مقاربات سياسية لتمكين المرأة في اليمن
نسيم الفيل
إن التنمية الحقيقة هي التي تركز على الإنسان باعتباره وسيله وهدفاً، والتي لا تتحقق إلا بالنهوض بالذات البشرية من كهنوت الجهل السائد منذ عصور، ليستنير بمختلف العلوم التي من شأنها توسيع مداركه وجعله عنصر فعال في مجتمعه، ولهذا دخلت الأمم في سباق تنموي وتولدت العديد من المقاربات للطرق المثلى للتنمية الحقيقية فأجمعت على أن الإنسان هو اللبنة الأساسية والأولية لتنمية أي مجتمع، فهو جوهره وكيانه الذي يشكل تركيباته المختلفة وفقاً لما لديه من مخازن معرفية وتكوينات اجتماعية، وأقرت بأن الرجل والمرأة شركاء في ذلك، فبدأ كل مجتمع بدفع عجلة تنميته واتخذت مجموعة من التدابير منها ما يَصُب في تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت تظلها تحت مظلة المساواة الاجتماعية بين الجنسين فحظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام على الصعيد العالمي والمحلي، و أشار المجتمع الدولي إلى حجم التمييز والتهميش الذي يطال المرأة ومدى انعكاس ذلك على تطور المجتمعات وفق منظورها الذي لا يتكيف مع الطبيعة المجتمعية والدينية المختلفة باختلاف المجتمعات، فكثفت الأمم المتحدة مجهودها لتعميم مجموعة من المفاهيم والمشاكل التي لا بد من حلها في المجتمعات العالمية و بالأخص في مجتمعات الدول النامية ومنها المجتمعات العربية، وسنت حزمة من القوانين الوضعية التي من شأنها إعطاء المرأة حقوقها في نطاق محدود إذا تعارضت مع السياسات والمصالح الخاصة بالدول العظمى في عالمنا.
فبعد أن أدركت هذه الدول أن حربها حرب عقائدية وفكرية قبل أن تكون عسكرية بدأت تتغلغل في نسيجنا المجتمعي جاهده لهدمه، وتقويض موروثاتنا وعقيدتنا، من هذه القوانين قانون الكوتا أو الحصص وهي تقنية تستعمل لتوفير فرص عمل للفئات الأقل حظاً داخل المجتمع مثل الأقليات، وتعد تدبير مرحلي مؤقت لتحسين مشاركة المرأة على الرغم من كونه يتنافى مع مبدأ المساواة أمام القانون وكذلك مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، وأيضاً لمفهوم سيادة الأمة الذي بدوره يتعارض مع أي تقسيم فئوي للناخبين والناخبات ويقتضي أن يكون الاقتراع عاماً ومتساوياً ومن هنا بدأت المتناقضات في الظهور.
ففي برنامج عمل بيكين والصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأه المنعقد بالصين سنة 1995م والذي صادقت عليه 189 دولة طالب بتعزيز حقوق المرأة والرجل على حد سواء في ممارسة العمل السياسي، وبشكل مناقض طالبت في ذات الوقت بضرورة تمثيل المرأة بنسبة 30% في المجالس المحلية والبرلمانية وفي مختلف مواقع ومراكز القرار الأخرى ومراجعة التأثير المتغير للنظم الانتخابية على التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات المنتخبة والنظر عند الاقتضاء في تعديل هذه النظم وإصلاحها وبهذا فإن البرنامج قد استهان بقدرات المرأة بأن فرض لها نسبة معينة يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص وبموجب ذلك فهو تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقاً اعتماداً على اعتبار النوع لا الكفاءة، واعتماد هذه التقنية قد يؤثر سلباً على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل ويعتبر أيضاً تشويشاً على الممارسة الديموقراطية كونه يفرض على الناخبين مسبقاً الاختيار بين مرشحات فقط وبهذا فهو يفرغ الممارسة الديموقراطية لأنه يؤدي إلى معرفة النتائج مسبقاً ولو بشكل جزئي، وبهذا فإن الانتخابات لن تستند على برامج وكفاءات بل على قرارات وتدابير فوقية تمنح المرأة نوع من المفاضلة في مواجهة الرجل.
صحيح بأن هذه التقنية قد حظيت باهتمام ملفت داخل الأقطار المتقدمة منها والأمية والتي ضمنتها في دساتيرها وقوانينها الانتخابية والحزبية، كذلك هنا في اليمن التي جعلت من هذا القانون قضية محورية تناقش في قاعات الحوار الوطني وعمد البعض على اهتمام مبالغ فيه، متناسين قضايا محورية كان لا بد لهم من أن يشغلوا وقتهم بحلها بدل أن يلتفتوا لقوانين لا طائل منها في المرحلة التي تمر بها البلد ظناً منهم أنهم بهذا سيواكبون ثمانين دولة أخرى اعتمدت هذا النظام كجنوب أفريقيا و إريتريا وغانا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وبريطانيا وبلجيكا وفرنسا وبنغلادش وسيرلانكا وأندنوسيا وغيرها من الدول إلا أن خمسة عشر دولة فقط هي من تمكنت من تجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30%.
إن كانت المرأة تحتاج قانون يساعدها للوصول إلى مواقع القرار اعتماداً على النوع لا الكفاءة فمن أين لهن تقنينات تتخذ القرار نيابة عنهن حتى ينجحن في مواقعهن، المجتمع اليمني الآن يمر بمرحلة حاسمة لا تعتمد على المناكفات السياسية والمحاصصة ولا على مجاراة من حولنا و إسقاط تجارب الآخرين على واقعنا المتخلف في شتى المجالات.
لهذا فإن مما لا شك فيه أن إسهامات نظام الكوتا في التأهيل السياسي للمرأة تجد أصولها و إغراءاتها في عدد من النُظم الديموقراطية أخرى التي اعتمدتها منذ سنوات، ذلك أن المجتمع اليمني باعتباره مجتمع ذكوري وهو ما لا يخدم مشروع الدولة ذو الكفاءات بل يعمل على تقويضها، غير أن المقاربة الصائبة والتأهيل السياسي الحقيقي للمرأة لا يمكن أن يتم إلا في سياق إصلاح مجتمعي أخلاقي تعليمي تأسيسي شامل يكفل إعادة الاعتبار والثقة للمرأة خاصة و أن عكس ذلك قد يكلف المجتمع اليمني خسائر مختلفة على المدى المتوسط والبعيد.