أسر اليمن تحت وطأة الأزمة: استراتيجيات التكيف في مواجهة الأوضاع الإقتصادية
الرشاد برس | تقاريـــــــــــــــر
تشهد اليمن منذ بداية الانقلاب الحوثي في عام 2014 أزمات إنسانية واقتصادية صعبة، تفاقمت في الآونة الأخيرة نتيجة للأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة. في ظل هذا الوضع، أصبحت الأسراليمنية تعتمد على استراتيجيات تكيف صعبة لتلبية احتياجاتها الأساسية بسبب نقص الغذاء والموارد. ومع ذلك، لا تقتصر الأزمة على الظروف الراهنة فقط، بل تعود جذورها إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي قبل الانقلاب، حيث كانت اليمن تعاني من ضعف البنية التحتية وتفاقم الوضع المالي، ما ساهم في تعميق الأزمة الحالية. يسلط تقرير مركز النماء للإعلام الإنساني الضوء على بعض من أبرز التحديات التي تواجه الأسر اليمنية، مع تقديم تحليل شامل للأوضاع المعيشية والاقتصادية.
تكيف الأسر
في دراسة حديثة أعدها مركز النماء للإعلام الإنساني، أظهرت نتائج دراسة استقصائية حول كيفية تأمين الأسر اليمنية لاحتياجاتها الأساسية في حال انقطاع المساعدات الغذائية لمدة 30 يومًا. أكدت الدراسة التحديات الاقتصادية والمعيشية الكبيرة التي تواجه الأسر، ما يجبرها على اللجوء إلى استراتيجيات تكيف قاسية للبقاء على قيد الحياة. فيما يلي أبرز الاستراتيجيات التي اتبعتها الأسر:
1. تقليل الوجبات: أشار 35.3% من المشاركين في الدراسة إلى أنهم يلجؤون إلى تقليل عدد الوجبات اليومية بهدف تقليل استهلاكهم الغذائي. وهذا يعكس اعتماد الأسر على خفض استهلاك الطعام لمواجهة نقص الموارد، وهو حل غير مستدام قد يؤدي إلى تدهور الصحة العامة وزيادة الضغط على النظام الصحي.
2. العمل المؤقت: أفاد 23.5% من المشاركين بأنهم يسعون لتأمين احتياجاتهم من خلال العمل المؤقت، رغم قلة الفرص المتاحة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي العام. لكن هذا الحل يبقى غير ثابت ولا يوفر استقرارًا ماليًا على المدى الطويل.
3. بيع الممتلكات المنزلية: ذكر 21.6% من المشاركين أنهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم المنزلية مثل الأثاث أو الأجهزة لإيجاد المال اللازم لشراء الطعام والاحتياجات الأساسية. ويعكس هذا حجم الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشعب اليمني، والتي تؤدي إلى تآكل ممتلكاتهم الشخصية.
4. الاعتماد على المدخرات الشخصية: أفاد 13.7% من الأسر أنهم يلجؤون إلى مدخراتهم الشخصية لتأمين احتياجاتهم. لكن هذا يشير إلى أن معظم الأسر تفتقر إلى المدخرات الكافية لمواجهة الأزمات طويلة المدى، مما يتركهم في موقف هش أمام أي طارئ.
5. طلب المساعدة من الغرباء: في حالة مأساوية، أظهرت الدراسة أن 4% من الأسر قد تضطر إلى طلب المساعدة من الغرباء بسبب فقدان أي مصدر للدخل أو الدعم. وهو ما يعكس ارتفاع معدلات الفقر في البلاد.
ازمة خانقة
يعاني اليمن من أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل غير مسبوق. فقد وصلت العملة اليمنية إلى أدنى مستوياتها، ما جعل الدولار الأمريكي يصل إلى مستويات قياسية في مناطق الشرعية ومناطق سيطرة المليشيا الحوثية. كما تراجع الدعم الإنساني بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ما جعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للملايين من اليمنيين الذين يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الخارجية.
تأثير العقوبات الاقتصادية
في خطوة تزيد من تعقيد الوضع، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على الحوثيين، لكن تأثيراتها طالت النظام المالي بشكل عام، وليس فقط قيادات المليشيا. فقد تم فرض عقوبات على بنك تجاري يعمل في مناطق سيطرة المليشيا، وهو الأول من نوعه ضد بنك تجاري مملوك للقطاع الخاص. هذه العقوبات تؤثر بشكل سلبي على النظام المالي المتهالك في اليمن، حيث تشكل البنوك التجارية الممر الأساسي للتحويلات المالية من الخارج، وهي الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها اليمنيون لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
الأزمات الاجتماعية والإنسانية
يعاني المواطنون في اليمن من تدهور الظروف المعيشية بشكل حاد. أشار “أ.ن.ه”، عامل في مجال الرنج ويعول 8 افرد. إلى أن العمل أصبح نادرًا هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة. وأضاف قائلاً: “أذهب كل يوم إلى السوق للعمل، لكن لم أتمكن من الحصول على أي مبلغ. الآن أنا أعيش على نصف كيس دقيق بدلاً من كيس كامل.”
وفي مدينة ذمار، يعاني الأستاذ “ه.و.ر”، موظف إداري في التربية، من صعوبة توفير أساسيات الحياة لعائلته المكونة من 7 أفراد. ويشكو من تدني الأجور وانقطاع الرواتب، قائلاً: “لقد اعتمدت حكومة صنعاء على نصف راتب للتربويين، ولكن تم استثناؤنا نحن التربويين وتم حرماننا من هذا النصف، بالإضافة إلى توقف المساعدات الإنسانية.”
دعم الأمم المتحدة
في تقرير حديث، كشف برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن. فقد أظهرت التقارير أن نحو 19.5 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2025، وهو ما يمثل زيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي. تسعى الأمم المتحدة لجمع 2.5 مليار دولار لتوفير المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص من أكثر الفئات ضعفًا في اليمن. ولكن إذا لم يتم تأمين التمويل الكافي، فقد لا يتمكن نحو 10 ملايين شخص من الحصول على المساعدات التي يحتاجون إليها.
تداعيات اجتماعية
تستمر معاناة الأسر اليمنية مما قد يؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه. فقد حذّر التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية من أن تجاهل معاناة المواطنين سيؤدي إلى انفجار اجتماعي. في مناطق الحكومة كما أشار الناشط “ت.ن.م” إلى أن الوضع في مناطق سيطرة الحوثيين يمثل كارثة إنسانية حقيقية، حيث يعاني السكان من غياب الرواتب والانقطاع المستمر للمساعدات، بالإضافة إلى الجبايات التي تفرضها المليشيا على أصحاب البسطات والمشاريع الصغيرة.
الختام
تستمر الأزمات الإنسانية والاقتصادية في اليمن، مما يضع الأسر اليمنية أمام تحديات غير مسبوقة في تأمين احتياجاتها الأساسية. ومن الضروري أن تتحرك الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية بسرعة لتوفير الدعم اللازم لتخفيف معاناة الشعب اليمني. إن التدخل العاجل من المنظمات الدولية والجهات المانحة أمر بالغ الأهمية لمساعدة اليمن في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وتقديم المساعدات اللازمة لدعم الأمن الغذائي، وتوفير خدمات الصحة والتعليم الضرورية لحماية مستقبل الأجيال القادمة في اليمن.