مقالات

هل حان موعد تدمير دمشق؟

معـتز فيــصل

 

دمشق عاصمة التاريخ، وعاصمة الحضارة، وعاصمة الأبجدية، وعاصمة الفن، وعاصمة الشعر، وعاصمة الإسلام، وعاصمة كل الأديان. دمشق الأبية العصية التي تعلمت عبر التاريخ أن تمتص الغرباء وتذيبهم فيها حتى لا يبقى منهم أثر، لم تستطع بكل حنانها وحبها وعطفها وعطائها أن تذيب قلوباً قدمت من حجارة قادمة من فيحيح جهنم، أكلوا خيراتها واستمتعوا بمائها واستعمروا قاسيونها ومزتها، ولكنهم لم يعشقونها، ، هم لا قلوب ولا عقول ولا أحاسيس ولا مشاعر. تخلت لهم دمشق وأهل دمشق عن أجمل بيوتها وأروع دورها، طوعاً أو كرهاً، ظناً أنهم سيتحولون في يوم من الأيام إلى إخوة لهم في الوطن وإخوة لهم في حب دمشق، ولكن ولأول مرة في التاريخ، يستعصي الحقد على حب دمشق، ويأبى أن يتماهى مع مياه بردى ونسمات الربوة وأزهار الغوطة.
في لحظة ما سيبدأ نيرون بقصف دمشق بكل ما أعد من صواريخ ونار ولهب وعدة وعتاد، سيقصفها من قاسيونها، حيث خبأ أسلحته الفتاكة لا عن عيون إسرائيل، ولكن عن عيون الدمشقيين. وسيخرج منها كل الغرباء وسيرحل عنها الغاصبون وستهرب منها كل طفيلياتها التي عاشت كديدان العلق تمتص دماءها. سيرحل الغرباء وتبقى دمشق ويبقى أطفال دمشق، يغطون بأجسادهم العارية كل حارة من حواريها يحمونها من القذائف واللهيب، ستبقى بنات دمشق يحمين بشعورهن الطويلة أزقة دمشق العتيقة يفرشونها لتستر كل ذرات ترابها عن أعين الوحوش، سيبقى رجال دمشق يحملون سلاحهم صامدين يموتون واقفــــــين، وستبقى نساء دمشق يسندن جدرانها بأكفهن حتى لا تتصدع وتنهار. سيبقى كهول دمشق رافعين أيديهم إلى السماء يدفعون عن دمشق صواريخ المجرمين يتوسلون إلى ربهم ألا يًستشهدوا إلا على تراب دمشق. سيرحل الطغات كل الطغات عن دمشق بعد أن ينتهوا من التلذذ بمشهد حريقها، وسيرحل معهم كل شياطين جهنم، تاركين دمشق بظنهم جثة هامدة، ولكن هيهات، ها هي دمشق تهتز وتربو تغسلها أمطار أيار، وتسقيها دماء الشهداء، لتُنبت من تحت كل حجر زهرة ياسمين، ومن تحت كل لبِنة زهرة برتقال، ومن تحت كل دار مهدمة شجرة كباد، ومن تحت كل بركة دم يدٌ تبني دمشق الجديدة.
دمشق ستبقى وسيرحل كل من لا يحبها ومن معه، وسيرقب العالم هذه المعجزة مشدوهاً صامتاً، وسيأتي العرب والمسلمون خجلين مطيعين منحنية رؤوسهم، لا ، معتذرين من دمشق عن تخاذلهم، عن صمتهم، عن كذبهم، عن نقاقهم، عن خنوعهم، عن تآمرهم، ستضمهم دمشق وهي تبكي إشفاقاً عليهم لأنها تعرف أنهم هم الضحية المقبلة، هم هدف الفرس القادم بمكتهم ومدينتهم وأهراماتهم وأزهرهم وتطوانهم وقيروانهم وخليجهم. ستعاود نصحهم بأن يعزموا أمرهم ويكونوا مرة واحدة رجالاً يقفون صفاً في وجه الغزو الجديد، ولكن قلبها وخبرتها وتاريخها يقولون لها: ‘لا فائدة’. لا تتأملي منهم شيئا لا ترتجي منهم عقلاً ولا حكمةً، فهم هم قبل ثوراتهم وبعدها، وقبل سقوط بغدادهم وبعدها، وقبل دمار دمشق وبعدها. لن يفيقوا من سكرتهم قبل أن تسقيهم أنت من شراب الكرامة والعزة والحرية الذي تخلطينه من زهر الياسمين وعسل البرتقال والكباد والنارنج وماء بردى ودم الشهداء. ستقودهم دمشق إلى درب التحول، إلى طريق الوحدة وستنفي عنهم خَبَثهم وستخلصهم من طواغيتهم وستريهم كيف تعود بهم إلى قمة التاريخ.
لن يضير دمشق ما سيحدث، بل ستخرج كالعنقاء تنفض عنها غبار الحرب والدمار، ستخرج منتصرة في النهاية رغم كل ما حصل، وستشرق شمسها من جديد، وستعيد بناء نفسها بأيدي أبنائها الأصليين وأبنائها الذين أرضعتهم لبن بردى، وابنائها الذين تبنتهم واحتوتهم وربتهم وأحبتهم وأحبوها. لكن التاريخ لن يرحم من دمرها، ولن يرحم من تخلى عنها، ولن يرحم من تحالف مع أعدائها، ولن يرحم من وقف يتفرج عليها وهي تحترق.
صبراً أهل دمشق، فالفرج قريــــب وإن مع العســر يسراً، ولن يغلب عسرٌ يُسرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى