محلية

مديرية قفلة عذر.. طريقُ الحوثيين لتحقيق حلمهم بالسيطرة على عمران والوقوف على مشارف العاصمة

حصن "نواش" التاريخي في قفلة عذر والذي نصب فيه يحيى بن حميد الدين نفسه إماماً
حصن “نواش” التاريخي في قفلة عذر والذي نصب فيه يحيى بن حميد الدين نفسه إماماً

 

الرشاد برس- أحمد أبو سالم

 

في فترةٍ ما، من فترات الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتحديداً أواخر العام 2011، كانت جماعة الحوثيين المسلحة، تخوض غمار حروب شرسة، وغير معلنة، تطمح من خلالها توسيع رقعة تواجدها الجغرافية، بعد أن نجحت سريعاً في السيطرة على محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها.

 

 

 

قُوبلت تلك الطموحات، بمواجهات عنيفة من قبل مسلحي القبائل، بموازاة استخدام الحوثيين للقوة والمال والترغيب والترهيب، وبمعاونة قيادات في النظام السابق -كما قيل حينها-، الأمر الذي ساعد الجماعة في النجاح والسيطرة على بعض المناطق المستهدفة، كما هو الحال بمديرية «قفلة عذر» إحدى المديريات التابعة إدارياً لمحافظة عمران. وفشلت الجماعة في حروب أخرى كتلك التي جرت في محافظتي «الجوف، وحجة»، وأجزاء أخرى من محافظة عمران.

 

 

 

أحكم مسلحو الحوثي قبضتهم الحديدية على مديرية القفلة، وبسطوا سيطرتهم الكاملة على كل شبر فيها، بعد أن دفع أبناء المنطقة الثمن غالياً، ولا زالوا يدفعونه، جراء مواجهتهم لسلطة خارج السلطة الشرعية والدولة المركزية التي يعقدون عليها الآمال في إنقاذهم من معاناتهم الحالية.

 

 

الهدف الاستراتيجي للسيطرة

 

مديرية القفلة التي تبلغ مساحتها 495 كيلو متر مربع، كانت أكثر الجبهات صموداً إلى صف حكم الإمامة، بل إن «حصن نواش» التاريخي، أحد أكبر مآثر المديرية، كان المركز الرئيسي الذي ادّعى منه يحيى بن حميد الدين أحقيته بالإمامة، عقب وفاة والده الإمام المنصور بالله محمد عام 1904م، واستدعى علماء الزيدية المشهورين في عصره ليُنصبوه إماما، ولهذا الارتباط القديم، رأت جماعة الحوثيين المسلحة أن احتلال المديرية يمثل أولوية تمكنها من التمدد إلى مناطق أخرى.

 

تعتبر منطقة القفلة الممر الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، لتسع مديريات محيطة بها من مختلف الجهات أغلبها من محافظة عمران، ومديريتين تتبع محافظة حجة، حيث يحدها من الشمال مديريتي حرف سفيان والعشة، ومن الجنوب مديريات: شهارة، وظليمة حبور، والمدان، وصوير، ومن الشرق مديرية العشة، ومن الغرب مديريتي وشحة وكشر من محافظة حجة.

 

 ويسهِّل موقعها الجغرافي هذا، على جماعة الحوثيين تحقيق هدفها في فرض حصار خانق على هذه المديريات، كونها همزة الوصل وأداة الربط بينها.

 

 يتشابه كثيراً الموقع الجغرافي لمديرية القفلة مع موقع جبل مرّان بمحافظة صعدة، الذي شكّل النواة الأولى للحوثيين في سيطرتهم على أغلب مناطق محافظة صعدة، وهو ما يحلم به الحوثيون من استهدافهم للقفلة، في أن تكون منطلقاً ليس للسيطرة على محافظة عمران فحسب، بل لتكون منفذاً إلى مناطق في حجة وضمان سهولة وصولهم ووقوفهم على مشارف عاصمة الدولة صنعاء.

 

 

 

عقب السيطرة على مديرية القفلة، التي يبلغ عدد سكانها، حسب آخر إحصائية رسمية، 39 ألف و662 نسمة، باشرت جماعة الحوثيين تنفيذ هدفها المذكور، وفتحت جبهات في مناطق بمحافظة حجة، وأخرى باتجاه العاصمة صنعاء ومركز محافظة عمران، التي كان آخرها مواجهات «دنان»، و«خيوان».

 

 وفي كل تلك الحروب شكّلت مديرية القفلة خط الإمداد وغرفة العمليات لإدارة الحروب في مختلف الجبهات.

 

 

القفلة.. نموذج مصغّر لمُمارسات الحوثي في صعدة

 

لم يعد خافياً، اقتصار كل المناصب والوظائف الرسمية بمحافظة صعدة على المنتمين والموالين للجماعة، وتم إقصاء كل من يخالفهم أو حتى لم يُدِن بالولاء لهم.

 

 ميدانياً، لا يرى الزائر لمحافظة صعدة أي نقاط عسكرية أو أمنية تتبع مؤسستي الجيش والأمن، وتمتلئ الطرق المؤدية إلى المحافظة وشوارع المدينة بالنقاط التابعة للمسلحين الحوثيين دون غيرها.

 

 الأمر ينطبق تماماً على مديرية القفلة بمحافظة عمران، حيث يُمسك بزمام الأمور قادة حوثيين، بدءاً بمنصب مدير عام المديرية الذي يشغله «مصلح الوروري»، أحد الخاضعين للجماعة، وانتهاءً بأصغر موظف إداري في الهيكل التنظيمي للمديرية.

 

 

تُحيط نقاط الحوثيين بمديرية القفلة، وتتواجد بعض تلك النقاط في «ذو نحزه، وذو مشري، والسكيبات، والمشهد، والخط الفرعي لقطبين، ومداخل مركز المديرية».

 

 

 

وتحولت مدارس المديرية ومؤسساتها الحكومية، حسب سكان محليين، إلى مقار رئيسية لمقاتلي الجماعة، وتم مسح الشعارات الوطنية وأعلام الجمهورية اليمنية لتُطلى جدران المدارس بشعارات الحوثيين المتضمنة اقتباسات من أقوال مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وخلفه في قيادة الجماعة شقيقه عبدالملك الحوثي، إضافة إلى شعار ما يسمى بـ«الصرخة».

 

 يحتل الحوثيون غالبية المدارس، ليستخدموها كسجون أو محاكم قضاء تابعة لهم، وغالبية تلك المدارس أصبحت الأماكن المفضلة لمبيت المسلحين الحوثيين الوافدين من مناطق مختلفة، ليناموا فيها ويمضغون القات.

 

 يُجبر الحوثيون أبناء المنطقة على دفع الزكاة لهم، وعدم توريدها للجهة الرسمية في الدولة. حيث تراجعت واردات مديرية القفلة على ما كانت عليه قبل سيطرة الحوثيين إلى أكثر من 50%، حسب إفادة مدير الواجبات بمحافظة عمران يحيى الريدي.

 

 

وقال الريدي لـ«المصدر أونلاين»: إن ما تورده المديريات التي يسيطر عليها الحوثيون، مثل مديريتي القفلة وحرف سفيان، لا يمكن مقارنته مع ما كان يُسلّم في السابق.

 

 وأرجع مدير عام الواجبات هذا الفارق في العجز، إلى عدم توريد كل المبالغ المحصّلة من هذه المديريات، ووجود جهة أخرى تُورد لها غالبية الأموال التي يُسلمها المواطنون.

 

 

 

إلى ذلك نزح الكثير من أبناء القفلة جراء الحروب التي شنها مسلحو الحوثي على مناطقهم، فيما لم يستطع غالبيتهم، النزوح، لانعدام أي موارد دخل لهم غير مزارعهم التي لا يستطيعون مفارقتها، وهو ما دفعهم لمهادنة الحوثيين والرضوخ لأمر الواقع الذي تحكمه القوة.

 

 

وشكا يحيى قاسم الفقيه، وهو أحد النازحين إلى مدينة عمران، تعسفات طالته من قبل جماعة الحوثيين أدت إلى فراره من منطقته في «ذو عصيده»، ونزوحه مع عشرة من أفراد عائلته.

 

 

وقال لـ«المصدر أونلاين»: رفضْتُ نقطة تفتيش للحوثيين أمام منزلي فقاتلوني وطردوني بعد أن قتلوا أحد أولاد عمي بسبب وقوفه إلى جانبي.

 

 

وأضاف الفقيه «نهبوا سيارتي وأخذوا كل ما في بيتي، ومكثوا محتلين له 20 يوما، وأقاموا نقطة وموقع عسكري لهم إلى جواره بعد أن أخلوه ولا زالوا إلى الآن متمترسين جنب البيت».

 

 

 

ووصف الفقيه وضعه الحالي بـ«السيء»، وقال «منذ أكثر من سنتين وأنا أعيش كأني في سجن»، مطالباً، في الوقت ذاته، الدولة بإعادته إلى منزله وبسط نفوذها على منطقة القفلة التي «باتت مُحتلة من قبل مسلحين من خارجها».

 

 

غياب كامل للدولة

 

اعتذر مدير أمن محافظة عمران العميد محمد طريق عن إعطاء أية معلومات لـ«المصدر أونلاين» عن الوضع الأمني في مديرية القفلة، بحجة عودته قريباً من الخارج، ولا تتواجد لديه معلومات، على حد قوله.

 

 أحد النازحين من حرب الحوثي يصف وضعه بـ«السيِّئ» ويطالب الدولة بإعادته إلى منزله وطرد المسلحين وبعد إصرار عليه بالحديث عن مدى تمكن أجهزة الأمن والجيش في المديرية من أداء مهامها، اكتفى العميد طُريق بالقول «يا أخي.. وضع الجيش والأمن في القفلة مثل وضعه في صعدة».

 

 

وعلى بُعد مئات الأمتار من مركز مديرية القفلة، يتمركز أحد أقوى الألوية العسكرية في محافظة عمران ويُعرف باللواء «127 مشاه»، بقيادة العميد جهاد علي عنتر.

 

 

 

لم يُسجل للواء أي موقف اتخذه في وجه الزحف المسلح لجماعة الحوثيين، سواء أثناء سيطرتهم على مديرية القفلة مطلع العام 2012، أو خلال الحروب الدائرة حالياً بين القبائل والحوثيين في مديريتي العشة وحوث. ولم يرد قائد اللواء العميد جهاد عنتر على اتصالات «المصدر أونلاين» لهاتفه.

 

 لكن ضابط أمن اللواء عبدالله القاضي قال: إن اللواء يقف موقف الحياد، ولا صحة لما يُقال عن انحيازه لأي طرف.

 

 

وعن سلبية موقفه المحايد وعدم التدخل قال القاضي في اتصال هاتفي مع «المصدر أونلاين»: لا يمكننا أن نتدخل من ذات أنفسنا، ونحن ننتظر لتوجيهات من وزارة الدفاع ورئيس الجمهورية.

 

 ويعتبر سيطرة الحوثيين على مديرية القفلة بمثابة السند وخط الإمداد لهم في جبهاتهم الأخرى،ولا تقتصر آثار سيطرتهم تلك على تهجير المواطنين وجعل مؤسسات الدولة في شلل من أداء وظائفها، بل يمتد الأمر إلى ما تقوم به من تغذية للصراعات وإذكاء لثارات قديمة بين قبائل المديرية.

 

 حيث دفعت جماعة الحوثيين، أكثر من مرة، قبيلتي «ذو فايز، وذو قاسم»، وقبيلتي «ذو أبو عليي، وذو شبيلي»، للاقتتال، وزادت من لهيب مواجهات تلك القبائل بوقوفها ودعمها لقبيلة معينة.

 

 وفي أكثر من بيان، طالبت قبيلة عذر، الواقعة في الإطار الجغرافي للمديرية، السلطات الأمنية وأجهزة الدولة بضرورة استعادة هيبتها في المنطقة، وعدم السماح لأي جماعة مسلحة بتنصيب نفسها حاكمة على الناس ومُسلطة سيوفها على رقابهم.

………

نقلا عن المصدر أون لاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى