مقالات

وقفات مع : الثبات والجمود. 

الرشادبرس_ مقالات

بقلم : د/محمدبن موسى العامري _ رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

أولاً :- الثبات من المعاني الشرعية ، الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة  ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ﴾ ﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ ﴾

 

وضدالثبات الزيغ : {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً..}

 وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ رواه مسلم وغيره عن أنس .

ثانياً :- الثبات ، يعني لزوم  التمسك بالحق الجلي  ، الذي  لانزاع فيه بين الراسخين في العلم ، مع سلوك طريق الهداية ، والمداومة على الطاعات ، والسعي إلى الزيادة من الخير ، وقد تمر بالمرء حالات من الفتور  ، لكن هناك مستوىً  معين لايقبل النزول عنه  ، وإن زلت به القدم فسرعان ما يعود ويتوب ، وقد يعود أفضل مما كان .

ثالثاً :- الجمود ، قد  يلتبس أمره على كثير من الناس ويجعلونه من الثبات على الحق بينما حقيقته ضرب من التحجر المذموم والتصحر الفكري  وبمعنىً آخر هو حالة من التزمّت لفكرة معينة ، دون قبول النقاش فيها ،  أو الإتيان بأي دليل يتنافى معها،

وللجمود أسباب كثيرة منها :-

1- الخلل البنيوي  في  النشأة والتربية ، على طريقة واحدة سواء كانت ، طرقية ،  أو مذهبية أو فكرية أو حزبية ، أو مشيخية ، وغالباً ما تؤدي إلى رفض فكرة القبول ، بما لدى الآخرين من صواب  ،  وقد يشطحون حتى يروا ماهم عليه  محض الحق ! وما سواه زيغاً وضلالاً  !  فيجمدون  ، ويوصدون على عقولهم ، من مجرد التفكير، رهبةً عن مفارقة المألوف .

2- قلة الإطلاع والجهل  بمواطن الإجماع والإختلاف في أقوال مخالفيهم وميزانها بميزان الشرع، لا بميزان شيوخهم وأساتذتهم ، أو موجهيهم الذين قلدوهم بدون بصيرة .

3- تأثير البيئة في صياغة التفكير من حيث المرونة أو الجمود ، ولذا كان الأولون من علماء السلف يكثرون من تغير البيئة  ومن التنقل ، والأسفار  والرحلات في تلقي العلوم  ويوصون بذلك ويعددون من  شيوخهم ، ومعلميهم ، في شتى الفنون من  الحديث والفقه والتفسير و الزهد والرقائق والعبادة والأخلاق والجود والكرم ، أو السياسة الشرعية ، وعلم الإجتماع والعمران ،  ونحو ذلك فينشأ عن ذلك توازن واعتدال في الفهم والتفكير ، لايتحصل على ذلك من قصر التلقي على شيخ واحد ومعلم واحد ومرشد واحد، أو محضن واحد أو مركز واحد أو دائرة واحدة ،  فإن ذلك مدعاة ، للجمود الفكري والركود الحضاري .

4- ظاهرة التفلت من الدين ، والتحلل من أحكامه ، والتماهي مع موجات التغريب ، والتفسخ الأخلاقي ، والبعد عن تعاليم الإسلام  وآدابه ، تعد سبباً في دفع كثير من ذوي الغيرة والتدين ، إلى فقدان التوازن والوسطية ،  في معالجة ظواهر الإنحراف ، فيطلقون الأحكام ويتسرعون في تعميمها ، وربما تجاوزوا في رمي التهم وإساءة الظنون ، أو يتعسفون في تفسير وبواعث مثل هذه الظواهر فيتغذي الجمود والتطرف من الإنحلال والتفلت وكلاهما يتخادمان.

رابعاً :-  الحديث عن الجمود والتصحر الفكري في غاية الأهمية لما له من الآثار السيئة وزراعة الفوضى ونشر التباغض والعصبيات والتشديد بين الناس في أمور لهم فيها مندوحة وسعة ، وفي التأريخ نماذج للأفكار الجامدة و المتطرفة ، ومن أخطرها فكرة الخوارج وما ترتب عليها من سفك للدماء وزراعة للفرقة  والشقاق ويقابلها مدارس الإرجاء كنموذج للتفلت من الدين ومسلماته وقطعياته ، وهناك نماذج كثيرة من الآراء المذهبية الشاذة التي لا تمت إلى دين الإسلام بصلة ،

 

وفي عصرنا الحاضر نشأت تيارات ومدارس متحجرة من طوائف وجماعات الغلو والتكفير، والتفسيق ، والتبديع ، في مدارس شتى وتزداد خطورتها بأمور منها  :-

1- التوجيه والرعاية من جهات دولية،  وإقليمية ، ترى فيها منافع لتحقيق أطماعها ورغباتها السياسية فتستخدم هذه الفئات لتحقيق مآربها من جهة ، وتشويه صورة الإسلام الصافي ، للحيلولة  دون انتشاره من جهة أخرى فتكون البلية مركبة من شقين غلو وتطرف  ، وتخادم وتسخير .

2- توفر السلاح بأنواعه المختلفة ، بيد  جماعات الغلو والتحجر ، فتسعى إلى توسيع نفوذها ،  وحمل الناس على غلوها وتنطعها ، باستباحة  الدماء والأموال والأعراض ، كما تفعل مليشيا الحوثيراني ، في اليمن ، الجامدة على نظرية وعقيدة الحكم والولاية في البطنين ( الحسن والحسين ) التي أرهقت اليمنيين عبر تأريخهم وكلفتهم  من المعاناة والدماء والكوارث ما تعجز الأسفار عن حصره !

وبالرغم   – من فساد هذه النظرية ، شرعاً وقانوناً ، وانعدام القول بها لدى قدماء أهل البيت كعلي والحسن والحسين رضي عنهم وتمسكهم بمسلك الأمة الشوروي، في اختيار من ترضاه حاكماً لها – إلا أن دس هذه الفكرة الدخيلة المغالية والمتحجرة ، لدى بعض المتأخرين ، من منتسبي الهاشميين في اليمن  قد فتح شراً مستطيراً وجلب الويلات للبلاد والعباد   .

والسعيد من لزم التوسط في الأمور وثبت على الحق وترك الجمود والتحجر وتجنب الإفراط والتفريط .

اللهم اهدنا في من هديت

رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاداليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى