قراءة في جدلية المناسبات الدينية والوطنية – مقال- “الدكتور محمد بن موسى العامري”
الرشادبرس- تقرير
.في كل موسم أو مناسبة دينية أو وطنية، تتجدد مشاهد الجدل والنقاش، وتطفو إلى السطح قضايا خلافية في ظاهرها فقهية أو سياسية أو اجتماعية، وفي جوهرها تعكس ما تضمره الصدور من صراعات أعمق، تتجاوز حدود النصوص والمناسبات لتُعبّر عن امتدادات مذهبية وحزبية وطائفية كامنة. وقد عالج الكاتب “حفظه الله “في مقاله هذا الإشكال بتوازن معرفي ورؤية نقدية متزنة، تستحق التقدير والإشادة، حيث قدّم تشخيصًا دقيقًا، مدعومًا بسياق شرعي واجتماعي، لمآلات كثير من هذه المناسبات.
وضوح في المنهج الشرعي:
ينطلق الكاتب “حفظه الله “من أصل شرعي راسخ مفاده أن الإسلام لم يشرّع من الأعياد السنوية سوى عيدي الفطر والأضحى، وهما اللذان نصت عليهما الشريعة باعتبارهما من شعائر الله. وما سوى ذلك من المناسبات الدينية، التي ظهرت لاحقًا كالموالد، وليلة الإسراء والمعراج، وأول جمعة من رجب وغيرها، فهي – وفق الطرح – من الأمور المُحدثة التي لم تعرف في صدر الإسلام ولا القرون الثلاثة المفضلة.
وقد ميّز الكاتب بأسلوب علمي بين المحكم والمتشابه، مشيرًا إلى أن بعض الناس يلجأون إلى انتزاع أدلة لتبرير الاحتفاء بمناسبات دينية مُستحدثة، وهو ما اعتبره من منهج أهل البدع الذين يبتدعون أولًا ثم يبحثون لاحقًا عن أدلة تبريرية، لا تقوم على أصول متينة، بل على التأويل والتكلف.
تقييم متزن للمناسبات الوطنية:
أما في الشق الوطني، فقد فرق الدكتور بين ما هو توافقي جامع من المناسبات، وما هو خلافي أو ظرفي. فقد أشار إلى أن 26 سبتمبر و14 أكتوبر و22 مايو تُعد محطات مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر، وتحظى بقبول واسع لدى مختلف الأطياف، لما تحمله من دلالات وطنية كبرى كالقضاء على الإمامة، وطرد الاستعمار، وتوحيد الشطرين.
ومع ذلك، لم يغفل الكاتب الإشارة إلى أن بعض الممارسات السلبية قد أثرت على رمزية بعضها، إلا أن الأصل في هذه المناسبات أنها تدعو إلى وحدة الصف وجمع الكلمة، وهي مقاصد شرعية ووطنية معتبرة، لا ينبغي التفريط بها.
مخاطر التوظيف الطائفي والسياسي:
يُحسَب للكاتب إشاراته الدقيقة إلى المناسبات الطائفية والمذهبية التي أُقحمت في الوعي الجمعي خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا تلك التي رُوّج لها من قبل جماعة الحوثي، مثل يوم عاشوراء، ويوم الغدير، والولاية، ويوم انقلاب 21 سبتمبر، وغيرها من المناسبات التي تثير الانقسام بدل الوحدة، وتعتمد – كما وصف الكاتب – على الاستغلال السياسي والجباية المالية، أكثر من كونها مناسبات روحية أو وطنية.
وفي السياق نفسه، تناول الكاتب بعض المناسبات التي لا تحظى بإجماع، كـ 11 فبراير (ثورة الشباب)، و2 ديسمبر (انتفاضة الرئيس الراحل صالح)، ويوم الوعل (مناسبة الأقيال)، مؤكدًا أن هذه المناسبات – رغم أن لها أنصارها – إلا أنها لا ترقى إلى أن تكون مناسبات عامة جامعة، نظرًا لطابعها الفئوي أو الظرفي، واحتمال تحوّلها إلى أدوات لإثارة الجدل والفرقة.
محطات جامعة لا نقاط خلاف:
يرى الناشط -إبراهيم أبو مازن -أن مقال الدكتور – محمد بن موسى العامري – جاء ليسلّط الضوء على ما تشهده اليمن من تحديات سياسية واجتماعية، واختلاف في الرؤى حول المناسبات الوطنية؛ مؤكّدًا أن المقال أوضح بأن المناسبات الوطنية الكبرى تُعد محطات جامعة، ينبغي أن تُستثمر في تعزيز روح الانتماء والوحدة الوطنية، لا أن تتحول إلى مناسبات خلافية تُعمّق الانقسام.
ويضيف: إن تحويل هذه المناسبات إلى فضاءات للتلاقي والاعتزاز المشترك بالتاريخ يُعد واجبًا وطنيًا في مواجهة محاولات التشظي، لا سيما في ظل تنامي الاحتفاء بمناسبات فئوية أو طائفية أو مناطقية، لا تحظى بإجماع وطني، وقد تؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي.
ويؤكد: إن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في إحياء المناسبات الوطنية، بل في إعادة تأهيل الوعي بها، وغرس معانيها في الأجيال الجديدة، بوصفها مناسبات توحِّد لا تفرِّق، وتجمع أبناء الشعب حول قضايا كبرى تتجاوز الانتماءات الضيقة.
فحين ترتبط المناسبات الوطنية بمعاني الحرية والوحدة والعدالة، فإنها تكون جديرة بالاحتفاء، وتظل حيّة في الوجدان الشعبي، بعيدًا عن التسييس أو التحزّب أو الاستغلال المؤقت.
دعوة للوحدة وتقدير لمقاصد الشريعة:
ينهي الدكتور”العامري “طرحه بدعوة بليغة إلى العودة للمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، التي جاءت لجمع الكلمة وتوحيد الصف وتآلف القلوب. وأشار إلى أن المناسبات العامة ينبغي أن تكون وسائل للوحدة لا أدوات للفرقة، وأن الرحمة التي بُعث بها الإسلام تتجلى في تماسك المجتمع، لا في اختلافه وتنافره.
إن هذا المقال يُظهر كاتبًا يتمتع ببصيرة فقهية ووعي سياسي متوازن، ويملك قدرة على تفكيك الخطابات السائدة ونقدها بمنهج علمي رصين، يبتعد عن الانفعال ويقترب من أصول الفهم الراسخ.