مقالات

من الذي يحكم مـــصر؟!


اتصلت بي مجلة “آخر ساعة” لإجراء حوار يشمل: التركيز على مسئوليات الرئيس، وتوضيح تأثير الشعار المقصود به الهجوم على الرئيس وهو “الشعب يريد إسقاط النظام”. فهل للرئيس نظام سياسي ومؤسسات للحكم؟

– النظام السياسي -علميًّا ومنطقيًّا- يتمثل في: الرئاسة، والدستور، ثم السلطات الثلاث: التشريعية (البرلمان)، والقضائية، والتنفيذية (الحكومة)، ثم المؤسسات الأمنية: الجيش، ثم المخابرات العامة، ثم وزارة الداخلية، ثم الإعلام بشتى مؤسساته العامة والخاصة، ثم المؤسسات المالية وكبار رجال الأعمال، ثم رجال النخبة بشتى تنوعاتها.

هذا هو النظام المطلوب إسقاطه والذي يُفترض أن يمثل الحد الأدنى من أدوات الحكم للرئيس؛ فهل الرئيس يمتلك أدوات الحكم؟

– لا خلاف على أن مؤسسة الرئاسة تحت سيطرة الرئيس، لكن السلطة التشريعية -للأسف- تم تعطيلها بحل البرلمان، وذلك بالتعاون بين المجلس العسكري السابق والقضاء، وبدعم الإعلام، وذلك لإضعاف الرئيس (وهو الحاصل الآن).

ولو كان البرلمان موجودًا لما تجرأ أحد على محاولة تعديل الدستور بعد أسابيع من استفتاء الشعب عليه (لا مثيل عالمي)، وكذلك تغيير الحكومة، ثم الفوضى والبلطجة والاغتصاب دون رادع أمني قانوني إعلامي وخلافه، الأمر الذي جعل الرئيس مكشوفًا أمام فعاليات الثورة المضادة المتصاعدة منذ أسابيع. أيضًا القضاء بشتى هيئاته التي تم تشكيل معظمها تبعًا للنظام البائد، ويكفي هنا مثال واحد؛ حيث ألغي الدستور الجديد مبدأ الندب للقضاة للمؤسسات الأخرى مقابل أضعاف كثيرة من الراتب الشهري، وذلك مقابل الولاء التام لنظام المخلوع. وهو سبب أساسي للحرب على الدستور الجديد الذي ألغى استثناءات كثيرة أخري مماثلة.

– ثم تأتي الأجهزة السيادية والأمنية التي تمتلك القوة الفعلية على الأرض، والتي تمثل الخطر الأساسي على الثورات مثل: الجيش -الذي يحاول أن يتخذ موقفًا شبه متوازن- وأجهزة المخابرات العامة، والداخلية، ولا خلاف على أن هذه الأجهزة ما زالت متمردة على مطالب الثورة وعلي سيطرة الرئيس.

ثم الإعلام الذي يمثل رأس الحربة ضد الثورة والرئيس وصناديق الاقتراع، وبالمثل نفوذ كبار رجال الأعمال، وأيضًا شتى أنواع النخبة الثقافية والإعلامية وخلافه.

– وسأعطي مثالاً لتأثير منظومة الثورة المضادة؛ التعديلات الضريبية التي تم إصدارها ثم اضطر الرئيس لإلغائها، والسبب أنها كانت تنتصر للفقراء بفرض ضرائب على كبار رجال الأعمال (بالطبع دون أن تحولهم لفقراء) مقابل التخفيف على الشرائح الدنيا. تم الهجوم الإعلامي الكاسح على هذه التعديلات (الإعلام الخاص المملوك لكبار الممولين المتضررين من الضرائب)، وتم إثارة كل طبقات الشعب (حتى الفقراء) ضد الرئيس الذي اضطر للتراجع؛ لأنه يعمل بدون برلمان وبدون إعلام وبدون مخابرات وبدون أمن عام يمثل هيبة الدولة.

– الدستور هو الذي يمثل الثورة لكنه لا يمكن أن يترجم إلي مصالح للمواطنين إلا من خلال تفعيله من خلال مؤسسات وأدوات الحكم التي أوضحناها.

– “الشعب يريد إسقاط النظام” هذا الشعار لابد أن يعني حاليًّا إسقاط النظام البائد الذي تم التخلص من رأسه فقط وبعض رموزه، ونلاحظ الآن خروج كبار رموزه من السجون عن طريق القضاء المذكور.

– هل يوجد في العالم رئيس يتم الهجوم المتكرر على منزله بـ”المولوتوف” عن طريق حفنة من البلطجية، ويتم التطاول المستمر عليه إعلاميًّا بمنتهي السفالة؟! السبب هو أن معظم أدوات الحكم مضادة للرئيس.
– هناك صراع على الحكم بين نظام ديمقراطي قادم يعتمد على عامة الشعب وبين نظام ديكتاتوري ذاهب يعتمد على شبكة النفوذ الفاسدة التي تم تأسيسها خلال عقود.

– لا خلاف -عالميًّا- على أن “المسئوليات مقابل الصلاحيات”؛ فلا يمكن أن يتولي أحد مسئوليات بدون صلاحيات متكافئة.

– المخلوع كان يتمتع بصلاحيات خرافية فوق التصورات، وبدون أدنى مسئوليات؛ فأية كارثة مهما كانت (مثل: موت ألف مواطن في عبارة السلام) كانت تنسب لأحد تابعي المخلوع، وكانت البطالة والفقر ينسب للزيادة السكانية، في حين أن أي إنجاز كان ينسب للمخلوع (حتى في كرة القدم). لقد كان المخلوع هو “المسئول الأعظم الوحيد غير المسئول”، والرئيس مرسي يمثل العكس تمامًا من حيث: المسئوليات، والصلاحيات، وأدوات الحكم. فمَن مِن مرشحي الرئاسة كان يمكنه أن يتحمل ذلك بدون امتيازات مادية ولا أدبية ولا عائلية، ويستطيع تنحية العسكر، وإقرار الدستور، والمضي قُدُمًا لتأسيس البرلمان؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى