تقارير ومقابلات

مؤتمر الحوار مسيرة البحث عن دولة في اليمن.

أمجد خشافة
أمجد خشافة

حرب باردة تخوضها القوى السياسية في اليمن كل يوم، ميدانها مؤتمر الحوار، ليس فيها حسن نية وإن بدا البعض متخففاَ من الخلاف أمام وسائل الإعلام، فبعد أن كان المؤمل أن تضع تلك المكونات السياسية ثقل الخلاف عند انتهاء الحوار وصنع ملامح الدولة القادمة، توسعت دائرة الخلاف حتى وصل إلى ما يمكن أن يقسم اليمن إلى شطرين وهي مرحلة “حرجة وحساسة أمام اليمنيين” حسب ما وصفها جمال بن عمر الأسبوع الماضي. فخلال الستة الأشهر السابقة منذ أن بدأ مؤتمر الحوار جلساته الأولى في 20 مارس 2013م، كانت ولا تزال عين مجلس الأمن والأمم المتحدة ترقب عن كثب لجلسات الحوار باعتبار إمضاء الحوار نجاحاَ ومكسباَ للدول الراعية وتجربة قد تستنسخ لأية دولة أخرى في حال دخولها في نزاع سياسي وأزمة كاليمن، وهو ما عبر عنه بنعبر أن ما صنعه مؤتمر الحوار يعتبر “نموذجا جديدا، لم يحدث من قبل لا في اليمن ولا في المنطقة العربية”، غير أن مؤتمر الحوار قد قطع أعضاؤه في الفرق التسع شوطا كبيراَ كجزء من مخرجاته وتم الاتفاق على تفاصيل كثيرة؛ إلا أن القضية التي علـقت جلسة المؤتمر الأخيرة وأحدثت شللا في مصير الحوار واليمن؛ لا زالت محل جدلا بين الأحزاب السياسية والحراك الجنوبي الممثل في الحوار برئاسة محمد علي أحمد، وتلتصق بالقضية الجنوبية بعض القضايا وهي كالتالي: أولاَ- نظام الحكم في منتصف شهر5 الماضي قدمت أغلب المكونات السياسة في فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار مقترح أن يكون نظام الحكم نظاما برلمانيا بدلا من النظام الأساسي وتم التصويت عليه، وكانت القوى تعتبر أن شكل الدولة في اليمن مختلطاَ، وهو ما جمد صلاحية الآخرين وأصبح النظام أشبة بالنظام الرئاسي المتفرد بالقرار، وطيلة الفترة السابقة بنظامه المختلط لم يؤتي ثمار البلد؛ بل وصلت البيئة السياسية إلى الانسداد والأزمة الخانقة، فقد سعت أحزاب اللقاء المشترك بجهد مستميت في عدم تكرار إعادة النظام المختلط بما في ذلك النظام الرئاسي الذي يعيد سلطة الفرد إلى النظام والهيمنة والتفرد في القرار مرة أخرى. ذاك ما تخشاه قوى المعارضة التقليدية( اللقاء المشترك) في إعادة صياغة الفرد في الحكم، وهو ما بدا جلياَ حين اتفقت أغلب الأحزاب على رفض النظام الرئاسي، واتجهت نحو النظام البرلماني، وحين قدمت المكونات السياسية رؤاها حول شكل النظام السياسي للدولة أجمع الأغلبية على إقرار النظام البرلماني الذي يسلب من الرئيس فردية القرار والتشريع، وجعل رئاسته رمزية لها صلاحيات محددة بعيدة عن التشريع والتنفيذ، وجعل الحكم والصلاحيات للبرلمان. غير أن مطلع الأسبوع الجاري تسربت معلومات تقول إن الرئيس هادي أثناء اجتماعه بلجنة التوفيق أمر بأن يكون النظام رئاسيا عوضا عما كان قد اتفق عليه في فريق بناء الدولة، أن يكون برلمانيا، وهو ما فجر خلافا مرة أخرى واتهمته بعض أفراد الحوار أنه في ذلك إيعاز من الخارج مجاراة للنظام الرئاسي في الدول الرأس مالية، إضافة إلى عدم سحب البساط من تحت هادي وتقليص من سلطته لاسيما وقد أصبح موضوع التمديد حاصلاَ في الواقع، لكن مع هذا الخلاف يبقى موضوع الحسم بعد أن يتم البت في موضوع القضية الجنوبية. ثانياَ- شكل الدولة وأقاليمها رغم أن تقرير شكل الدولة من خصوصيات فريق بناء الدولة إلا أن أصوات الحراك الجنوبي المنادي بالانفصال ضلت محل تريث حتى تتم المفاوضات مع ممثلي الحراك في فريق القضية الجنوبية، وخلال الأشهر الماضية وضعت أربع نماذج لشكل الدولة في اليمن وهي: دولة محلية واسعة الصلاحيات، تقرير المصير وفك الارتباط، أو اتحادية من إقليمين، أو فدرالية من عدة أقاليم، وباعتبار أن الخيار الأول والثاني لم يعد مطروحا غير أن الحراك الجنوبي أصبح متمسكا بدولة اتحادية من إقليمين، وهو ما لم تقبله أغلب المكونات والأحزاب السياسية التي تعتبره بداية للتشظي وتجيير اليمن إلى شطرين فيما بعد، إذ أن خيار الدولة الاتحادية من عدة أقاليم هو الفكرة التي أصبحت محل توافق لدى الجميع عدا الحراك الجنوبي. وعلى الرغم من أن ذلك الاتفاق حسب الرؤى التي قدمتها الأحزاب قد أفرغ منه الا أن الحراك رفض تقديم أية رؤية في البداية، حتى أيقن أنه لم يعد مجديا خيار الانفصال قاطع بشكل مفاجئ مؤتمر الحوار بعد إجازة عيد الفطر غير أن رجوعهم ممثلا بمحمد علي أحمد كان عبر ضغوطات دولية وأممية وصفقة لم تتضح ملامحها سوى تشكيل لجنة مصغرة وكتابة وثيقة كانت قد أعدها سراَ حسب ما يعتبره مراقبون من جمال بنعمر وهادي وبعض القيادات السياسية في اليمن، وحين تشكلت اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية في 10 سبتمبر الجاري والتي عرفت فيما بعد بلجنة (8+8) رجع الحراك الجنوبي للحوار وكان أحد شروطه الندية والرقابة الأممية فكانت التمثيل مناصفة ويمثل حضور مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر جميع جلسات اللجنة بمثابة الرقابة الخارجية على سير التفاوض بين الشمال والجنوب. لم تمضي اللجنة أكثر من إعلان تشكيلتها حتى دخلت القوى في خلاف بين من يُمثل اللجنة وصيغة التفاوض فيها، فقد رفض حزب المؤتمر التفاوض بصيغة شمال وجنوب والندية والتي قال إنها تُشرعن للانفصال، واتهم جمال بنعمر الأسبوع الماضي بـ”الكاذب” حسب ما نقل عن موقع “المؤتمر نت” التابع للحزب، وظلت أحزاب اللقاء المشترك تعبر بصوت منخفض بما يتعلق باللجنة أو أي تعديل فيها وهو ما يمكن القول إنها لم تعترض بشكل رسمي على صيغة اللجنة المصغرة وصيغة التفاوض فيها. وبعد تشكيل اللجنة تم الكشف عن الوثيقة التي يتم الاتفاق عليها من قبل القوى السياسية لحل القضية الجنوبية وهي تنص على مرحلة تأسيسية تسبق الانتقال الكامل إلى الدولة الاتحادية الجديدة يتمتع فيها الشعب في الجنوب بتمثيل نسبته 50% في كافة الهياكل القيادية، وتتكون مسودة المخرجات، من خمسة محاور: الأول: معالجة مظالم الماضي؛ والثاني: مبادئ صياغة الدستور؛ والثالث: آلية هيكلة الدولة الاتحادية، والرابع: الترتيبات التأسيسية (للفترة الانتقالية)؛ أما الخامس والأخير: دور الأمم المتحدة في الدعم للمرحة القادمة والرقابة عليها. وفيما يتعلق باستكشاف وإدارة الموارد الطبيعية، بما فيها العقود والعقود الفرعية المرتبطة بالاستكشاف، منحت الوثيقة مسؤوليتها لـ”السلطات في الولاية المنتجة بالتعاون مع السلطات في الإقليم والسلطة الاتحادية، وفق ما ينص عليه قانون اتحادي”. ويدخل ضمن المبادئ العامة للحلول التي أشارت إليها الوثيقة، أنه “خلال المرحلة التأسيسية التي تسبق الانتقال الكامل إلى الدولة الاتحادية الجديدة، يتمتع الشعب في الجنوب بتمثيل نسبته خمسين في المائة في كافة الهياكل القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بما فيها الجيش والأمن ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا وكذلك خمسين في المائة من أعضاء مجلس النواب”. بعد أن عرض الوثيقة على القوى السياسية في اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية أبدى الحراك الجنوبي اعتراضه على الوثيقة باعتبار أن الشعب الجنوبي هو صاحب الحق في تقرير المصير واستعادة دولة الجنوب، لكن يبدو أن الحراك الجنوبي لن يستمر متمسكاَ بهذا الموقف ولكن توجهه هذا يعمل على رفع سقفه حتى يتم الخروج من الحوار بأقل التنازلات وأكثر المكاسب، وأما حزب المؤتمر فقد أظهر نفسه متمسكاَ بالوحدة ورفض التفاوض الشمالي الجنوبي، وقد قالت بعض القوى إن الرئيس السباق علي عبد الله صالح هو من يقف وراء عرقلة الحوار وذلك بالظهور كالمتمسك بالوحدة، غير أن حزب المؤتمر استطاع أن ينتزع الأسبوع الماضي عدة تعديلات على الوثيقة، ووافقه اللقاء المشترك على تلك التعديلات، ومنذ الأسبوع الماضي لا تزال اللجنة المصغرة (8+8) تناقش التعديلات التي قدمها حزب المؤتمر ولا يخرج مما يدور في هذه اللجنة سوى تسريبات وشائعات إعلامية غير رسمية نتيجة لعقد لقاء أعضائها بشكل منعزل عن الإعلام، وأما الحوثيون فيحاولون المضي بشكل متوازي مع مظلومية الجنوبيين، فقد رفض ممثلوهم في الحوار التوقيع على التقارير النهائية في الفرق التسع التي من المقرر رفعها خلال هذا الأسبوع، وسلم الحوثيون رسالة إلى الأمانة العامة للمؤتمر أنهم لن يوقعوا حتى يتم التالي: “العمل على إصدار قرار جمهوري موحد بالتعامل مع شهداء الثورة والحراك الجنوبي السلمي وحروب صعدة بمعايير موحدة دون تمييز، الاتفاق على شكل الدولة وعلى المرحلة التأسيسية بحسب ما طالبت به الكثير من المكونات داخل الحوار، تعويض أنصار الله في كل مؤسسات وأجهزة الدولة عن فترة الإقصاء والتهميش التي تعرض لها كوادرهم واستيعابهم في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية أسوة بالأحزاب”. انتهاء الفترة.. فماذا بعد الحوار انتهت فترة الحوار الرسمية لكن تبقى فرضية التوافق على الوثيقة هي محل جدل وإن تم الاتفاق عليه فإنه من المقرر أن يدخل المشهد السياسي اليمن مرحلة لا تقل جدلا عما سبق فالدستور قبل أن يكتب سيتطلب إعلان رئيس الجمهورية لأسماء اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد، حيث يفترض أن يخرج المؤتمر بتحديد أسس ومواصفات وقوام لجنة الصياغة هذه بشكل نهائي. كما يفترض بعدها أن يعلن الرئيس الأسماء لتستمر اللجنة في عملها فترة ثلاثة أشهر، تنتهي خلالها من إعداد مسودة لمشروع الدستور الجديد الذي سيعرض أولا على رئيس الجمهورية للموافقة أو التعديل، وبعدها يعرض على الشعب للاستفتاء، ثم بموجبه تخاض الانتخابات العامة والرئاسية. وفي حال تم التوافق على الدستور فإن الانتخابات ستتم في شهر فبراير من عام 2014م وحسب ما قاله بنعمر في لقاء الأسبوع الماضي لا يمكن تحديد ما إذا كانت هناك انتخابات رئاسية أم برلمانية، وفي ذلك إشارة إلى احتمالية عدم الانتخابات الرئاسية وفرض تمديد للرئيس هادي تحت مسمى فترة تأسيسية لمدة 5 سنوات، وهو ما أصبح شبه مؤكد ومتوافق عليه لدى أغلب القوى السياسية، عدى حزب المؤتمر والحراك الجنوبي الرافض لأية فترة تمديد تحت مسمى “فترة تأسيسية”، كما تتحدث شائعات أخرى عن تحويل أعضاء مؤتمر الحوار إلى “هيئة تأسيسية” تواصل أعمالها خلال الفترة القادمة -إما بالنيابة عن مجلسي (النواب والشورى) أو إلى جوارهما حتى الانتخابات القادمة”. غير أن هناك من يستبعد أي تمديد تحت أي مسمى كون الدعم المالي من قبل الدول الراعية قد انتهى وعدم وجود أي دعم آخر لمواصلة أية فترة خارج مؤتمر الحوار، وأيا تكُـن الخيارات القادمة سواء كان ثمة تمديد أو عدمه يبقى خيار البحث عن دولة على المدى البعيد مستمرا في الوقت الذي يتحتم على المواطن تحمل مزيد من عبء نزاع الصراع السياسي البعيد عن حاجته الأساسية للعيش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى