وتفكك مؤسسات النظام السابق.

وربما يرفض المحتجون أي اتفاق بين المجلس العسكري وقوى التغيير على تمثيل ذي نسبة متساوية بين العسكر والمدنيين في مجلس السيادة المقترح للمرحلة الانتقالية.

ومن المرجح، بحسب المراقبين، التوصل إلى اتفاق، في ظل نشاط الوساطة الإثيوبية، التي بدأت السبت اجتماعات مع المجلس العسكري وقوى التغيير.

** تكتيكات جديدة

اللافت في الحراك الجماهيري الراهن هو أنه يتبع أساليب مغايرة عن الاحتجاجات الماضية، باعتماده وسائل جديدة لترتيب الفعاليات الاحتجاجية، في ظل انقطاع خدمة الإنترنت.

وتلعب “لجان المقاومة” في الأحياء الدور الأكبر في الترتيب للمظاهرات، باستخدام وسائل اتصال عديدة، منها الرسائل النصية القصيرة والاتصال المباشر بين مجموعات، لتحديد مواعيد وأماكن التجمعات.

وكان ذلك في السابق يتم من خلال تجمع المهنيين، أبرز مكونات الحراك، عبر نشر جدول بمواعيد وأماكن انطلاق المسيرات، على “فيسبوك” و”توتير”، وهو ما لم يعد متاحا.

وعقب فض الاعتصام، قطع المجلس العسكري خدمة الإنترنت، معتبرا أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي “مهدد للأمن القومي”.

ولجان المقاومة هي عبارة عن نشطاء في كل حي صغير على حدة يتواصلون فيما بينهم، بينما يتم تقسيم الأحياء الكبيرة إلى أكثر من لجنة لسهولة وسرعة التواصل.

وقال ناشط في شرقي الخرطوم، فضل عدم نشر اسمه، للأناضول: “لم تتوقف اجتماعاتنا ولقاءاتنا منذ 11 أبريل.. كنا نعقد بعضها بمقر الاعتصام. وبعد مجزرة الفض، تواصلت لقاءاتنا بشكل أكبر”.

وأضاف: “مجزرة 29 رمضان زادت من إصرارنا وتماسكنا لمواصلة الثورة، كي نحاسب من قتل شهدائنا”.

غير أن محللين يصفون المظاهرات الراهنة بأنها “هزات ارتدادية”، لامتصاص الغضب والحزن عقب فض الاعتصام.

** مستقبل الاحتجاجات

لا يبدو المجلس العسكري مهتما بالتصدي لموجة التصعيد الراهنة، ولم يصدر عنه تعليق حتى الآن على التحركات الجماهيرية.

وينخرط قادة المجلس حاليا في لقاءات جماهيرية مع قطاعات فئوية وإدارات أهلية وقبلية.

إلا أن تزايد الحراك الجماهيري يمكن أن يدفع المجلس إلى استخدام قوته العسكرية والأمنية.

ويرى خبراء أن تجاهل المجلس للاحتجاجات هو أمر طبيعي، باعتبارها مجرد رسالة من قوى التغيير بضرورة التفاوض.

وتشترط قوى التغيير لاستئناف المفاوضات مع المجلس أن يعترف بارتكابه جريمة فض الاعتصام، وتشكيل لجنة تحقيق دولية.

ومع استمرار رفض المجلس لهذين الشرطين، قررت قوى التغيير، الثلاثاء الماضي، العودة إلى الاحتجاجات.

وأعلنت عن جدول للتصعيد يتضمن اجتماعات للجان المقاومة في الأحياء ومظاهرات ليلية في أحياء الخرطوم ومدن أخرى، إضافة إلى تنظيم ندوات.

وفق مراقبين، فإن الكيفية التى سيستخدم بها المجلس العسكري قواته في مواجهة المتظاهرين ستحدد مصير الاحتجاجات وقوتها.

استخدام قوة مفرطة، بحسب المراقبين، سيزيد من اشتعال الوضع، والعودة إلى أيام البشير من مظاهرات ضخمة ومستمرة، كما أن تجاهل الاحتجاجات سيشجع المتظاهرين وسيوسع من دائرتها.

لذلك تبقى “الموجة الثالثة” هي الخطر الأكبر على المجلس العسكري، فإن تحركت بشكل أكبر وأوسع جماهيريا، فستغرق المجلس لامحالة كسابقيه، بحسب محللين.

وربما يلجأ المجلس إلى حلول غير متوقعة لإيقاف المد الجماهيري قبل أن يتسع، وذلك عبر محاولة التقرب من الشعب بحلول للأزمة السياسية.

** متغيرات محتملة

تتمتع قوى التغيير باعتراف المجلس العسكري والمجتمعين الإقليمي والدولى بأنها الممثل الشرعي للمحتجين.

ورغم أنها ما زالت تمسك بزمام المبادرة في الحراك الجماهيري، إلا أن أية انتكاسة منها، في حال اتفاقها مع المجلس العسكري، قد تجعل الشارع يتجاوزها.

قال جمال إدريس، صحفي سوداني، إن أي اتفاق وفق المطروح حاليا “7+ 7+1″ (7 مدنيين و7 من المجلس العسكري والرئيس شخصية قومية)، سيضع قوى التغيير في خانة الخيانة للشهداء”.

وأضاف إدريس للأناضول أن “الشهداء قدموا حياتهم من أجل قيام حكم مدني ديمقراطي، وليس ليكون للعسكر جزءا كبيرا في النظام القادم”.

وزاد بأن “حدوث اتفاق قبل معرفة مصير التحقيق بشأن فض الاعتصام سيؤدي إلى اشتعال احتجاجات بقيادة أخرى تبرزها المرحلة، ولن تكون من قوى التغيير”.

بينما استبعد أنور سليمان، كاتب ومحلل السياسي سوداني، أن تصيب الموجة الثالثة من الثورة كلا من المجلس العسكري وقوى التغيير.

وأردف سليمان للأناضول: “من الصعب أن تكون قوى التغيير والمجلس العسكري هدفا للجماهير بضربة واحدة، ففرص المستقبل تتضاءل أمام العسكري منذ فض الاعتصام”.

واستدرك: “لكن بعض مكونات قوى التغيير، مثل تحالف نداء السودان وتحالف الإجماع الوطني، إن لم تغير طرق تفكيرها وأدواتها فستندثر وتكون بعيدة عن القوة الثورية والشعبية الحية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى