واشنطن وموسكو متمسكتان بالأسد، ولكن لكل طريقته
من يعرف الشعب السوري وكيف تصدى لفرنسا التي احتلت سورية عام 1920حيث اضطرها للرحيل منها سريعا عام1946 ورصاص الثوار يلاحق جيشها المنسحب، لا يستغرب صلابة الجيش الحر أبناء أولئك الثوار وهم يرغمون جيش بشار أسد على الانسحاب أمامهم بسلاحهم الخفيف إلا ما يكسبونه من جيش بشار.
وفي الوقت نفسه يتعجب المراقب من عناد موسكو التي فشلت في قراءة هذا الواقع فاستمرت بدعم بشار أسد وهي ترى جيشه ينهار يوما بعد آخر.
على أن واشنطن ليست أسعد حالا من موسكو في نظر معظم السوريين إليها، لكن من وجهة نظر أخرى. فموسكو سجلت على أنها تحارب جنبا إلى جنب مع بشار أسد بتزويده بالسلاح، وباستعمالها الفيتو لإنقاذه من سيف الفصل السابع.
بينما واشنطن يعتبرها السوريون تحارب إلى جانب بشار بمنعها وصول السلاح النوعي إلى كتائب الجيش الحر لتحييد الطائرات التي دمرت البلاد وقتلت العباد، وكأن واشنطن، بذلك، تمسك أيدي الضحية ليذبحها الجلاد.
فمنذ بداية الربيع السوري رأينا موسكو تعاند وتركب رأسها وهي تمد حليفها بشار أسد بالسلاح لعل وعسى أن يستطيع هذا أن يقهر السوريين فيعيدهم إلى العبودية والرق. ويبالغ هذا بتوحشه الذي فاق كل تصور، فيتصدى الثوار السوريون لذلك العناد وهذا التوحش رغم امتلاء الشوارع بالقتلى والسجون بالمعتقلين والبيوت تتهدم على ساكنيها، لا يخيفهم زيادة عدد القتلى والمعتقلين والبيوت المهدمة.
الشعب السوري ليس عنده أمل أن تكف موسكو عن عنادها أو يوقف بشار أسد توحشه، وأن على هذا الشعب أن يدافع عن حياته وكرامته بحياته، وليس هنالك حل آخر.
رأى العالم بشار أسد وحرسه الجمهوري الذين انتقاهم “على الصينية” من أهل الثقة من منطقته، ينتحرون كما تنتحر الحيتان على الشواطئ الرملية، وهم ينفذون “أجندة” وضعها حافظ أسد كي يلتزمها بشار، فلم يستغرب العالم، لأن بشار كان ينفذ أجندة فصلها حافظ أسد على مقاسه هو، وكان سيعدل فيها فيما لو واجه ما واجهه بشار، كما فعل في حلب عام 1980، عندما حاول المصالحة مع الإخوان المسلمين.
لم يستغرب المراقبون تخبط بشار أسد لأنه لا يملك خبرة أبيه ، لكنهم استغربوا عناد قادة موسكو وهم يكسبون كل يوم عداوة الشعب السوري. هؤلاء القادة لم يتعظوا مما حل بالجيش الأحمر في جبال أفغانستان وبعضهم عاصر ذلك.
فبعد تجربة عامين من ثورة السوريين على نظام الفساد والاستبداد، تأكد للجميع أن موسكو لا تناور، وأنها تعني ما تقوله وما تفعله، وأنها ذاهبة إلى آخر الخط حتى تشهد نهاية الصراع بين حليفها بشار أسد وغالبية السوريين، ولا يظهر أنها ستقدم المشورة لرأس النظام بأن ينجو بجلده قبل أن لا يكون أمامه فرصة لارتداء ملابسه وصعود الطائرة.
وليس موسكو وحدها من يراهن على جواد خاسر. فواشنطن تتوقع أن يصيب السأم الدول التي تدعم –ولو جزئيا- الثوار السوريين، وأنها قد تنصح من “تمون” عليه من بعض قادة المعارضة ليجلسوا إلى طاولة الحوار مع جلاوزة النظام، مع أن معظم قادة المعارضة صرحوا أكثر من مرة أنهم لا يملكون القرار ولا يملكون من أمر المعركة شيئا، وأن من يملك القرار هم قادة الوحدات المقاتلة (وجبهة النصرة واحدة منها).
وهاهو رئيس الائتلاف المعارض، أحمد معاذ الخطيب، يتراجع عن قبوله الجلوس للحوار مع ممثلي نظام بشار أسد حقنا للدماء، قائلا: إن تصريحه اجتزئ من سياقه، وأنه دعا لحوار للاتفاق على رحيل بشار.
واشنطن من جهتها تبذل قصارى جهدها لتستنسخ نظاما في سورية لا يضم الإسلاميين. وليس جبهة النصرة وحدها مرفوضة عندها فحسب، بل لا بد من قيام نظام، لا لون له ولا طعم ولا رائحة.
هنا يثور سؤال برسم الإجابة من واشنطن: إذا سلمنا أن ما يجري في سورية يحتم رحيل بشار أسد ونظامه عاجلا أو آجلا مع قيام حكومة معتدلة، فمن يوقف المد الثوري الذي يكتسح أمامه فلول النظام، ويقضم في طريقه البلدات والقرى التي يندحر عنها جيش بشار وشبيحته؟
هناك من يعتقد أن إدارة “أوباما” فقدت البوصلة التي استعملتها يوم أرغمت على الانسحاب من العراق، وكان “بوش” خطط للبقاء فيه طويلا، ليضخ مخزون النفط فيه إلى خزانة أمريكا. تريليونات الدولارات التي وفرتها إدارة الرئيس “كلينتون” اضطر بوش أن يصرفها أثناء وجود الجيش الأمريكي في العراق، ثم ليستدين تريليونات أخرى ما تزال الخزينة الأمريكية تئن تحت وطأة فوائدها. وهاهي إدارة أوباما تجهز السفن لترحيل المارينز الأمريكان عن أفغانستان.
لا نعتقد أن أوباما يفكر في حل سوري على طريقة “بوش” وأمامه “رأس الذئب المقطوع” في العراق. أما الثوار السوريون فالطريق أمامهم واضح: على بشار أسد أن يرحل، وسريعا، وعلى موسكو أن تفكك القاعدة البحرية في طرطوس، أو أن تتركها كغنائم حرب للنظام السوري الجديد الذي يخلف بشار، وبدون مقابل.
موسكو تعاند وتركب رأسها وهي تراهن على رئيس خاسر. أما واشنطن فتعتقد أن عليها أن “تعوّم” المعركة في سورية، ومن ينتصر في الأخير فهي جاهزة للتعاون معه. أما السوريون فقرروا أن يخوضوا المعركة من دون واشنطن. وحتى لو تخلى عنهم العرب، فمن صمد عامين يصمد عامين آخرين، وسيرى العالم من يقول “آخ” أولا، ومن يرفع الراية على أسوار دمشق.