للتمزيق ممولون وأنصار
الرشادبرس_ مقالات
بقلم / أحمد عبدالملك المقرمي
22 مايو 1990 ليس حدثًا عابرًا، ولا تاريخًا مغمورًا؛ لأنه يومٌ صنع فيه اليمنيون اللبنة الأهم لهدف وطموح الثورة اليمنية في سبتمبر وأكتوبر.
الأهداف الكبيرة لا تتبدل ولا تتحول، لأن الأهداف العظيمة هي من الثوابت التي لا توضع على طاولة المساومات، بل تبقى دائمًا على صهوة العزم، وحماس البناء، وجدية العمل.
قد تتعثر الأهداف الكبيرة، وقد يشوبها القصور، وقد يطرأ عليها إساءة في التطبيق، وهذه أعراض وأمراض تستوجب العمل لمعالجتها وإصلاحها لتترسخ الأهداف وتؤتي ثمارها.
الاستقلال وطرد المستعمر، على سبيل المثال، يظل هدفًا لا يغيب ولا يقبل المساومة. قد تعترض سبيل تحقيقه مشاق وصعاب، وقد يتطلب تحقيقه تضحيات جسامًا، وقد يطول الطريق. فهل انصرف شعب من الشعوب عن المضي نحو تحقيق هدفه في الاستقلال وطرد المستعمر بحجة جسامة التضحية وعظم التكلفة؟ كلا.
لقد سقط أكثر من ثلاثين ألف شهيد في يوم واحد في الجزائر، في تظاهرة واحدة في مقاومة الاستعمار الفرنسي. ولماذا نذهب بعيدًا؟ والشعب الفلسطيني يواجه الصهيونية منذ 77 عامًا بلا كلل أو ملل، حتى اللحظة التي تُكتب فيها هذه السطور، واللحظة التي تُقرأ فيها هذه الحروف. فهل تراجع الشعب الفلسطيني عن هدفه في نيل حقوقه وحريته، واستقلال وطنه بحجة الكلفة الكبيرة وطول الطريق؟ أو بحجة المؤامرة الكونية؟ أو بحجة خذلان أشقائه العرب؟
أبدا، لم يحدث ذلك! بل زاد حماس الجهاد والكفاح، وبذل التضحيات.
التعثر، والقصور، وإساءة التطبيق، هي قضايا وأمور جانبية لا يجوز، ولا يصح معها أبدًا أن نجعل منها أسبابًا للتشنيع على الهدف أو السعي لتدميره. بل الواجب المفروض هو تصحيح الأخطاء، ومعالجة أسباب التعثر، وتجاوز القصور.
فمثلاً، كان ولا يزال هدف الشعب الفلسطيني نيل حريته واستقلال وطنه، واستُدرج بعض أطراف النضال الفلسطيني إلى مفاوضات، فإذا بهم بعد نضال مرير، يفطرون على “بصلة”! فاتفاق أوسلو كان فخًا استعمارياً ماكرًا تضافرت عليه أطراف كثيرة. فهل يُقبل أن تنصرف ردة الفعل هنا إلى أن يتنصل الفلسطينيون من الاستقلال الذي هو الهدف الأسمى؟ ويشتمون من سيتحدث عن الاستقلال، ويلعنون من سيناضل من أجله؟ كلا، وألف كلا.
لكن انظر، جاء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأتى فتية آمنوا بربهم، فصححوا الوسائل والمواقف، وحددوا الطريق نحو الهدف الثابت والمعلن.
الأهداف الكبيرة والعظيمة لا خلاف حولها، ولا ينبغي تقزيمها، فضلًا عن التخلي عنها. إنما الخلاف حول الوسائل، وعوامل القصور، وأسباب التعثر والأخطاء.
ماذا لو كانت الأمة العربية اليوم كلها على موقف واحد أبيٍّ وصادق حول فلسطين؟ هل سيكون وضع العرب، ووضع فلسطين بهذا الحال؟
هل لو كان العرب في وحدة واتحاد ستخرج قمة بغداد، وكل القمم العربية التي سبقتها بذلك الضعف والركاكة؟!
الوحدة قوة، وعز، وهيبة، وسلطان، والفُرقة ضعف، وذل، ورخاوة، وتبعية! وواقع الأمة شاهد، والهدف الأسمى واضح، ولكن… آه من “لكن”!
إن لزرع الفرقة، والتمزق، والتقزم، مخططين وممولين، وأطماع رخيصة.
وحالنا في اليمن، ونحن في مواجهة مشروع ظلامي بائس ومتخلف، والكل يعلم ذلك، إلا رخيص الموقف أو صاحب العقلية الابتزازية، تستدعي هذه الحال وحدة الصف، وتوحيد الجهود والطاقات، وطرح أطماع الصغار جانبًا، والتوظيف الأبله للقضايا بعيدًا. ثم المضي على موقف رجل واحد، وهدف سامٍ نحو الهدف الأعلى لليمن واليمنيين، وهي معركة الخلاص.
أين؟ أين؟ ما كانت تردده كل العواصم العربية: “شعب عربي واحد، علم عربي واحد”؟!