مقالات

ملاحظات على الخطاب الوعظي”

بقلم / عمار العريقي
#- لايخفى ماللخطاب الوعظي من سلطة في إحياء القلوب وتزكية النفوس وترك المنكر وفعل المعروف (يعظكم لعلكم تذكرون),
فالوعظ بنص الآية من أعظم وسائل التذكير وكذا التأثير والتغيير, فلايجوز التقليل منه كما تفعل بعض النخب المثقفة، كما دلت الآية الكريمة على أنه من صفات الله تعالى (يعظكم)،و من صفات نبينا الكريم(فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا)،وهو المقصود ايضا من الأحكام الشرعية حيث كثيرا ماترتبط الآيات القرآنية بالوعظ نحو ختمها ب: (لعلكم تتقون ..تذكرون).
– إلا أنه رغم مايحظى به الدعاة من مصداقية وانتشار على مستوى المساجد وخطب الجمعة خاصة ووسائل التواصل والإعلام ..فكثيرا ما يشين خطابهم الوعظي ويقلل من تأثيره تلبسه ببعض الاختلالات ولعل من أبرزها:
– مخالفة قول الواعظ لفعله؛ مما يفقد الواعظ مصداقيته و ينفر الناس عنه وعن دعوته، كالذين يدعون إلى تحقيق الأخوة و اجتماع الكلمة ومكارم الأخلاق من شجاعة وزهد وإيثار بأقوالهم، ثم يخالفون هذه الشعارات بصريح أفعالهم (لم تقولون مالا تفعلون)؟.
“و غير تقي يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي الناس و هو سقيم”.
مواعظ الواعظ لن تقبلا * حتى يعيها قلبه أولا
يا قوم من أظلم من واعظ
خالف ماقد قاله في الملا”؟!.
– كثير من الوعاظ يتحلون في الترغيب والترهيب بقوة التأثير والفصاحة وصدق العاطفة والحماسة، لكنهم يشينوها بضعف التأصيل العلمي فيعتمدون على الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة و يقعون في مخالفة القواعد والأصول العلمية مما أدخل على الناس البدع والمفاهيم الخاطئة والخلط بين الوعظي والفقهي والسياسي وغيره كالخطاب المحذر أصحاب الفواحش بمعاقبتهم في أهليهم في الدنيا قبل الآخرة محتجين بما يروى عن الشافعي :
” إن الزنى دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم.
من يزن يزن ولو بجداره
إن كنت ياهذا لبيبا فافهمِ”.
وهو مبني على حديث موضوع كما حكم عليه السيوطي والألباني.
ومثلها بطلان القصة المعروفة (دقة بدقة ولو زدت زادالسقا)،وهو مخالف لصريح قوله تعالى:(ولاتزر وازرة وزر أخرى).
ولذلك كثر ذم (القصاص) عند السلف وورد عن الإمام أحمد قوله :”ماأحوج الناس إلى قاص صدوق”.
– وكذا ميل البعض ل(للإغراق في المثالية) مثل الدعوى أو الإشادة بأن فلانا كان يصلي في الليلة بألف ركعة أو أكثر، وفلانا لم تفتة تكبيرة الإحرام منذ أربعين سنة. ويطًرد هذا حتى في تفسير الأزمات السياسية والاقتصادية واتخاذ الموقف الشرعي منها ،فيلجأ الكثيرون للسلبية والحيادية والبقاء في مربع السلامة تحت ذريعة اعتزال الفتنة من غير اعتبارل(قوانين السببية والسنن الكونية وفقه المقاصد والاولويات والموازنات)،أو ذم السياسة بإطلاق بدعوى أنها نجاسة و تقسي القلب وتثير العداوات، فأين هؤلاء من منهج وسيرة الأنبياء و سنن المدافعة والابتلاء وحديث (المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ..)
– يمكن للدروس والندوات العلمية أن تطول بخلاف المواعظ فإنها كلما كثرت و طالت أنسى بعضها بعضا وكان للملل والشيطان منها نصيب، ولذلك فقد أوتي نبينا الكريم جوامع الكلم واعتبر قِصَر الخطبة من مئنة الفقه وكان يتخول أصحابه بالموعظة في الأيام كراهة السآمة عليهم.
– تنفير الناس وفتنتهم بالتركيز على الترهيب أكثر من الترغيب والمبالغة في التهويل من المعاصي لدرجة حمل الناس على الشعور بعقدة الذنب و التقنيط من رحمة الله و التوبيخ والتقريع لهم بما قد يوهم التنقص لهم واتهامهم والترفع عنهم، في حال أن الأنبياء كانوا يخاطبون المدعوين بمثل(ياأبت ويابني وياقوم)وفيها تلطف و استعطاف لايخفى.
– غلبة لوثة (التصوف السلبي) عند البعض على الخطاب الوعظي وذلك بعدم تجديده بما يتناسب مع مشكلات وتحديات العصر حتى صار الخطاب ينبني على مخاطبة العاطفة فحسب وتغييب العقل مما يجعل التأثير مؤقتا وهشا في زمن المادة والعلم و لايربط الدين والآخرة بالدنيا أويحث للأسف على (الزهد) بمعناه السلبي في البعد عن الدنيا ومنها التزهيد عن طلب العلوم العصرية الأمر الذي يفضي لأن نكون سوقا استهلاكية لمنتجات الغرب وإهمال واجب العبودية و الاستخلاف للأرض وعمارتها بما يصلحها كما أمرنا الرب تعالى، والذي يصور (التقنية) كأنها زيف او (حضارة السراب) ويصور (المرأة) كأنها (محض عورة ومحل للشهوة فحسب ورجس من عمل الشيطان) لاتشارك أخاها الرجل في واجب الإصلاح والتغيير.
أحبتنا وتيجان رؤوسنا: لاشك أنه قد أعطينا فرصة في الخطب والمحاضرات وربما لم نحسن بالصورة المثلى استثمارها وها نحن بعد الظروف التي تمر بها بلادنا نشهد تقلصها وانحسارها، وإن أمانة الدعوة تقتضي ترشيد الوعظ وفق أصول الشرع وميزان المصلحة والواقع بما يسهم في إعادة تموقعها وانتشارها قبل ابتلائنا بضياعها وإهدارها.
فاللهم ارزقنا التوفيق والقبول والفقه في الدين واجعلنا هداة مهتدين يارب العالمين.
27/4/1440
7/1/2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى