مقالات

نصارع للحضارة أم نصارع الحضارة ؟

للشيخ /الدكتور
عبدالوهاب الحميقاني
حفظه الله…..

مشكلتنا نحن المسلمين في القرون المتأخرة وإلى الآن
أننا عجزنا حضاريا عن تقديم الإسلام بعقيدته وأحكامه ومبادئه وقيمه إلى العالم
لا عمليا في نظام مجسد واقعا يراه الشرق والغرب
ولا نظريا كمنظومة إصلاحية متكاملة منقذة للبشرية
وإنما تقديمنا للإسلام كان فقط من خلال مواقف دفاعية عن أحكام وقضايا معينة هنا وهناك و في إطار من الجدل والخصومة والتهجم والتشنج مما شغب على سماع صوتنا
فظهرت أحكامه للآخرين كقطع مبتورة أو كلبنات متناثرة لا ترى في لوحة أو بنيان
مع ما يشوب ذلك الدفاع من حملات تشويه لهذه الأحكام من خصوم الإسلام داخليا وخارجيا
مع ما يعتري هذه الأحكام من سوء تطبيق من بعض المسلمين
مع ما يلحق هذه الأحكام من منفرات لسوء في الخطاب وتعنيف في الجواب من بعض المدافعين عن الإسلام لا سيما أحداث الأسنان كبار العاطفة صغار الفقه
هذا وغيره
جعل الإسلام مُبَعدا عن مركز التأثير في إصلاح منظومة البشرية الإنسانية والسياسية والإقتصادية والثقافية والحقوقية
وكان التأثير الأكبر في الحضارة الإنسانية المعاصرة هو للحضارة الغربية الحديثة
إذ بادروا ورفعوا راية الإصلاح والحقوق والإحتساب
على البشرية كلها وقضاياها كلها
وصاغوا منظومة قيمية وتشريعية وحقوقية وعرفية دولية متكاملة
بعض منها أخذوه من ديننا وحضارتنا وبعضه من دينهم وحضارتهم وبعضه من أديان وحضارت أخرى
لكنهم صاغوه باسمهم وباسم حضارتهم
وكان لهم حق الإخراج والإيلاج
ففرضوها وعمموها ورفعوا رايتها ودعوا إليها
فرأى الناس من غيرهم فيها في ظل منظومات الاستبداد والاستعباد والانحطاط
دعاوى الحرية والمساواة والعدل والرفاة ووو حقوق الطفل والمرأة . والأسير . والجريح . والمنكوب والمشرد .. ..الخ
فشرأبت لها الأعناق وشخصت إليها الأبصار وأصغت لها الآذان
وتنادوا إليها هلموا إلى ما ترغبون
وكانت كثير من هذه المنظومة الغربية قيم حق وعدل
جبلت عليها الإنسانية أو توارثتها من الأديان السماوية أو التجارب البشرية النبيلة
مع ما حوت من قيم شاذة فرضتها جوانب من حضارة الغرب المعاصرة المتمردة على الفطرة
فمثلا أهم قانونين حقوقيين عالميين يحتاج لهما البشر
القانون الإنساني الدولي
نتاج غربي بحت عن اتفاقيات جنيف وما سبقها وما لحقها
والقانون الدولي لحقوق الإنسان
شقه المدني والسياسي نتاج غربي
وشقه الاقتصادي والاجتماعي نتاج سوفيتي
لكنه غربي المخاض والميلاد والرعاية والنمو
والمسلمون كانوا ولا زالوا خارج إطار التأثير
وإذا نظروا إلى هذه المنظومات
لا يرون فقط إلا الثغرات والمساويء التي فيها
وهذه النظرة الفاحصة الناقدة المصوبة
مطلوبة وجد ممتازة للحماية القيمية والحضارية
لكنها كانت ولا زالت قاصرة
ومفتقرة للنظرة النامية البانية المضيفة المكملة لما انتجه البشر
لا سيما والإسلام وأحكامه أسمى ما يتمناه بنو البشر
إذ فيه خير معاشهم ومعادهم
لكننا لم نقدمه للناس واكتفينا بالصراخ والبكاء عليه
والحوقلة وجر النفس وضرب كف بكف
والمتعمق في النوم كثيرا لا يرى إلا المؤامرة ولا يسمع إلا صراخ نفسه
كأنه منتظر لخصوم الإسلام ليقدموه للناس
جاهلا أنه ممدد في ساحة صراع الحضارات

عبدالوهاب الحميقاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى