أنصار الله (في اليمن) على خطى حزب الله (في لبنان)
الميليشيات الحوثية في المحافظات الشمالية لليمن يظهر أنهم يتحركون بناء على خطة مرتبة تؤدي لهدف محدد، وهو تكوين إقليم ذاتي مستقل عن الحكومة المركزية.
هذا الهدف هو مسعى إقليمي إيراني من أجل نشر بؤر توتر في أماكن كثيرة من الدول الإسلامية، وذلك لتخفيف الضغط على الجمهورية الإيرانية من ناحية، ولتصدير الفكر والمذهب الشيعي من ناحية أخرى.
أستطيع أن أقول إن الإيرانيين والحوثيين أحسنوا استغلال الظروف المحلية والإقليمية بشكل جيد خلال السنوات العشر الماضية لتنفيذ خططهم لتنفيذ ذلك الهدف.
فهم ينفقون بسخاء على أتباعهم لشراء السلاح، وكسب الولاءات، وإغراء المحتاجين، وتوسيع الميليشيات المدربة.
كما أنهم يقومون بالتدريب العسكري والسياسي والإعلامي والديني لأتباعهم والمتعاطفين معهم، ويرسلون مئات الشباب إلى طهران وبيروت ودمشق وبغداد، بشكل شهري منذ سنوات طويلة.
يستغل الحوثيون (الذين يسمون تنظيمهم في اليمن باسم أنصار الله) كل يوم وساعة في تنفيذ تلك الخطط، والتوسع المنهجي، واكتساب أراض جديدة، والقضاء على خصومهم، ومحاولة الوصول لميناء على البحر الأحمر، ورشوة المسئولين لتهريب الأسلحة من عدة منافذ بحرية في حضرموت والمهرة وشبوة وعدن وتعز والحديدة وحجة، وكذلك عن طريق نقاط التفتيش العسكرية البرية المنتشرة على الطرق الرسمية في كل مكان، وخاصة طريق سيئون مأرب صنعاء، وطريق المخا الحديدة حجة.
لقد استطاع الحوثيون اليوم أن يصلوا لتكوين ما يشبه الإقليم المستقل في محافظة صعدة وبعض مديريات محافظات الجوف وحجة، وهذا الإقليم الحوثي يشمل معسكرات حوثية مسلحة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بما فيها الدبابات ومضادات الطائرات والمدافع، بعضها عن طريق التهريب الذي يصل من جهات عسكرية وشعبية في إيران والعراق وسوريا ولبنان، وبعضها عن طريق ما يغنموه أو يشتروه من معسكرات الجيش اليمني.
ويشمل الإقليم الحوثي أيضا: محاكم شرعية متخصصة في فصل القضايا والحكم بين المتنازعين، تقوم على المذهب الشيعي الهادوي الذي هو فرع عن المذهب الزيدي، كما يشمل إدارات حكومية تمولها الحكومة المركزية في صنعاء ماليا، ولكن يسيطر عليها الحوثيون تعيينا وفصلا وإدارة، مثل مكاتب التربية والتعليم والصحة والضرائب وغيرها.
ويقوم الحوثيون بأخذ الزكاة من المواطنين في مناطق سيطرتهم، ولهم سجون خاصة بهم لسجن مخالفيهم من رجال القبائل والأحزاب السياسية والناشطين المدنيين ومن يتمرد على سلطتهم وقراراتهم في تلك المناطق، كما يمارسون فيها التعذيب والممارسات اللاقانونية حسب المنظمات المدنية التي زارتهم.
ورغم هذه السيطرة (شبه الكاملة) للحوثيين على تلك المناطق إلا أنهم يسعون للتوسع بكل قوة وسرعة في المناطق الأخرى، بخطة عسكرية في المحافظات المجاورة مثل الجوف وحجة وعمران، أو خطة ثقافية وإعلامية ومالية وسياسية في المحافظات البعيدة مثل أمانة العاصمة وصنعاء وعدن والحديدة وتعز وإب وأبين وذمار وغيرها.
ولا يخفي الحوثيون تعاطفهم مع الحركة الانفصالية الجنوبية اليمنية، وتدعم إيران هذا التوجه بقوة، ويظهر أن سبب ذلك التصرف الغريب هو رغبة الحوثيين في تقليل نسبة السنة في الدولة اليمنية بعد انفصال المحافظات الجنوبية التي يشكل السنة فيها نسبة مائة في المائة من السكان، وذلك ليتم تعديل نسبة الشيعة في شمال اليمن بعد الانفصال لتصل إلى ثلاثين في المائة، ولأن الشيعة مولعون بزيادة نسبهم في كل دولة يتواجدن فيها فلا يستبعد أن يزعموا أن نسبتهم ستكون حينها خمسين في المائة مثلا، رغم أن التركز السكاني اليمني يتواجد في المحافظات السنية في وسط البلاد: تعز وإب والحديدة، وهي المحافظات التي يزيد عدد سكان كل واحدة منها على مليوني نسمة؛ إضافة لمحافظة حضرموت (السنية هي الأخرى، وإن كانت تقع في المنطقة الجنوبية بخلاف السابقة).
الحركة الحوثية في اليمن تلقى تعاطفا كبيرا وتسهيلا واسع النطاق لدى أفراد ومجموعات من الشيعة المتعصبين المتغلغلين في كثير من أجهزة الدولة اليمنية، وخاصة في الجيش والقضاء، ولذلك تستغل هذا التعاطف في التمدد شيئا فشيئا، واختراق بعض القطاعات المهمة في الجهاز الحكومي اليمني مستغلة تعاطف المذهبي والسلالي مع الحركة.
الحكومة اليمنية تبدو عاجزة عن مقاومة هذا التمدد الحوثي، بسبب الانقسام الحاصل في الجيش من ناحية، وبسبب الضغوط الغربية القوية التي تدفع الحكومة للاعتراف بالحوثيين والتعامل معهم واستيعابهم في الحوار الوطني والمشاركة السياسية لفرضها كأمر واقع بناء على السياسة الغربية القائمة على إدارة الأزمات في البلاد العربية وعدم حلها.
صحيح أن الحركة الحوثية (أنصار الله) لم تكتمل سيطرتها على المناطق الواقعة تحت نفوذها بنسبة مائة في المائة، وذلك لوجود معسكرات للجيش اليمني في كل منطقة من تلك المناطق، ولوجود نظام قبلي هناك يرتبط الفرد فيه بقبيلته وزعاماتها أكثر من ارتباطه بالدولة أو الجماعات المسلحة أو الدينية، ولكن تبقى تلك العوامل محصورة ولا تشكل مقاومة كبيرة للحركة الحوثية هناك، ويمكن القضاء عليها في حال نشوب نزاع مسلح.