تقارير ومقابلات
الأمم المتحدة.. والانقلاب على الشرعية الدولية….

الرشاد برس تقارير ومقابلات
أحمد عفيف
بعد حروب عالمية دامية ووحشية، أهلكت الحرث والنسل وأحدثت دمارا هائلا، وبعد فشل عصبة الأمم التي أنشئت لدعم جهود السلام واستمرت من 1919م وحتى 1945م دون جدوى في إحداث تغيير جذري في إحلال السلام العالمي، احتشد عقلاء وحكماء العالم لإنشاء منظمة الأمم المتحدة وتأسيسها في 24أكتوبر 1945م ولأجل تحقيق السلام العالمي كهدف رئيسي للمنظمة الدولية تم وضع العهود والمواثيق والقوانين الدولية وإبرام الاتفاقيات المختلفة المتفرعة عن هذه القوانين من قبل الدول الأعضاء، مثلت هذه المجموعة من الاتفاقيات والقوانين الشرعية الدولية كإطار إلزامي لعمل المنظمة الدولية والدول الأعضاء.
كانت هذه المواثيق ولاتزال في إطارها النظري رائدة في مجالها فائقة في دقتها ومعالجاتها الموضوعية لكافة المشكلات العالمية وكافة الدول الأعضاء، لذلك سارعت غالبية الدول إلى الانضمام لهذا الكيان والتوقيع على الاتفاقيات والمواثيق الخاصة به ومنها اليمن الذي كان من أهداف ثورته المباركة ثورة 26سبتمبر احترام مواثيق الأمم المتحدة.
لكن الكارثة تجلت في الجانب التطبيقي للشرعية الدولية التي استخدمت بطريقة سيئة وتم الالتفاف عليها بأساليب مخادعة لخدمة أهداف مبطنة تتبناها أطراف دولية خبيثة لها أجندتها الخاصة التي ليس منها بالتأكيد إحلال السلام العالمي.
الاختراق المؤسسي…
تقوم أجهزة الأمم المتحدة بتنفيذ برامجها وأعمالها من خلال كوادر بشرية مؤهلة تتصف بالحياد وعدم التحيز في تقييم وتأدية العمل الإنساني والحقوقي والأمني والسياسي، وهذه هي القيم والمبادئ الرئيسية لاختيار الكادر ذلك أن تطبيق مواثيق الشرعية الدولية تتطلب ذلك إلا أن أجهزتها التي تمثلها في اليمن والإقليم مليئة بالقيادات والكوادر المتحيزة والتي لا تؤمن أساسا بمواثيق الشرعية الدولية وأنظمتها ولوائحها وآليتها المتفرعة قدر إيمانها بأجندتها الخاصة المتحيزة لصالح إيران ومليشياتها المتوزعة في المنطقة بما في ذلك مليشيا الحوثي، والمتأمل لهذا المشهد يجد أن الحوثيين السلاليين وأعضاء في حزب الله اللبناني هم من يسيطر على هذه الأجهزة كقيادات في الصف الأول والثاني إلى جانب استحواذهم على الجوانب المفصلية في هذه الأجهزة بما يمكنهم من تمرير مخططاتهم واتخاذ آليات ماكرة يقفزون من خلالها على مواثيق الشرعية الدولية ويعملون على ترويضها واختراقها كما يحلو لهم ويخدم أجندتهم ويحقق أغراضهم الدنيئة من خلال رفع التقارير المغلوطة واستغلال الثغرات في نصوص وبنود المواثيق والاتفاقيات.
ولم يكن تواجد هذا الجهاز الإداري والفني والتنفيذي
ولم يكن تواجد هذا الجهاز الإداري والفني والتنفيذي الضخم والمتحيز من باب الصدفة، بل إن قوى غربية لها نفوذها الكبير داخل المنظمة الدولية هي من عملت على إيجاده بهذه الكثافة وفقا لمصالح مشتركة وتفاهمات سرية يعلمها جميع المراقبون والمهتمون بهذا الشأن.
لم يقف الأمر عند هذا الحد وتعدى إلى جانب المنظمات الشريكة للأمم المتحدة إذ قامت بتفعيل شراكاتها المحلية مع منظمات حوثية سلالية متحيزة كانت موجودة أو تم إيجادها من قبل هؤلاء الموظفين الدوليين والمحليين المنتمين للسلالة، في حين أنها تضع الشروط والعقبات والحواجز غير المنطقية أمام المنظمات المحلية الرائدة والمتواجدة والضليعة بخبراتها خصوصا في جانب رصد الانتهاكات وتقييم الأضرار وتقييم الاحتياجات الإنسانية.
دعم وإسناد….
منذ انقلاب المليشيا الحوثية عملت منظمات الأمم المتحدة باليمن على دعمها وإسناد انقلابها ابتداء من إمدادهم بالمخيمات والمؤن أثناء اعتصامهم بالمطار وحتى الآن، ولا يخفى على كل الناس فضلا عن المتابعين هذا الجانب، فالمليشيا مسنودة كل الإسناد من قبل أجهزة الأمم المتحدة بما في ذلك الإسناد السياسي والمالي واللوجستي والعسكري والحقوقي، هذا الدعم والإسناد الشامل لا يمكن تقديمه للمليشيا دون علم المنظمة الأم «المراكز الرئيسية لأجهزة المنظمة المتحدة»، كما يقول البعض، بل إنه يدار من هناك ولا يمكن لمنظمة كالأمم المتحدة، أن تكون بعيدة عن ما يحدث في أحد فروعها، وهي من تمتلك جهازا بشريا ضخما أسندت إليه مهمات المراقبة والمتابعة والتقييم وإصلاح الاختلالات الحادثة في مؤسساتها المختلفة سواء أكان هذا الخلل على شكل إخفاقات في المشاريع والبرامج والأنشطة أو انحراف عن المسار المرتبط بالآليات والمحددات، أو بالمورد البشري، ولكنها لعبة الأمم المتحدة وسياستها القذرة المغلفة بأغلفة الإنسانية والعمل التنموي وإحلال السلام وفض النزاعات، في عملية انقلابية واضحة على مواثيق الشرعية الدولية من خلال الالتفاف على آليات تنفيذها واستغلال بعض نصوصها الفضفاضة بتفسيرات تخدم أجندة معينة.
الشرعية الدولية.. والسلام المستدام
حين فعل مجلس الأمن وهي المؤسسة العليا في الأمم المتحدة مواثيق ومعاهدات الشرعية الدولية كما تقتضيه مقاصدها ومدلولاتها السامية خرج بقراره الموفق والذي لقي ترحيبا كبيرا وهو القرار 2216 الذي يخص اليمن حيث نص القرار بكل وضوح وشفافية بأن الحوثيين مليشيا متمردة على الشرعية الدستورية ويجب عليها تسليم ما بحوزتها من أسلحة والتراجع عن الأراضي التي سيطرت عليها، وهذا هو عين الصواب وهو الطريق الصحيح لصناعة سلام مستدام وفقا لمواثيق الشرعية الدولية، ويقتضي التفريط بنصوص هذا القرار
التفاف الأمم المتحدة على القرار 2216 يعد انقلابا فاضحا على الشرعية الدولية ويتجلى هذا الالتفاف في:
– لاحاجة للمبعوث الأممي في تنظيم مشاورات أو محادثات أو مفاوضات جديدة مالم تلتزم المليشيا بالانسحاب وتسليم السلاح وفقا لنصوص القرار، وهذا يعني أن أي أفكار جديدة للتسويات السياسية في اليمن هي محاولة للانقلاب على القرار.
– مشاورات السويد فيها تجزئة للقضية التي تبناها القرار فبدل أن كانت القضية إدانة المليشيا وإثبات عدم شرعيتها ووجوب تسليمها للسلاح تحولت إلى قضايا جزئية كميناء الحديدة وقضية الأسرى وغيرها من القضايا الجزئية المتفرعة بعيدا عن القضية الرئيسية.
– رغبة المبعوث الأممي في تشكيل مجلس حكم انتقالي مرحلي وإصراره على ذلك، وهي من المواضيع ذات الأولوية في جولة المشاورات القادمة بالنسبة للمبعوث الأممي، وهذا الإجراء يلغي تلقائيا كافة المرجعيات بما فيها قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية.
– مسألة تبادل الأسرى التي طرحت في طاولة السويد خرقا فاضحا لمواثيق الأمم المتحدة، فكل السجناء لدى المليشيا إما سجناء رأي أو مختطفون أو مخفيون قسريا وهذه الممارسات تعد جرائم حرب وفقا للأعراف الدولية وإخراجهم يتم عبر إلزام المليشيا بالإفراج الفوري عنهم دون اشتراطات، والتعامل معهم كأسرى إضفاء شرعية للمليشيا ومخالفة جريئة للقانون الدولي.
– تدليل المبعوث الدولي للمليشيا ومرافقتهم في حضور المشاورات والسماح لهم بتجاوز العدد المحدد للوفد كل هذه الممارسات تعد تحيزا غير معهود ولا مسموح به في أعراف الأمم المتحدة وآليات عملها.
قرار جديد…
قرار مجلس الأمن الجديد 2451 يعد استكمالا للانقلاب على الشرعية الدولية لمناقضته كليا للقرار السابق وإن نص في مقدمته على أنه يستند إلى 2216، إذ أصبحت المليشيا وفقا للقرار الأول طرف نزاع وفقا للقرار الثاني، وهذا اعتراف من المنظمة الدولية بالحوثيين كطرف نزاع وليس متمرد، ثم إن البدء بالعمليات الإجرائية لبناء الثقة وتقريب المواقف قبل التزام المليشيا بتسليم السلاح والانسحاب وفقا لآلية مزمنة وضمانات معناه بقاء السلاح بيد المليشيا وهذا مايتناقض مع القرار السابق في حيلة أممية جديدة للانقلاب على قراراتها وتمكين المليشيا من الاستمرار في سيطرتها على مؤسسات وأراضي الدولة الواقعة في إطار سيطرتها، وهو ماسيؤدي إلى إبقاء المشكلة التي كافح اليمنيون من أجل القضاء عليها، وبناء على هذه الاجراءات ونتائجها التي ستترتب عليها لن تنعم بسلام مستدام كماتزعم الأمم المتحدة.
وما وجدنا لأكثرهم من عهد….
مليشيا الحوثي لاعهد لها ولاذمة ولا يمكن أن تلتزم بأي مواثيق تفضي إلى إيقاف الحرب أو إحلال سلام مستدام، وإقدامها على حضور المشاورات والقبول ببنودها ماهي إلا استراتيجية تبنتها المليشيا لإعادة ترتيب صفوفها واستعادة أنفاسها لتتمكن من خوض غمار الحرب من جديد، وهو الحال بالنسبة للأمم المتحدة الذي لم يسجل التاريخ لها نجاحا في حل أي نزاع أو إيقاف أي توترات بشكل إيجابي، فهي غالبا ما تتدخل لإحداث الفوضى وإشعال الحروب والنزاعات وتمكين المتمردين من السيطرة، وخير دليل على نكثها للمواثيق والمعاهدات والقرارات انقلابها على قرارها 2216بخصوص اليمن.
دور الحكومة الشرعية…
من الطبيعي جدا أن تشارك الحكومة الشرعية في المفاوضات والمشاورات والمحادثات، فهي تمثل الجمهورية اليمنية التي تحترم مواثيق ومعاهدات الشرعية الدولية، وتجد فيها ضامنا حقيقيا لإحلال السلام المستدام وحدوث الاستقرار، لكن في المقابل إن رأت الحكومة الشرعية بأن المبعوث الأممي وكذلك الأطر المؤسسية التي يعمل من خلالها يعملون على الالتفاف على مواثيق الشرعية الدولية والانحياز للمليشيا يحق لها أن تبدي تحفظها حيال ذلك أو إبداء عدم رغبتها بشخص المبعوث وطلب استبداله من خلال إخطار الأمين العام بذلك.
ومهما يكن الأمر فالسلام المستدام لن يحققه إلا الجيش الوطني من خلال القضاء على المليشيا وقطع دابرها وإفشال مشاريعها الإرهابية، وهذا ما نعول عليه، ويطمح إليه سائر الشعب اليمني، أما غيرها من التدابير فهي تؤسس لدورة حرب جديدة.
التصريحات الحكومية الغاضبة جاءت عقب إعلان جماعة الحوثي المسلحة، عن بدءها بإعادة انتشار قواتها من ميناء الحديدة واستلام قوات من خفر السواحل للميناء بحضور فريق الأمم المتحدة، وهو ما اعتبرته الشرعية إفشال للاتفاق الذي تم برعاية أممية.
وقال عضو الوفد الحكومي في مشاورات السويد “عسكر زعيل”، إن ادعاء الحوثين بانسحاب عناصرهم من ميناء الحديدة، أمس السبت، يمثل بداية سلبية تجاه التطبيق العملي لاتفاقيات مشاورات السلام في السويد.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “سبأ” عن زعيل قوله، إن هذه الخطوة تقلل من فرص السلام، وتكشف عن نوايا المليشيا ومساعيها الحثيثة في إفشال الاتفاق الذي تم برعاية أممية.
وأضاف “أقدم الحوثيون على إعلان قيامهم إعادة الانتشار في ميناء الحديدة وتسليمه لعناصر تابعة لهم، وبحضور رئيس لجنة إعادة الانتشار الأممية الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، امر مرفوض وغير مقبول، ويعد تناقضا صريحا لاتفاق استوكهولم، ويستوجب التوضيح الكامل من المبعوث الاممي لهذا الإجراء غير المسئول”.
وأكد زعيل رفض الجانب الحكومي لهذه الخطوة جملة وتفصيلا، وقال إن اتفاق استوكهولم بشأن مدينة الحديدة وموانيها واضح وصريح ولا لبس فيه، وهو أن من يتسلم إدارة الموانئ وأمنها هي الجهات الرسمية التابعة للحكومة اليمنية وفقا للقانون اليمني.
وأشار إلى إن الحكومة تنتظر موقف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث واللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق برئاسة الجنرال باتريك كاميرت، من هكذا إدعاءات تناقض ما أقر في مشاورات استوكهولم.
وقال عضو الفريق الحكومي لمشاورات السويد:” إن الحكومة ستقوم بإبلاغ أمين عام الأمم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية بأن هذا الإجراء مرفوض، وغير مقبول، لمناقضته الصريحة لاتفاق السويد.
سبتمبر نت